ميسي (نعم)... ليو (لا)...!!

2022-12-10 18:48
اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

اعترف أنني أحيانًا أدوس على الخطوط الحمراء وأكتب كلامًا نقديًا لاذعًا قد يغضب عشاق النجم الأرجنتيني الكبير ليونيل ميسي، خاصة فيما يتعلق ببعض التجاوزات غير المألوفة والتصرفات غير المعقولة التي بدرت من نجم النجوم في مباراة الدور ربع النهائي لمونديال قطر أمام هولندا. 

كنت أتمنى ألا تقتصر مقالتي هذه إلا عن الوجه الجميل لميسي وما قدَّمه من أداء فعال أمام هولندا يصل إلى درجة السحر، لكن ثمة مشاهد وردود أفعال بدرت من (ليو) غيّرت بوصلة مقالتي إلى الجهة التي لا يريدها عشاق البرغوث الأرجنتيني. 

وحتى لا أبدو مثل مَن يتصيد أخطاء (ليو) ويتجاهل إبداعات (ميسي) في مباراة راقصي التانغو والطواحين الهولندية، فلا بأس من مسك العصا من المنتصف على أساس أن ليونيل ميسي ظهر أمام هولندا بوجهين.

وجهُ (ميسي) الطيب المبدع والساحر الذي يصنع الفارق ولو من "خرم إبرة"، ووجه (ليو) السلبي المنفعل والمستفز الذي يتطاير منه شرر التصرفات الانفعالية المرفوضة جملة وتفصيلًا.

ومن دون مجاملات وبعيدًا عن التعصب الأرعن، أعترف أنني انبهرت بمستوى ميسي أمام هولندا وبقدرته الفذة على إيجاد حلول مدهشة غير متوقعة في مباراة مغلقة، لكنني متبرم تمامًا ومستاء من تصرفات (ليو) التي جاءت خليطًا من التعالي والاستفزاز ورد الفعل غير المقبول أخلاقيًا.

هناك حقيقتان دامغتان أكدهما الفوز القيصري للمنتخب الأرجنتيني على المنتخب الهولندي بركلات الحظ الترجيحية؛ الأولى: ليونيل ميسي ربما يكون اللاعب الوحيد الذي يمتلك وعيًا تكتيكيًا فطريًا يميزه عن غيره، بدليل أنه يجد الحلول لكل المعضلات في الوقت المناسب، ومن أوضاع تبدو صعبة ومستحيلة، وهذا الوضع يضع الفواصل بين اللاعب العادي واللاعب الخلاق المبتكر.

الثانية: ليونيل ميسي اللاعب الوحيد في المونديال الذي نسبة تأثيره على نتائج منتخب بلاده تقترب من 100%، وهي نسبة خرافية توضح بعمق كيف أن المعادلة الصعبة في كرة القدم تصبح بين قدمي الساحر ميسي سهلة وفي المتناول. 

هذا ما كان من أمر الوجه الطيب الجميل لميسي أمام هولندا، فماذا عن الوجه الآخر الشرير لليو الذي أثار حفيظة عشاقه وأولهم كاتب هذه السطور؟ 

عندما ذهب ليونيل ميسي إلى مدرج الجمهور الهولندي وهو يمارس فاصلًا من الشماتة غير المعهودة، فإن في الأمر لا أقول تشفيًا وإنما خطأ متهور يضاف إلى سلسة أخطاء ميسي ما بعد تحوله من لاعب ساحر داخل الملعب إلى إنسان متشنج ومستفز أثار اشمئزاز الهولنديين ومن يرون أن كرة القدم سلوك وأخلاق قبل أن تكون فوزًا أو انتصارًا. 

وكنت أتمنى على ليونيل ميسي الاحتفاظ بنبل الفرسان عندما مد لاعب هولندي يده لمصافحته، فنظر إليه نظرة استعلاء قبل أن يتجاهله تمامًا، وهذا التصرف الغريب من (ليو) تحوّل على لسان اللاعب الهولندي إلى أسف ممزوج بالألم: "ميسي كان مثلي الأعلى دائمًا، وعندما رفض مصافحتي أحسست بشيء ما انكسر في داخلي تجاهه".

لم يتوقف ليونيل ميسي عند مستوى هذه التصرفات التي استنزفت من سمعته الكثير والكثير، لكنه تمادى في غيّه بانتقاد لاذع للحكم الإسباني ماتيو لاهوز، في تصريحات انفعالية ليس لها ما يبررها، لأننا لو نظرنا إلى قرارات الحكم الإسباني بمنظور القانون سنجد أنه جامل ميسي كثيرًا، ولو لم يكن رفيقًا بالبرغوث لطرده مباشرة بعد لمسة اليد المتعمدة التي تلت نيله البطاقة الصفراء، أو على الأقل بعد تهجمه على الحكم كلاميًا بعد هدف التعادل الهولندي.

ثم إن الحكم نفسه كان رحيمًا بمنتخب الأرجنتين عندما تغاضى عن طرد باريديس إثر تدخل متهور على لاعب هولندي بدون كرة.

يرى ليونيل ميسي ما لم نره ويطالب بحماية أكثر من الاتحاد الدولي (فيفا)، لم يتبقَ إلا أن يقول: ميسي ضد اللمس، دعوني أنا من يسمّي حكام مباريات الأرجنتين.

ولأن الشيء بالشيء يذكر فلم أقرأ نقدًا للحكم من المدرب الهولندي لويس فان غال أو من أي لاعب هولندي يتهم الحكم لاهوز بأنه وفّر لميسي ورفاقه حماية فيها الكثير من الدلال عبر احتساب سلسلة أخطاء ليست صحيحة. 

ربما نلتمس العذر لتصرفات ليونيل ميسي ونتعاطى معها على أنها انعكاس نفسي تراكمي للضغط الهائل الذي ينوء به كاهله، سواء من حيث المقارنة المزعجة مع مواطنه دييغو مارادونا، أو من حيث مطالبة الشعب الأرجنتيني بضرورة جلب كأس العالم إلى بلاد راقصي التانغو بأي ثمن، لكن هذا ليس مبررًا كافيًا لأن يتخلى (ليو) عن (برستيج) الحكمة والوقار، إذ إن النقيض الذي قدمه ميسي بعد نهاية مباراة هولندا صدم عشاقه، وأولهم بطبيعة الحال الأطفال الذين يرونه قديسًا وقدوة ومثلا أعلى في كل شيء.

شارك: