بأي حال عدت يا عيد الخليج؟

2023-01-08 00:01
من حفل افتتاح بطولة "خليجي 25" في مدينة البصرة العراقية (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

احتاجت دورات كأس الخليج العربي ليوبيل فضي، لتثبت للعالم أن العرب يمكنهم أن يلتقوا بانتظام، ويلتفوا حول مصيرهم المشترك، ولو من باب كرة القدم.

وعندما تحتدم المنافسات بين أبناء الخليج العربي في ملاعب البصرة تكون الدورة قد عانقت نسخة اليوبيل الفضي (خليجي 25)، وهذا الرقم يعني أن الدورة حافظت على هويتها وثبات موعدها، تماما مثلما تنامت شعبيا وجماهيريا وهي ترفع من نسقها التصاعدي، متجاوزة كل العواصف والعقبات والتحديات. 

ورغم أن البطولة من وجهة نظر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ذات طابع ودي، ومبارياتها تقتصر فقط على تحريك الأرقام في التصنيف الدولي، فإنها بالنسبة إلى الخليجيين دورة ذات نكهة تنافسية رفيعة، تحظى باهتمام رسمي وجماهيري وإعلامي بصورة تفوق البطولات القارية والعالمية الكبرى.

لا شك أن انطلاق أكبر بطولة عالمية من حيث (الكلام) شأن تراكمي مثير يعني أن خليجي البصرة -شأنه شأن البطولات الخليجية السابقة- سيشهد صراعا تنافسيا إعلاميا بين مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، سيفوق بمراحل الصراع الذي سيدور بين المنتخبات الثمانية داخل ملاعب البصرة.

ودورة كأس الخليج -كما نعلم- لها خصوصيتها في المنطقة، ليس لأنها دورة ذات بعد اجتماعي فحسب، ولكن لأنها دورة صاخبة يتعدد فرسانها وأقطابها، فكما أن الملاعب ساحة تنافس بين اللاعبين، فإن الفضاء الإعلامي المفتوح تموج أستديوهاته التحليلية وتناولاته الورقية والإلكترونية بنجوم وفرسان يصنعون الحدث، ويغطون على العيوب الفنية والمستويات المتذبذبة التي تغلف بعض المباريات.

وعندما يقول أحد النقاد من الذين عايشوا لحظة المخاض والولادة في البحرين عام 1970 إن دورات كأس الخليج هي أقوى بطولات الدنيا في (الكلام)، فليس لنا بصفتنا شاهدين على تجليات هذه البطولة إلا أن نصادق على رأيه ونبصم عليه بالعشرة، فهذه البطولة -كما عاصرتها وتابعتها- بطولة إعلامية بامتياز.

الجميل في دورات كأس الخليج في نسخها الـ24 السابقة أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، بمعنى أن الإثارة التي تصاحب الطرح الإعلامي "وقتية" تتلاشى مع نهاية كل بطولة كخيط دخان، ولا يبقى من حجم الآراء المختلفة والمتنوعة سوى الود والمحبة ودعوات للقاء يتجدد.

لماذا تبدو دورة كأس الخليج فريدة من نوعها؟ وسوقا مفتوحا يغري أكثر من 3000 صحفي على تغطية الحدث بكل تفاصيله وجزئياته مهما كانت صغيرة؟

الإجابة -قطعًا- ترفع رأس كل خليجي وعربي؛ لأن هذه البطولة لا تقتصر على نجوم الملاعب فقط، فهناك من يصعد منصة التتويج، ويحظى بتكريم لا يقل عن تكريم البطل ونجوم البطولة، على اعتبار أن أهل الخليج هم أول من ساوى ووازن بين فنيات القدم وتجليات القلم.

وللتوضيح أكثر: كل بطولة تفرز نجوما وفرسانا خارج الملعب على مقاعد المدربين أو حتى من رواء ميكرفونات المؤتمرات الصحفية، حيث يبقى التفرد لمن يرصد تصريحا ساخنا من كبار المسؤولين، أو لمن ينجح في فك طلاسم سبق صحفي يرفع من شأن وسيلته الإعلامية، ولي في هذا الاتجاه صولات وجولات ليس هنا بيت القصيد للإفصاح عن بعضها.

ورحم الله الشهيد فهد الأحمد الجابر الصباح، رئيس الاتحاد الكويتي لكرة القدم، الذي كان نجما لامعا في بطولات الخليج بتصريحاته الحادة والمستفزة التي تحدث دويا هائلا في وسائل الإعلام المختلفة.

كان الشهيد الشيخ فهد الأحمد يتعمد رفع إيقاع التصريحات عندما لا يكون المنتخب الكويتي في مستواه، وفي كل مرة يسأله الصحافيون .لماذا تستفز الآخرين وترفع منسوب التحدي إلى الدرجة القصوى، بينما أزرقك في الحضيض؟

يجيب الشيخ الشهيد بابتسامة مشرقة تملأ محياه؛ لكي يجد الصحفيون شيئا مثيرا يكتبون عنه، لم يخطئ من وصف دورات كأس الخليج بأنها أهم بطولات العالم في (الكلام) وفي ردود الأفعال، فهذا الشيخ البحريني عيسى بن راشد -رحمه الله- كان هدفا للإعلاميين، وسخيا معهم بصراحته المعهودة وخفة ظله غير المعقولة، فعندما يكتشف أن أحدهم أخذ على خاطره من تصريح مبطن يحمل همزا ولمزا وغمزا، يقول الشيخ عيسى بلهجته الخليجية المحببة: "لا تزعل كنت اتقشمر يا خوي".

من الإنصاف أيضا الإشارة إلى حيوية الأمير السعودي الراحل فيصل بن فهد بن عبد العزيز، الذي كان يكمل مثلث متعة الإثارة الكلامية في المنصات، فقد كان -رحمه الله- له لسان فصيح، تغلي المفردات على شفتيه، وتخرج طازجة تضيف للبطولة أبعادا من التنافس الساخن على الساحة الإعلامية.

جدير بنا ونحن نستقبل خليجي 25 بـالبصرة باللهفة نفسها والاشتياق ذاته أن نضع الثلاثي: الشيخ أحمد الفهد والشيخ عيسى بن راشد والأمير فيصل بن فهد في مكانة تعزز من كفاءة البطولة، من خلال تسمية بعض الجوائز الفردية بأسمائهم؛ تكريما لأدوارهم الرائعة وتضحياتهم العظيمة.

وبصفتي مواطنا يعيش في جنوب الجزيرة العربية، وجارا لأهل الدار الخليجي أقترح أن ينتصر الجيل الحالي من القيادات الخليجية الرياضية لأهل العزم الذين وهبوا حياتهم لاستمرار هذه البطولة بنفس زخم ماضيها الجميل وحماسته.

ومن المناسب في تظاهرة ذات أبعاد اجتماعية وشعبية الاستعانة بشطر يكمل بيتا ينتصر لأهل العزم والعزائم حتى تأتي النتيجة النهائية على قدر الكرام المكارم.

الأجمل لو أن القيادات الخليجية الحالية تنتصر للرموز الثلاثة في قبورهم، وتكرمهم من خلال إطلاق أسمائهم على الجوائز الفردية، مثلا: جائزة الشهيد فهد الأحمد لأفضل لاعب في البطولة، وجائزة الراحل الأمير فيصل بن فهد لهدّاف البطولة، وجائزة الراحل الشيخ عيسى بن راشد لأفضل حارس مرمى في البطولة. 

يمكن لمقترح العبد لله المتواضع أن ينتقل من خانة الدراسة والتفكير إلى خانة التنفيذ؛ انتصارا لرؤى جديدة تضع القيادات السابقة في إطارها المعرفي السليم، القائم على رد الجميل انطلاقا من خليجي البصرة، لكن قبل هذا وذاك دعونا نستقبل خليجي البصرة ونسأله بلهفة عاشق غير ضال: بأي حال عدت يا عيد الخليج في نسختك الفضية رقم 25؟

شارك: