خدعوك فقالوا: هذا بطل مونديال قطر..!

2022-11-19 22:18
المنتخب الأرجنتيني لدى وصوله الدوحة للمشاركة في المونديال (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

يسألونني حيثما حللت ضيفا هنا أو هناك عن توقعاتي للفائز بمونديال قطر، هل تمتلك منتخبات أمريكا الجنوبية الزاد المعنوي والقوة البدنية والخبث التكتيكي لوضع حد لسطوة منتخبات القارة العجوز المسماة أوروبا؟

بالطبع مع كل مونديال أوزع بعض التكهنات هنا أو هناك دون أن تخرج توقعاتي عن القوى العظمى الكروية عالميا، لكنني مع هذا لا أبني توقعاتي بأسمنت مسلح من التكهنات الغيبية، على أساس أنه لا شأن لي بتضارب الأبراج، فلست أدري مثلا متى يتقاطع برج الجدي مع برج السرطان؟ ولا متى يحدث التزاوج اللا جنسي بين الحمل والجدي؟

في أغلب الأحوال أقرأ طالع المنتخبات الثقيلة عالميا وأضعها تحت مجهر التقويم الدقيق المبني على معطيات العقل من دون أن تكون لي كرة بلورية تضبط بوصلة توقعاتي، فأنا والحمد لله كروي الهوى يؤمن بأن كرة القدم صندوق طلاسم مليء بالمفاجآت المزعجة والمفارقات المربكة، ومن الصعوبة بمكان أن ترهن لعبة لا منطق لها بتوقعات لها علاقة بكذب المنجمين ولو صدقوا.

افرضوا مثلا أنني تحولت فجأة إلى (نوستر أداموس) ذلك الفلكي الفرنسي الذي قرأ البخت والاحتمالات قبل خمسة قرون ونبوءاته ماثلة للعيان، فكيف ستكون قراءتي الافتراضية عن بطل مونديال قطر؟ 

بادئ ذي بدء أعترف لكم بأن مونديال قطر سيكون حدثا تاريخيا فاصلا بين ثورة غلابى الشرق الأوسط و الأدنى و بين لؤم و عراقيل و غيظ الغرب مِن مَن يدعون وصلا بحقوق الإنسان، غير أنني أتمنى أن يكون اللقب من نصيب آسيا أو أفريقيا أو حتى منتخب من الكونكاكاف.

و حتى لا أبدو لكم أقرب إلى مدام (صولاري) الفرنسية ذائعة الصيت التي تتقن ضبط بلورة ما هو غريب، ففوز منتخب من الغلابى على حساب منتخبات القوى العظمى مستحيل و أقرب إلى عشم إبليس في الجنة لأسباب هي خليط من الذاتي و الموضوعي، و هذه قناعة أرجو أن تتوارى خجلاً و كسوفا في قطر، لكنني هنا أتحدث عن المنطق و ألغي من رأسي فكرة احتمالات (نوستر أدموس).

و بالعودة إلى بلورتي الواقعية التي تعتمد على قراءة خريطة المنتخبات القوية التي اعتادت لعب أدوارا طلائعية في بطولات كأس العالم بعين العقل، ستبدو لي المنتخبات الأوروبية في وضع يجمع بين الارتباك والترنح، و هو وضع غير مفهوم يثير ثورة شك كلثومية حول مدى جاهزيتها وقدرتها على مواصلة الهيمنة.

و بنظرة خاطفة على أقصى قارة الأمازون سنجد أن منتخبي الأرجنتين و البرازيل في حالة نادرة من الثبات الانفعالي و التفوق العالي المعنوي على كافة المستويات، بدليل أن محايدين غيري يؤكدون بما لا يدع مجالا للشك أن اللقب لن يخرج عن سكة رقصتي السامبا أو  التانغو.

أنا - و أعوذ بالله من شر نفسي و سيء عملي - أقرأ هنا الصورة كما هي بواقعية دون القفز على حقيقة أن كرة القدم أحيانا لوغاريتم من الصعب فك وحل طلاسمه، و إلا لما أطلقوا عليها أوصافا وألقابا من بينها أنها لعبة تنحاز للأكثر توفيقا و ليس للأفضل فنيا أو الأقوى بدنيا.

من يشاهد منتخب فرنسا وسقوطه المروع أوروبيا أمام منتخبات ليست ذات شأن سيندهش متسائلا: هل هذا المنتخب الذي يضرب الترهل خطوطه هو نفسه الذي توج بطلا لكأس العالم في روسيا على بساط الجدارة والاستحقاق بغض النظر عن غياباته الوازنة والمؤثرة؟

ومن يتابع مسيرة المنتخب الألماني و هو يترنح ذات اليمين وذات الشمال و يفرز مستويات متفاوتة ليس فيها ثمة إقناع سيتعجب من الحالة المزرية التي بلغها (المانشافت)، لكن هناك قاعدة ثابتة من النادر أن يشذ الألمان عنها تقول:

عندما يكون المنتخب الألماني في أسوإ أحواله يصل إلى المباراة النهائية أو على أقل تقدير يحل ثالثا أو رابعا، أما عندما يكون في مستواه الطبيعي وماكيناته تعمل بكفاءة فإنه يفوز بكأس العالم.

 ماذا بقي لأوروبا من حظوظ يمكن محاصرتها؟

منتخب إسبانيا متقلب مثل الطقس، مباراة جيدة ومباراة سيئة للغاية وهكذا دواليك، ومنتخب الأسود الثلاثة أصبح وديعا بلا مخالب ولا أنياب ومن السهل ترويضه وتدجينه، وبقية المنتخبات تلعب لمجرد التمثيل المشرف مع كامل احترامي لمنتخبات الدنمارك وسويسرا والبرتغال وكرواتيا وبلجيكا. 

في الطرف الآخر سيحط منتخب الأرجنتين رحاله في الدوحة و هو يدفع أمامه 36 انتصارا دون أن يتذوق فيها طعم الهزيمة، و من حق جماهير الأرجنتين أن تثق في هذا المنتخب الذي يقوده النجم ليونيل ميسي، والذي يمني النفس في محاولته الأخيرة أن يكمل سلسلة بطولاته بالفوز بالمونديال ليضع نفسه في مقارنة منصفة مع ابن جلدته الأعجوبة دييغو أرماندو مارادونا. 

وحتى لا يغضب مني أبناء عمومة الأرجنتينيين، فلا بأس من وضع منتخب البرازيل في المرتبة الثانية في قائمة المرشحين للظفر بمونديال قطر، شريطة أن يستمر تدفق الإلهام والوحي الكرويين على راقص السامبا الأنيق نيمار داسيلفا.

شاهدوا مباريات مونديال قطر و استمتعوا من دون أن تشغلكم لعبة التوقعات عن تذوق حلاوة مونديال الدهشة، دعوا الأبراج في حالها،  فهذه الكأس الذهبية التي تزن 5 كجم من الذهب عيار 18 تؤخذ من داخل الملاعب غلابا، ولا تؤخذ بالعاطفة و الأماني، و كذب المتوقعون أمثالي ولو صدقوا.

شارك: