ألا يُحرّك الزلزال الاتحاد العربي!
تماهت مؤسّسة الاتحاد الدولي لكرة القدم مع الفاجعة التركية السورية التي هزّت العالم عقب ضربهما بزلزال عنيف بقوة 7.7 درجة على مقياس ريختر، ذهب ضحيته أكثر من 40 ألف شخص، وذلك بتبرّع الفيفا بقيمة مليون دولار كمساعدة إنسانية عاجلة تُسهم في تخفيف الأضرار الهائلة على الصعيد البشري والمادي.
وذكر الفيفا في بيان عاجل: "بعد استشارات مع الاتحادين التركي والسوري لكرة القدم، إلى جانب منظّمات غير حكوميّة محلّية ودوليّة، سيُستخدم الدعم المالي في شراء وتوزيع المواد الإنسانيّة الأساسيّة إضافة إلى توفير المأوى والحماية المؤقتة والطارئة".
قرار مثل هذا يُعزّز تقاليد التضامن الإنساني بكل ما تعنيه ترجمته الواقعيّة من أعلى سُلطة كرويّة في العالم تُدير شؤون الاتحادات الوطنيّة بمسائل فنيّة، وتستشعر أيضًا بنكباتهم الطارئة التي تفقدهم أعزّ الناس من صغار وكبار يمثّلون ثروات بشريّة لا تعوّض، أحالهم الزلزال إلى جُثثٍ مُمزّقة تحت رُكام المباني الضخمة في مشاهد مأساوية لم تزل تشدُّ انتباه مُشاهدي التلفزة في كلّ العالم ترقّباً لناجين كُتبت لهم حياة جديدة.
مثل هذه الرؤية الإنسانيّة، غابت عن معقل الكرة العربيّة صراحة، ونعني "الاتحاد العربي لكرة القدم" الذي لم يصدر عنه أي رد فعل ينسجم مع خطوة المؤسّسة الدولية كونه الخيمة الكبيرة التي تأوي أنشطة الاتحادات العربيّة المنضوية إليه، وتحكمهُ تقاليد عربيّة راسخة في التاريخ كان لابد أن تدفعهُ للمبادرة بعد مرور 14 يوماً من وقوع "زلزال القرن" للتعبير عن التضامن الفعلي مع الحدث بمبادرة كبيرة في مضمونها وانعكاسها وليس بخِطاب مواساة بروتوكولي!.
كُلنا نتمنّى أن يجمع الاتحاد العربي لكرة القدم أبرز نجوم المنتخبات العربيّة للقاء أحّد المنتخبات العالميّة في مباراة خيريّة يحتضنها ملعب سعودي أو قطري أو عراقي أو إماراتي أو مصري أو غيره بالتنسيق مع الاتحادين القارّي والدولي، ويُحدّد زمن ومكان المباراة التي لا تأخذ وقتاً طويلاً من المعنيين بتنفيذ الفكرة خلال 72 ساعة، لكنّها ستبقى طويلاً في ذاكرة الشعوب الضحيّة.. ودلالات قيمتها السامية.
يُخصَّص ريعُ مباراة نجوم العرب مع ضيوفهم إلى أسر الضحايا، وسيكون تفاعل الجماهير العربيّة مع المباراة أبعد من الإطار الفنّي داخل المستطيل الأخضر، ليبعث الاتحاد العربي لكرة القدم برسالة ذات مضامين مُتعدّدة منها أن كرة القدم وجِدَتْ لتوحِّد الشباب العربي ليكونوا يداً واحدة في شتّى الأزمات، ولا تفرّقهم السياسة، ولا ينخرطوا في خنادق واصطفافات تُمزِّق الأمّة في أشدِّ أزمانها حاجة إلى حماية الأجيال حاضراً ومستقبلاً.
رسالة المباراة الخيريّة تؤكّد نُبل قادة الكرة العربية وسعيهم لتكريس ثقافة توظيف استثمار الأموال في الملاعب لإنقاذ الناس في أيام المحن، مثلما تُستثمر في الرخاء لدعم البُنى التحتيّة وتنظيم البطولات المحليّة ورعاية المدرّبين واللاعبين.
ربّما سيواجه الاتحاد العربي لكرة القدم الآن مشكلة الروزنامة القاريّة والدوليّة التي تحول دون تفرّغ لاعبي المنتخب العالمي مثل الأرجنتين وفرنسا والبرازيل وإنجلترا وغيرهم، لارتباطاتهم مع أنديتهم مثلهم مثل اللاعبين العرب، وعليه يُمكن التنسيق من الآن باستغلال أيام الفيفا (20-28 مارس/ آذار 2023) لتحديد موعد المباراة بعد الانتهاء من جميع الترتيبات الخاصّة بتسمية تشكيلة العرب والمنتخب المنافس والملعب المُضيّف وإسهام الرُعاة في إنجاح توجّه الاتحاد العربي بما يوفّر رصيد كبير من الدعم المادي والمعنوي لضحايا الزلزال الذين لم تزل أجهزة الإنقاذ المشتركة من طواقم محليّة وعالميّة تُسهم على مدار 24 ساعة في إخراج ما تبقّى من منكوبين وما يمرّون به من تدهور صحّي خطير يستلزم معالجتهم ومتابعة حالاتهم النفسية والعضويّة المتدهورة لفترة طويلة.
إن مسؤولي الاتحاد العربي لكرة القدم أمام فرصة تاريخيّة لإحياء دوره الإنساني في توجّهٍ من هذا النوع، كونه يمتلك القدرة الماليّة والتنظيميّة والعلاقات الدوليّة الواسعة والمؤثّرة في استقطاب الأنظار نحو مبادرة التضامن مع المتضرّرين من الزلزال، تزامناً مع عودة نشاطه الجديد مطلع شهر مارس 2023 حيث تسابقت وسائل الإعلام مؤخّراً في نشر إعلان الاتحاد عن عودة البطولة العربيّة للأندية بنسختها الجديدة خلال عام 2023، باسم "كأس الملك سلمان" وقد خُصّص للبطولة، التي سيشارك فيها 37 فريقاً، 10 ملايين دولار توزّع على الفرق حسب مراكزها في ختام المنافسة.
كلّ الفرق العربيّة وروابط الجماهير المؤازرة لها، ستقفُ مع مبادرة الاتحاد العربي لكرة القدم إذا ما خطّط في كيفيّة تسخير أدوات مؤسّسته بطواقمها الإداريّة والفنيّة بإقامة ورشة لإنجاز تنظيم المباراة الخيريّة العربيّة-العالمية ضمن سياق التآخي الإنساني لمحترفي وهواة كرة القدم مع الشعوب في أوقات الحُزن مثلما فجّرتْ اللُعبة البهجة في نفوسهم حينما جمعتهم الدوحة 29 يوماً في مونديال عُدّ الأقوى تأثيراً في تغيير قناعات الغرب "إيجابيّاً" نحو العرب والإسلام وحضارتهم العظيمة.