34 يوما على قطر 2022.. بصمة "مصرية-فلسطينية" في مونديال 1934
نقترب أكثر وأكثر من صافرة انطلاق نهائيات كأس العالم قطر 2022، والتي ستُقام اعتبارًا من 20 نوفمبر/ تشرين الثاني، وتستمر منافساتها حتى 18 ديسمبر/ كانون الأول، وفي كل يوم من الأيام الـ50 الأخيرة على انطلاق المونديال، يأخذكم موقع "winwin" في رحلة عبر تاريخ النهائيات ليقدم أبرز الأحداث والأرقام.
يوم 17 مايو/ أيار عام 1934، استقل وفد يضم كوكبة من أبرز لاعبي كرة القدم المصريين القطار من القاهرة صوب مدينة الإسكندرية، حيث كانت تنتظرهم الباخرة التي مضت بهم نحو مدينة نابولي الإيطالية، ليحطوا رحالهم فيها بعد 10 أيام، تمهيدًا للمشاركة في النسخة الثانية من بطولة كأس العالم لكرة القدم، وفي نابولي، كان في استقبال المنتخب المصري فؤاد بيك أنور، القنصل الفخري المصري، الذي احتفى بالوفد قبل توجهه إلى روما.
المشاركة المصرية في ذلك المونديال اعتُبرت آنذاك ولعقود طويلة بعدها إحدى أهم المشاركات في التاريخ الرياضي العربي على الإطلاق، بوصف منتخب مصر أول منتخب ناطق بلغة الضاد وأول منتخب أفريقي يسجل حضوره في المونديال.
ووضعت قرعة البطولة المنتخب المصري في مواجهة المنتخب المجري، الذي كان يعتبر أحد أقوى المنتخبات على الصعيد العالمي آنذاك، حيث خسر الفراعنة المواجهة بنتيجة 2-4.
وكان المنتخب المصري قد حجز مقعده في مونديال إيطاليا 1934 بعد تخطيه المنتخب الفلسطيني في التصفيات، حيث فاز ذهابًا في القاهرة بنتيجة 7-1، وفازًا في القدس بنتيجة 4-1.
محاولات لتشويه التاريخ
هاتان المواجهتان بين مصر وفلسطين كانتا وما زالتا عرضةً للتشويه من الكيان الصهيوني المحتل، طوال العقود الماضية، فالكيان الغاصب يصر على أن "منتخبه الوطني" هو الذي خاض هذه المباراة عبر أدلة ساقها، وأقنع من خلالها الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بإدراجه المباراة ضمن تاريخ مشاركاته بتصفيات المونديال، في محاولة للسطو على التاريخ الرياضي الفلسطيني، وبالتحديد رياضة كرة القدم، التي شقّت طريقها إلى المدن الفلسطينية منذ مطلع القرن الماضي.
ويعتبر منتخب فلسطين أول منتخب عربي آسيوي يشارك في تصفيات المونديال، أمام المنتخب المصري، إذ كان النظام يقضي بأن يتأهل الفائز من مجموع المباراتين إلى النهائيات التي أُقيمت في إيطاليا صيف العام نفسه، وجرى لقاء الذهاب في القاهرة يوم 16 مارس/ آذار 1934، وفاز حينها المنتخب المصري بنتيجة (7-1)، قبل أن يُقام لقاء الإياب على ملعب البصة بمدينة يافا بتاريخ 6 أبريل/ نيسان 1934، وانتهى أيضًا لمصلحة المنتخب المصري بنتيجة 4-1، علمًا أن بعض الروايات تشير إلى أن لقاء العودة جرى في مدينة القدس.
ولتناول هذه القضية بالتمحيص، لا بد من الإشارة بدايةً إلى وجود رأيَين تاريخيَين متضادَين؛ الأول يؤكد أن من واجه المنتخب المصري بتصفيات 1934 هو المنتخب العربي الفلسطيني، وهذا ما كان يشير إليه الصحافي والمؤرخ الرياضي الأردني الراحل سليم حمدان في العديد من الموضوعات التي نشرها إبان عمله الصحفي الذي امتد على مدار أكثر من أربعين عامًا، أما المؤرخ الرياضي الفلسطيني عصام الخالدي، فيؤكد أن هذا المنتخب (الفلسطيني) كان قوامه من اللاعبين الإنجليز واليهود الذين سيطروا على "جمعية فلسطين لكرة القدم"، الممثل الشرعي لكرة القدم الفلسطينية آنذاك، لذلك فإن التساؤل الأول الذي يبرز عند الحديث في هذه القضية، هل هذا المنتخب الذي واجه مصر مثّل فلسطين أم الكيان الصهيوني الذي لم يكن موجودًا على الخريطة آنذاك؟
ولمعرفة ذلك يجب بداية سرد الظروف التي أسهمت في تشكيل المنتخب الفلسطيني الذي واجه المنتخب المصري، فالمراجع الصهيونية تذكر أسماء اللاعبين الذي شاركوا في هذه المباراة بالتفصيل، في حين لا يوجد أي مرجع عربي أو فلسطيني يشير من قريب أو بعيد إلى أسماء اللاعبين الفلسطينيين الذين خاضوا المباراة، علمًا أن الاتحاد الوطني الفلسطيني، الذي انبثق عنه هذا المنتخب، كان قد تأسس في صيف عام 1928، وتم الاعتراف به بناء على شروط الاتحاد الدولي "فيفا" حينها، والقاضية بأن يضم الاتحاد أعضاء من العرب أصحاب الأرض، حسب ما يؤكده المؤرخ عصام الخالدي.
وهنا يجب وضع خطين باللون الأحمر تحت اسم الاتحاد "جمعية فلسطين لكرة القدم"، الذي أشار حينها إلى فلسطين العربية وليس الكيان الصهيوني الذي لم يكن موجودًا حينها، لكن ما جرى بعد ذلك، كان عبارة عن محاولات صهيونية دؤوبة لطمس هذه الحقيقة، علمًا أن المحتلين ظهروا ككيان بعد ذلك بعشرين عامًا وتحديدًا في مايو/ أيار عام 1948.
بالأدلة.. مواجهة عربية خالصة
إذًا، فالمواجهة التي جمعت المنتخب الفلسطيني مع نظيره المصري بتصفيات 1934 هي مواجهة عربية بامتياز، عند الأخذ في عين الاعتبار اسم الاتحاد الذي انبثق عنه هذا المنتخب، لكن ما يتم تناوله في العديد من المراجع الصهيونية أن كل لاعبي المنتخب الفلسطيني آنذاك كانوا من اليهود، حتى أن أسماء الذين سجلوا الأهداف لمنتخب فلسطين كانوا يهوديين، مع التأكيد على وجود فارق كبير بين كلمتي "يهوديّ" و"إسرائيليّ"؛ فالأولى تدل على الديانة، أما الأخيرة فتدل على القومية أو الكيان الذي لم يكن موجودًا.
الراحل مصطفى كامل منصور، حارس مرمى مصر عام 1934، كان قد أجرى لقاء صحفيًا عام 1998، قال فيه: "يوم 16 مارس 1934، كان موعد المباراة الأولى بين مصر وفلسطين في تصفيات كأس العالم، وكانت المباراة الأولى لمصر والفرق العربية في تاريخ المونديال، وللأسف ضمت تشكيلة الفريق الفلسطيني تسعة لاعبين من اليهود واثنين فقط من العرب، ومعهم المدرب اليهودي شيمون لوميك، وأدار المباراة حكم إنجليزي يدعى ويلز، وفزنا بسهولة 7-1".
التصريح السالف يؤكد أن المنتخب المصري عندما وافق على مواجهة المنتخب الفلسطيني لم يكن يدري حينها أن عددًا من لاعبيه هم من اليهود، مع ملاحظة أن المراجع الصهيونية تشير إلى أن قائمة اللاعبين الذي شاركوا في هذه المباراة تضم 14 لاعبًا يهوديًّا، أي أن عدد اللاعبين الاحتياط في قائمة هذا المنتخب كان ثلاثة فقط وهذا أمر غير معقول، وفي ظل وجود تساؤل منطقي يفرض نفسه، هل هذا العدد الكبير من اللاعبين اليهود (حسب المراجع الصهيونية) في صفوف المنتخب أضفى عليه شرعية تمثيل (الكيان الغاصب) التي لم يكن موجودًا آنذاك؟، فيما يؤكد تصريح مصطفى كامل منصور على أهمية اللقاء الذي خاضته مصر بوصفه أول لقاء عربي بتصفيات المونديال، وفي هذا دلالة كبيرة على الاهتمام الكبير الذي كانت تحظى به هذه المباراة "العربية" آنذاك.
ثاني التصريحات التي تدحض الادعاءات الصهيونية ما أدلى به اللاعب الفلسطيني، عبد الرؤوف الأصفر، قبل رحيله في أبريل عام 2012، في حديث خاص مع الصحفي هشام ساق الله، نقله الأخير في مدونته الشخصية، إذ يقول هشام ساق الله: "جلست إلى جانبه، وواصلنا الحديث عن الرياضة، ويافا وشوارعها، وذكريات شبابه، وحينها أبلغني أنه كان ضمن تشكيلة المنتخب الفلسطيني الذي لعب أمام مصر عام 1934 ضمن تصفيات كأس العالم، حيث نجح هو في إحراز الهدف الوحيد في مباراة الذهاب التي انتهت لمصلحة مصر بنتيجة 7-1، وكان يلعب ضمن الفريق مجموعة من اللاعبين الفلسطينيين اليهود على وصف الأصفر".
نأتي الآن إلى الصورة كدليل ملموس على صحة الادعاءات الصهيونية أو زيفها، فالأرشيف الصهيوني لا يحتوي على أي لقطة جامعة للمنتخب الذي خاض مباراة مصر، في حين يتضمن صورة واحدة لم يتم التأكد من صحتها، يظهر فيها قائد هذا المنتخب مذيل باسمه اليهودي، وهو يصافح قائد المنتخب المصري آنذاك محمود مختار، علمًا أن الشخص الذي التقط هذه الصورة لم يكن يحول بينه وبين التقاط صورة جماعية لكلا المنتخبين أي شيء، خاصة أن هذه الصورة كانت ستحمل مضامين تاريخية مهمة، إلا إذا كانت الصورة مُزيفة، أو أن تكون قائمة المنتخب تضم عددًا لا بأس به من اللاعبين العرب الذين لا يرغب الكيان المحتل في الإفصاح عنهم.
مؤرخ أردني يكشف الحقيقة الكاملة
بعيدًا عن جميع ما سبق ذكره، فإن الراحل سليم حمدان، الصحافي والمؤرخ الأردني، كان قد أكد، وفي أكثر من مناسبة، أن جميع الروايات الصهيونية بخصوص هذه المواجهة هي محض هراء، فسليم حمدان ظل مُصرًا حتى آخر سنين عمره أن المباراة لم يخضها أي لاعب يهودي، بل أن كل اللاعبين كانوا من العرب الفلسطينيين، داعمًا روايته هذه بصورة يظهر فيها فريق يرتدي لاعبوه اللون الأبيض الكامل وطُبع على ستراتهم علم فلسطين بشكل واضح، مع الإشارة إلى أن الصورة لا يوجد لها أي نسخة إلكترونية، ولم يتم التأكد من صحتها من أية مراجع فلسطينية.
النقطة الأخيرة التي تؤكد على وجود عملية تزوير ممنهجة من قبل الكيان الصهيوني تتمثل في هوية الملعب الذي احتضن اللقاء، فجميع المؤرخين الذي واكبوا تلك الفترة الزمنية أكدوا على عدم وجود ملعب يحمل اسم "هابويل"، والذي يدعي الأرشيف الصهيوني وجوده آنذاك، ففي عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، كان هنالك ملعبان معتمدان لإقامة مباريات الدوري الفلسطيني؛ هما ملعب "القدس" إلى جانب ملعب "البصة" في مدينة يافا، المدينة العربية المحتلة المتاخمة لتل أبيب، إذ لم يكن لمدينة "تل أبيب"، العاصمة الحالية للكيان الصهيوني، أي وجود، بل كانت عبارة عن بؤر استيطانية لم ترق بنيتها التحتية إلى استضافة مباراة بتصفيات كأس العالم.
وستبقى قضية مباراتي فلسطين ومصر بتصفيات المونديال تراوح مكانها إلى أن يظهر دليل ملموس يؤكد زيف الادعاءات الصهيونية بشكل نهائي، ذلك لأن التاريخ يرفض أن يسجل مواجهة جمعت منتخبًا عربيًا مع الكيان المحتل، الذي لم يكن موجودة على الخارطة آنذاك.
سجلات ضد التاريخ
تشير سجلات الاتحاد الدولي إلى أن اتحاد الكيان الصهيوني لكرة القدم تأسس في عام 1928، ونال الاعتراف الدولي عام 1929، في حين أن إعلان قيام "الكيان الصهيوني" كدولة أعقب هذا الاعتراف بـ19 عامًا، وهذا وحده يثير تساؤلًا صارخًا، متى كان اتحاد وطني لكرة القدم ينال الاعتراف الرسمي قبيل إعلان دولته أو استقلالها أو الاعتراف بها من قِبل العالم بعقدين؟
الاتحاد الدولي عمد إلى الخروج من السجال الحاد ما بين المؤرخين العرب والصهاينة حول هذا اللقاء، بالإشارة إلى أنه جرى تحت الوصاية البريطانية، فأرشيف المواجهات الفلسطينية والمصرية في موقع الفيفا يشير إلى فلسطين بعبارة "فلسطين تحت الانتداب البريطاني"، لكن عند البحث عن تاريخ المواجهات الصهيونية بتصفيات المونديال تظهر لك هاتان المواجهتان ضمن سجلاته، وبالتالي فهي تدخل ضمن إحصائيات مشاركات منتخب الكيان المحتل بالتصفيات.