تحليل| "الاستخسار" الذي كاد يفقد البرتغال نقطتين أمام التشيك
نجا منتخب البرتغال من فخ التعادل أمام جمهورية التشيك وذلك بعدما قلب تأخره بهدف إلى هدفين في مباراته الافتتاحية في يورو 2024، ليظفر بنقاط المباراة ويلتحق بمنتخب تركيا في صدارة المجموعة السادسة متأخرًا بفارق الأهداف، بعد انتصار تركيا على جورجيا (3-1).
سيطرت البرتغال على أغلب فترات المباراة؛ لكنها لم ينجح في ترجمة تلك السيطرة إلى أهداف كافية للانتصار إلا مع الوقت المحتسب بدلًا من الضائع، بل استقبلت هدف الافتتاح من تسديدة رائعة للوكاس بروفود في الدقيقة (62) قبل أن تدرك "برازيل أوروبا" التعادل في الدقيقة (69) بهدف عكسي من المدافع التشيكي روبين هارناش، لكن فرانسيسكو كونسيساو كان له رأي آخر بعدما سجل هدف الفوز في الدقيقة (90+2).
تكتيك مارتينيز كان عبئًا!
خاض المنتخب البرتغالي المباراة بخطة 3-4-3 على الورق، لكن الواقع كان شيئًا آخر. فبرناردو سيلفا لم يكن الجناح الأيمن قط، بل لعب كل أحداث الشوط الأول تقريبًا في منتصف الملعب تاركًا الجبهة اليمنى لديوغو دالوت وحيدًا.
لكن هذا الأمر لم يكن المشكلة الكبيرة، فكثيرًا ما يلجأ بعض المدربين إلى استخدام أحد الأجنحة بتلك الطريقة خاصة مع إغراء الاستعانة بلاعب خبير في الوسط كما هو الحال مع برناردو سيلفا، لكن المشكلة الكبيرة هو أنه مع هكذا تكتيك كان متوقعًا أن تصبح الجبهة اليسرى للمنتخب البرتغالي هي مصدر هجماته بشكل رئيس.
لكن ماذا حدث في الجبهة اليسرى؟ قرّر المدير الفني للبرتغال روبرتو مارتينيز الدفع بجواو كانسيلو ونونو مينديز على الجبهة اليسرى. الأول كظهير جناح والثاني كقلب دفاع أيسر. كل هذا في الوقت الذي كان جناح البرتغال الحقيقي الوحيد يتموقع في نفس الجبهة وهو رافاييل لياو، ما سهّل على التشيكيين إغلاق تلك الجبهة عن طريق تكثيف عدد اللاعبين، غير عابئين كثيرًا بسحب بعض اللاعبين من الجبهة الأخرى أو على أقل تقدير تحريك تمركزهم ليميلوا أكثر إلى جبهة البرتغال منطقية الخطورة.
تلك الخطة وهذا التكتيك قوّضا كثيرًا من فكرة الاستفادة من القدرات الفردية الهائلة لهذا الثلاثي (لياو وكانسيلو ومينديز) خاصة أنهم جميعًا يحتاجون المساحات للتحرك، وبدلًا من أن توفر تكتيكات مارتينيز لهم هذا الأمر، باتت عبئًا عليهم بعد أن جرّت نصف التشيكيين إليهم كالجراد.
الاستخسار كاد أن يُفقد البرتغال نقطتين
كان هناك شعور بأن مارتينيز يعاني من حالة من "الاستخسار" بامتلاكه ثلاثة أظهرة مميزة هم دالوت وكانسيلو ونونو مينديز فدفع بثلاثتهم، وحاول تكليف كانسيلو بواجبات تخص لاعبي الوسط تعاظمت مع مرور الوقت بعد أن بدأ المدير الفني السابق لبلجيكا يعي أن الفريق عاجز تمامًا عن الاستفادة من مينديز وكانسيلو معًا في نفس الجبهة وأن الأول لا يستطيع الخروج وإيجاد المساحة، فلاعبو التشيك موجودون بالفعل، وحتى عندما يدخل كانسيلو إلى الوسط فإن لياو نفسه من الأجنحة التي تحب بدء الهجمة من على الأطراف، ومن ثم فإنه لا يمكن انتظار تحركات مفاجئة لمينديز في ظل احتياجه تحركًا مزدوجًا من كانسيلو ولياو إلى الداخل وهو أمر ليس سهلًا.
بعض المدربين يخطؤون أحيانًا في خططهم وينتظرون الشوط الثاني من أجل تحسين الوضع، لكن الفكرة أن مارتينيز كان بإمكانه التعديل بعد 15 أو 20 دقيقة بمجرد وضوح اختناق البرتغال بفعل هذا التكتيك، وذلك بنقل كانسيلو إلى الجبهة اليمنى فهو أقدر من دالوت على التموقع في تلك الجبهة ويمكنه استغلال المساحات هناك بسرعته ومهارته أكثر من ظهير مانشستر يونايتد، مع إعادة الأخير إلى مركز قلب الدفاع الأيمن وتحريك دياز وبيبي لليسار على أن يصبح نونو مينديز ظهير جناح، ومنه يمكن للفريق الاستفادة من هذا الأمر.
لكن تلك المطالبات المكتوبة هنا كانت نوعًا من الرفاهية لأن مارتينيز لم يتحرك حتى بين الشوطين ويخرج دالوت مباشرة، بل اكتفى بإرسال بيرناردو سيلفا مجددًا إلى الميمنة ثم انتظر حتى الدقيقة (63) ليبدأ تحركه ويخرج دالوت ويشرك قلب الدفاع غونزالو إيناسيو، ثم يُخرج لياو عاشق الأطراف ويشرك جوتا لتتنفس البرتغال بظهيرين جناحين هما كانسيلو ومينديز لا يضايقهما جناحان على الأطراف.
المشكلة أن هذا التحرك من المدرب الإسباني لم يحدث إلا لأن التشيك سجلت هدفًا كاد أن يكون كارثيًا على البرتغاليين لولا أن التشيكيين كانوا موجودين للمساعدة بتسجيل هدف عكسي، ومن ثم استعاد البرتغاليون الثقة وشرعوا في استثمار التعديلات والتحسينات الواضحة في تشكيلتهم.
عرضيات مؤثرة
بعد تنفس البرتغال وعودة الثقة، بات لدى البرتغاليين الكثير من الحلول، فحتى من العمق تحسّن الوضع بفعل فتح الملعب على الجبهتين ليبدأ سيلفا وكانسيلو وبرونو فيرنانديز في التوغل في عمق اليمين، وكذلك أصبح جوتا مُشتِتًا ممتازًا للمدافعين عن تحركات كريستيانو رونالدو الذي كاد أن يسجل في الشوط الأول من وضعية تسلل ثم عاد وكرر نفس الشيء في الشوط الثاني لكن جوتا أودع الكرة في المرمى لولا أن أشار حكم المباراة إلى التسلل نصف الأوتوماتيكي الذي لا يضيع كثيرًا من الوقت مقارنةً مع "الفار"!
حتى في لقطة الهدف الأول كانت كل التعديلات تتبلور -البرتغال فتحت الجبهة اليمنى- هناك نشاط ومساحات في العمق. هناك عرضيات تُرسَل من الجانبين، وأخيرًا نونو مينديز يتنفس على اليسار ويسهم بالرأسية التي أحدثت الارتباك ثم الهدف العكسي.
نفس الأمر حدث مع الهدف المُلغَى ثم في الهدف الثاني في الدقائق الأخيرة بعد عرضية فشل التشيكيون في تشتيتها ليظهر البديل الصغير كونسيساو ويسجل هدف تنفس الصعداء لرفاق رونالدو الذي قدم مباراة جيدة، لكن سيكون على رجال المدرب مارتينيز إنهاء المباريات بشكل أسرع إن أرادوا إراحة "الدون" للمراحل الحاسمة، إن تمكن مارتينيز من إقناعه بتلك الراحة.