إثارة مونديالية تحبس الأنفاس..!

تاريخ النشر:
2022-11-25 14:50
-
آخر تعديل:
2022-11-27 20:29
استاد لوسيل سيستضيف نهائي كأس العالم قطر 2022 (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

تعلمنا من الأفلام السينمائية الجادة و الهادفة أن لحظة التشويق هي خلاصة الخلاصة للأحداث، لأنها لا تكشف فقط عن عبقرية المخرج و براعته في اختزال الأحداث في لحظة ذروة تمثل مغزى ومعنى ومبنى الفيلم الذي بنيت عليه الحبكة الدرامية.

 لكنها أيضا تكشف النقاب عن براعة فريق العمل في إيجاد مخرج منطقي مثير يفرض نجاحا دراميا ساحقا ومدهشا من حيث لا يتوقع المشاهد، ولعل هذا المفهوم السينمائي ينطبق تماما على مونديال قطر الذي بدأ مثيرا ومحملا بكل بهارات وتوابل الدهشة.

 ومن أبجديات هذه الإثارة أن مونديال قطر يوزع مع كل مباراة رسائل شرق أوسطية أخلاقية ذكية تنتصر لأهل العزم والعزائم وأقطاب الكرم والمكارم بصورة تلقائية بسيطة أدهشت العالم وأسمعت من به صمم. 

 وإذا كان حفل الافتتاح قد بدأ للعيان بالغ الفخامة بسيطا في سهله الممتنع، عظيما في أهدافه الحضارية، عميقا في مغزى رسائله و أهدافه النبيلة، فإن الأعمال الإنسانية الرائعة التي يقدمها مونديال الدهشة للعالم من محيط دولة فتية أخذت منحنى مبكرا ضد الشيخوخة رفعت من سقف مبادئ وأهداف كرة القدم كلعبة يمكنها أن تصلح ما يفسده عطارو السياسة، ويمكنها من خلال تماسك الأسرة الكروية أن تضع حدا لما يعرف بتصادم الحضارات. 

وإذا كان حفل الافتتاح قد وضع العالم أمام مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية والتربوية والثقافية فإنه أيضا حرك شؤون وشجون لغة العقول، حيث يمكن للحضارات أن تمتزج وتتلاقح وتلتقي في المدرجات وخارجها لتنهي قطيعة لا مبرر لها بين ثقافات الشعوب التي طالما روج لها الخبثاء على أنها جمرة ملتهبة ينفخ دعاة تصادم الحضارات في كيرها.

دعوكم من هوس وجنون الذين تخرج الحبة من أفواههم بحجم القبة، وتأملوا في مفاجآت ومفارقات مباريات الجولة الأولى من مونديال قطر، وكيف كانت العناوين البارزة التي غسلت روتين التوقعات و جلعتها أنصع بياضا وأكثر إثارة من أفلام (الأكشن)؟

المنتخب العربي السعودي تعاطى حبوب الشجاعة أمام منتخب الأرجنتين  وخاض مباراة تاريخية أكد فيها حقيقة أن لا معجزات على المستطيل الأخضر عندما تقع الواقعة، ولا مستحيل في لعبة تنحاز دائما للمجتهد الذي يؤمن بحظوظه و بقدرته على تقليص الفوارق بالأداء المنضبط الذي يعتمد على القتال دون تهور.

وعندما صعق السعوديون رفاق ليونيل ميسي رغم الدعاية الضخمة التي صاحبت راقصي التانغو، كان من بين السعوديين من يراهن على أن العرضة و رزيفها وسيوفها المنسلة قادرة على الإغراء في استاد لوسيل وسحب البساط من تحت أقدام راقصي التانغو.

ولم يكن هدف المهاجم البارع سالم الدوسري إلا بصمة تاريخية ستبقى خالدة في الذاكرة، لأن هذا الهدف منح العرب أغلى انتصار في تاريخ المشاركات العربية التي بدأها المصريون في مونديال إيطاليا 1934

من جانبه لم يخلف منتخب اليابان موعدا موندياليا كان مناسبا لاستعراض آخر تجليات الساموراي، فلقن منتخب ألمانيا درسا حضاريا في كيفية المزاوجة بين الانتصار داخل الملعب بالعرق و الكفاح، وبين فضح أساليب الألمان المتعالية على القيم و الأخلاق، فكان من الطبيعي أن يتوارى الألمان خجلا بعد أن خسروا كرويا داخل الملعب، تماما مثل ما تواروا عن الأنظار كسوفا بعد أن هزموا  أخلاقيا خارج الملعب.

وإلى منتخب المغرب الذي كبح جماح منتخب كرواتيا - وصيف النسخة الماضية- وفرض عليه تعادلا بطعم الانتصار، وهي نتيجة أثبتت مجددا أن التوقع في كرة القدم أمر في غاية الصعوبة، لأن الحسابات على أرض الملعب شيء وما يحدث على أرض الواقع شيء آخر.

واستعان منتخب تونس بكل أسلحته المعنوية و الفنية والجماهيرية ليقدم لنا فاصلا مما يطلبه المشاهدون وانتهى للأسف بتعادل غير عادل لا يعكس حقيقة أن أخطر الفرص في المباراة تونسية جانبها الحظ والتوفيق معا.

حقيقة كان التونسيون هم الأكثر شجاعة أمام منتخب دنماركي عنيد جاء إلى الدوحة تسبقه هالة إعلامية ترشحه ليلعب دور الحصان الأسود في هذا المونديال.

يبدو كل شيء في مونديال قطر أقرب إلى فيلم هتشكوكي يحبس الأنفاس من فرط إثارة مبارياته وتقلباتها، فلأول مرة نشاهد منتخبات تكبر وتتمرد على شعار اللعب المشرف وتخرج عن النص وتحلق في سماء القوى العظمى جهارا نهارا دون خوف.

ومن يقرأ نتائج مباريات الجولة الأولى للمجموعات الـ8 على الورق بحسابات التاريخ ومساحة الجغرافيا عليه أن يبل نظرياته ويشرب ماءها، فهذا المونديال الصاخب الذي بدأ بحفل مبهر جديد المحتوى والمبتغى فارضا قطر محورا للكون، هو ذاته الذي ألغى الفوارق الفنية بين المنتخبات موقعا على بدايات صادمة ومزعجة وعاصفة، وهي مزيج من أعاصير الكاريبي ورياح خماسين الجزيرة العربية، فهل يمكنك التنبؤ بنهاية هذا الفيلم المونديالي الذي لا تصلح مشاهدته لذوي القلوب الضعيفة؟!
 

شارك: