الأرجنتين 1978.. لقب أول للتانغو وخيبة هولندية ثانية
عندما حصلت الأرجنتين عام 1966 على حق استضافة مونديال 1978، لم يكن أبناؤها يتخيّلون يوماً أن يحصد منتخب التانغو أول ألقابه العالمية، تحت نيران نظام "خونتا" الديكتاتوري الذي أخفى وقتل الآلاف منهم قسراً.
قبل عامين من انطلاق البطولة، شهدت الأرجنتين مجيء مجلس عسكري بقيادة الجنرال خورخي فيديلا، بعد انقلابٍ قضى على حكم الرئيسة إيسابيل بيرون، وسط أعمال عنفٍ ذهب ضحيتها 10 آلاف قتيل و15 ألف مفقود و8 آلاف سجين، وفقاً لما أكدته الإحصائيات الصادرة عن منظمة العفو الدولية.
لقد اعتُقل أسرى "الحرب القذرة" في معسكر "إسما" سيئ السمعة، على مقربة من ملعب مونومنتال، مستضيف المباراة النهائية بين الأرجنتين وهولندا (3-1).
في ذلك الوقت، هدّدت بعض الدول، خاصة الأوروبية منها، بالمقاطعة، لكن الاتحاد الدولي (فيفا) برئاسة البرازيلي جواو هافيلانج أصرّ على استضافة الأرجنتين للمونديال، بعد مفاوضات صعبة وشاقة مع النظام العسكري الذي تعهد بعدم تعكير صفو النهائيات.
اختطاف كرويف!!
كان يوهان كرويف أحد أفضل لاعبي العالم في تلك الحقبة، بعد قيادته هولندا قبل أربع أعوام إلى الوصافة، بأسلوب كرةٍ شاملة سحرَ العقول والقلوب، لكن "الهولندي الطائر" أعلن نهاية 1977 اعتزاله دولياً عن عمرٍ يناهز الـ 30 عاماً، في قرار تباينت تفسيراته ودوافعه، بين دعمه ضحايا النظام، رضوخه لقرارات زوجته، أو تعرّضه لمحاولة اختطاف.
تحدث كرويف لاذاعة كتالونيا عن هذه الحادثة بالقول إن مسلحين دخلوا منزله ليلاً محاولين اختطافه مقابل فدية، لكنه تمكن من الإفلات بطريقة ما، لتقوم هذه الحادثة بتغيير نظرته للحياة، بعد أن وُضعت شقته تحت مراقبة الشرطة نحو أربعة أشهر، فيما رافق حرّاسٌ أطفاله أثناء ذهابهم وعودتهم من المدرسة.
أول فوز عربي وأفريقي
في مونديال 1978، اعتُمد ذات النظام المتبع 1974، بتأهل بطلي مجموعتي الدور الثاني إلى المباراة النهائية، فيما أقرّ الفيفا ركلات الترجيح للمرة الأولى، لكنها لم تبصر النور إلا في نهائيات 1982.
وفي حادثة فريدة، نسي الفرنسيون قمصانهم الزرقاء البديلة على بعد 400 كم من ملعب مواجهتهم مع المجر، فاستعاروا قمصان فريق كيمبرلي المغمور، المقلّمة بالأخضر والأبيض، ليتأخر انطلاق المباراة 45 دقيقة كاملة.
وبقرار غريب، ألغى الحكم الويلزي كلايف توماس هدفاً لصالح منتخب البرازيل، سجله زيكو في مرمى السويد في الدور الأول، مطلقاً صافرة النهاية فوراً بعد تنفيذ الركلة الركنية.
وفي باكورة مشاركاتها، أصبحت تونس أوّل دولة أفريقية وعربية تحقق فوزاً في النهائيات، على المكسيك 3-1، وكادت تنتزع بطاقة التأهل لو تغلبت على ألمانيا الغربية (0-0).
وأمتع طارق ذياب، أفضل لاعب أفريقي في 1977 الجماهير، بدقة تمريراته بالقدم اليسرى، ليعلق المدرب عبد المجيد الشتالي على هذا الأمر بالقول: "كانت الناس تسخر من الكرة الأفريقية، أعتقد أن هذا الزمن قد ولّى بلا عودة".
نصف دزينة.. ومؤامرة!!
بينما ضمنت هولندا، رغم اعتزال كرويف، بطاقة الصعود إلى المباراة النهائية متصدرةً مجموعتها على حساب إيطاليا وألمانيا الغربية والنمسا، جاء تأهل الأرجنتين عن الثانية جدلياً.
فقد تعادلت الأرجنتين مع البرازيل بعدد النقاط، ثم فازت الأخيرة على بولندا 3-1، ما وضع أصحاب الأرض الأرجنتينيين أمام ضرورة الفوز على البيرو بفارق أربعة أهداف. لكن النتيجة جاءت 6-0!
حامت شكوك حول دفع رشوة لحارس البيرو رامون كيروغا، المولود في روساريو الأرجنتينية، لكنه نفى نفياً قاطعاً هذا الأمر، فيما أكد آخرون أن لاعبي بيرو تعرضوا لتهديداتٍ بالقتل، وادّعى موظف مدني أرجنتيني أن بيرو حصلت على شحنات حبوب كجزء من صفقة مع نظام فيديلا مقابل الخسارة.
حلق شاربيه فسجّل 6 أهداف
بلغت الأرجنتين النهائي للمرة الثانية، بعد نسخة 1930 الأولى التي خسرتها أمام الأوروغواي 2-4، فيما تواجهت هولندا مع الدولة المضيفة للمرة الثانية توالياً.
أمام جمهور أرجنتيني شغوف ناهز 72 ألف متفرّج، أقيم النهائي في ظل عواصف من الورق الأزرق والأبيض المتناثر، المعروف باسم "بابيليتوس"، وهو تقليد أمريكي جنوبي يقضي بإلقاء قصاصات الأوراق لاظهار الاحتفالات، لكنها تلوّث أرضية الملعب بصورة مزعجة.
كان ماريو كمبيس الأرجنتيني الوحيد المحترف خارج البلاد، بعد إحرازه لقب هداف الدوري الإسباني مرتين مع فالنسيا، قرر حلق لحيته بعد صيامه عن التسجيل في أوّل مباراتين، لكنه عجز مجدداً في الثالثة. ليتقدم مينوتي بمقترحٍ غريب قائلاً له: "لم لا تحلق شاربك أيضاً، ربما ينقلب حظّك وتتذكر كيف تسجل الأهداف".
حلق كمبيس شاربيه، فسجّل 6 أهداف في أربع مباريات، ليتوّج بلقب الهداف، بواقع ثنائية في مرمى كل من بولندا والبيرو، أما الهدف الأغلى فجاء في مرمى هولندا في المباراة النهائية.
بعد انتهاء الوقت الأصلي بالتعادل 1-1 وارتداد كرة الهولندي روب رنسنبرينك في الرمق الأخير من القائم، سجّل "سوبر ماريو" هدفه الثاني في الدقيقة 105، قبل أن يقضي دانيال برتوني على آمال الطواحين، فسلّم الجنرال فيديلا الكأس للقائد دانيال باساريلا وسط أجواء احتفالية.
لم ألمس الكأس
قال كمبيس في إشارة إلى تمسّك باساريلا بالكأس: "لم يكن بمقدورنا القيام بجولة احتفالية كاملة بالملعب، حتى أنني لم أحظَ بفرصة لمس الكأس". في المقابل، تحسّر رنسنبرينك على فشل هولندا في قتل المباراة عند وقتها الأصلي قائلاً: "لو كان مسار تسديدتي مختلفاً بمقدار خمسة سنتيمترات، لكنا أبطال العالم. علاوة على ذلك، كنت لأتوج بلقب الهداف وربما أفضل لاعب في البطولة. كل ذلك في مباراة واحدة".
وتذكّر زميله رود كرول في كتاب" البرتقاليون الرائعون": "كنا في فندق خارج بوينوس أيرس، لقد أخذونا في طريق طويل حول الملعب، توقفت الحافلة في قرية وبدأ الناس يقرعون على النوافذ ويصرخون (أرخنتينا، أرخنتينا)، لمدة تزيد عن عشرين دقيقة علقنا في القرية".
في النهاية، رفض الهولنديون الغاضبون حضور حفل الختام، وعلق رنسنبرينك على هذا الأمر بالقول: "الأمن كان كارثياً. الجماهير مجنونة. ماذا كان سيحدث لو فزنا؟".
ليس بيليه
عوّلت الأرجنتين في طريقها إلى إحراز اللقب، على قائد دفاعها باساريلا، ولاعب خط الوسط أوسفالدو أرديليس، إلى جانب الهداف كمبيس، وحارس المرمى أوبالدو فيول صاحب اللقب الشهير "إل باتو" (البطّة).
المثير للأمر أن فيول لعب دوراً حاسماً في حصول الأرجنتين على اللقب، رغم أن مشاركته لم تكن مؤكدة لرفضه لعب دور الحارس البديل، ما دفع مينوتي للقول "قد يعتقد فيول إنه بيليه، لكنه ليس كذلك"، في نهاية المطاف أدت إصابة الأساسي أوغو غاتي، إلى إجبار مينوتي على استدعاء فيّول، ومنحه دوراً كبيراً في كأس العالم.
وقبل حقبة الفتى الذهبي مارادونا، حسمت الأرجنتين لقبها الأول بفضل لعبٍ جماعي تحدث عنه أرديليس قائلاً "الخسارة أمام ايطاليا في الدور الأول، أجبرتنا على خوض الدور الثاني في روساريو، وهو ما ناسبنا أكثر من بوينوس أيرس، حينها قمنا بالتركيز على الجماعية عوضاً عن الفردية".
النتائج الكاملة من كأس العالم الأرجنتين 1978
الدور الأول
المجموعة الأولى
- إيطاليا - فرنسا 2-1
- الأرجنتين - المجر 2-1
- إيطاليا - المجر 3-1
- الأرجنتين - فرنسا 2-1
- فرنسا - المجر 3-1
- الأرجنتين - إيطاليا 0-1
المجموعة الثانية
- ألمانيا الغربية - بولندا 0-0
- تونس - المكسيك 3-1
- ألمانيا الغربية - المكسيك 6-0
- بولندا - تونس 1-0
- ألمانيا الغربية - تونس 0-0
- بولندا - المكسيك 3-1
المجموعة الثالثة
- النمسا - إسبانيا 2-1
- البرازيل - السويد 1-1
- النمسا - السويد 1-0
- البرازيل - إسبانيا 0-0
- إسبانيا - السويد 1-0
- البرازيل - النمسا 1-0
المجموعة الرابعة
- البيرو - اسكتلندا 3-1
- هولندا - إيران 3-0
- اسكتلندا - إيران 1-1
- هولندا - البيرو 0-0
- البيرو - إيران 4-1
- اسكتلندا - هولندا 3-2
الدور الثاني
المجموعة الأولى
- النمسا - هولندا 1-5
- إيطاليا - ألمانيا الغربية 0-0
- هولندا - ألمانيا الغربية 2-2
- إيطاليا - النمسا 1-0
- النمسا - ألمانيا الغربية 3-2
- إيطاليا - هولندا 1-2
المجموعة الثانية
- البيرو - البرازيل 0-3
- الأرجنتين - بولندا 2-0
- البيرو - بولندا 0-1
- الأرجنتين - البرازيل 0-0
- بولندا - البرازيل 1-3
- الأرجنتين - البيرو 6-0
تحديد المركز الثالث
- البرازيل - إيطاليا 2-1
النهائي
- الأرجنتين - هولندا 3-1 بعد التمديد