تأهيل العرب لأولمبياد باريس 

تاريخ النشر:
2023-02-26 12:38
-
آخر تعديل:
2023-02-26 12:55
العاصمة الفرنسية باريس تستعد لاحتضان الأولمبياد عام 2024 (Getty)
إياد الصالحي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

ما إن أنهى العرب مشاركة ممثلي كرتهم قطر والسعودية وتونس والمغرب في مونديال قطر 2022، حتى انصرفوا للتفكير في كيفيّة تأهيل رياضيي ألعابهم إلى النسخة الثالثة والثلاثين من الدورة الأولمبيّة 2024 في باريس، والتي تُحتِّم على المُقتدرين منهم اجتياز بطولات ودورات تخصُّ 32 لعبة تُضِيْفُ لهم المزيد من النقاط التنافسيّة بغية حجز تذاكرهم بجدارة أو عبر الكروت البيضاء.

لأكثر من دورة أولمبيّة عانت الرياضة العربيّة من خيبة أمل كبيرة، إثر خروج غالبيّة رياضييها بلا حصاد، ما ولَّد ردود فعل سلبيّة بين الأوساط الجماهيريّة برغم مشاركتها المحدودة كونها زرعت في النفوس اليأس من إمكانيّة التواصل ما بعد عرض افتتاح الدورة بيومين أو ثلاثة حيث المُغادرة السريعة حال إجراء التصفيات الأولى لفعّاليات أبطالها! 

وما دام أن لكلّ مرحلة ظروفها التي يجب التعامل معها من خلال فرض أساليب وأفكار جديدة تصبُّ في صالح خدمة وديمومة أي مفصل من مفاصل الحياة عندما تصطدم بمشكلة الإخفاق المتكرّر، ينبغي على اللجان الأولمبيّة العربيّة إعادة النظر في التخطيط الروتيني غير الفعّال واستحداث ما يتلاءم مع واقع كلّ اتحاد وفقاً لسياسة رعاية الموهوبين.. تلك الحلقة المفقودة في العمل الرياضي العربي عموماً، وإن وجدت فإنها تحظى باهتمام مرحلي.   

ولو نظرنا إلى شؤون الرياضة في عدد كبير من البلدان العربيّة لوجدنا أنها تبتعد عن النطاق الدولي وأخذت تنحسِر وتستقرّ عند الحدود المحليّة، والمفارقة الغريبة أن بعض الدول عندما تحقّق أي إنجاز عالمي يشكل لها دافعاً في الدخول بقوّة للتنافس على تكراره وطرق أبواب العالميّة، لكن نرى العكس مثل الرياضة العراقيّة، فمنذ حصولها على الميداليّة البرونزيّة للربّاع عبد الواحد عزيز في أولمبياد روما 1960 لم يعتلِ أي رياضي عراقي منصّات التتويج في الأولمبياد طوال 63 عاماً!.. تلك مسألة تحتاج إلى الدراسة والبحث الدقيق لبيان أسباب التراجع والإخفاق وعُقم المحاولة أمام الرأي العام المُتحسِّر عقب كل دورة. 

لماذا نُخبة الشباب العربي وليس الرياضي فقط، تعجز عن التنافس عالميّاً وتحقيق الميداليّات؟ هل يئِسَتْ الرياضة العربيّة عن اكتشاف المواهب الحقيقيّة؟.. هناك الكثير من الطاقات الشبابيّة التي باستطاعتها التنافس بمختلف الألعاب، فمَن يأخذ بأيديهم لتحقيق الانتصارات قاريّاً وعالميّاً؟!

الحقيقة الصادمة لكثير من الاتحادات العربيّة كمحصلة بحوث وتحاليل أن عملها لم يكن علميّاً، ولم يُلبِّ طموح إعداد الرياضيين ابتداء من أوّل دورة شارك فيها العرب عام 1924 في باريس عبر ممثّلهم مصر، وإن اختيار المشاركين لا يخضع إلى دراسة ومعايير وطُرق تأهيل عالية المستوى، بدليل اعتراف الاتحادات ذاتها بأن "البونَ الشاسع" بين رياضييها والمنافسين في أوروبا وأمريكا الشماليّة خاصّة يُصَعِّبْ التنافس حتّى لمجرّد تطوير الرقم المحلّي إلا ما ندر.. تصوّروا!   

ولهذا نقترح للاتحادات العربيّة المعنيّة بالألعاب الفرديّة، إعداد دراسة متكاملة عن الأرقام والنتائج المُسجّلة خلال دورتي ريو 2016 وطوكيو 2020، ومواكبة نتائج البطولات العالميّة للفترة (2016-2023) ليكون لدى اللجان الأولمبيّة العربيّة منهاجاً متكاملاً وبيانات وإحصائيّات دقيقة تظلّ تحت الأيدي، وتتم مراجعتها عند اختيار الترشيح الأفضل حسب إمكانات الرياضيين الأبطال، بشرط إلزام الاتحادات الرياضيّة بتقديم رؤاها عمّا يُمكن أن تُقدِّمه من مواهب شابّة تحمل سِمات التأهيل الأولمبي مستقبلاً.

تشكيل لجنة (الكشّاف) في كلّ لجنة أولمبيّة عربيّة تبحث عن الطاقات الجديدة، والتركيز على الأعمار الصغيرة، وتعتمد في بحثها على الأرقام التأهيليّة المطلوبة بعد الأخذ بعين الاعتبار فارق السن لوصول الرياضي إلى مرحلة التنافس خلال سقف زمني مُحدَّد، وإقامة مسابقات تنافسيّة مفتوحة للألعاب الفرديّة للشباب في جميع المُدن (لا الأندية حصراً) على أن يتم وضع شروط المشاركة بتجاوز الأرقام التأهيليّة، ويجري اختيار الأفضل من كلّ مدينة للتنافس في نهائي العاصمة، وتسبق هذه العمليّة حملة دعاية إعلامية كبيرة تحثُّ الشباب على المشاركة مع تخصيص حوافز ماليّة كبيرة، والتعهُّد باحتضان الفائزين وتأهيلهم للاستحقاقات الدوليّة.

بعد إنجاز المرحلتين السابقتين، يتم اختيار المواهب الجديدة واحتضانهم ومتابعتهم بشكل مستمرّ من خلال اعتمادهم كرياضيين لهم حقوق منصوص عليها في العقود تضمِن استمرارهم في عالم الرياضة كوظيفة، وتُعد لهم مناهج تدريبيّة متطوّرة خاصّة بهم، وفقاً لأحدث التمارين بإشراف ملاكات تدريبيّة على مستوى عالٍ فنيّاً لتطوير إمكاناتهم، ثم يدخلون دورات تنشيطيّة خارجيّة لغرض اكتساب الخبرة والثقة بالنفس، وتهيئة نظام غذائي يُساعدهم على البناء الجسماني. 

ألا يستحقُّ رفع علم أي بلد عربي أمام ملايين مُتابعي الأولمبياد في التجمّع الرياضي العالمي كلّ أربع سنوات تأمين الأموال اللازمة للوصول لهذا الهدف الكبير؟!

شارك: