معروف الرصافي القصيدة الأولى عن كرة القدم!

تحديثات مباشرة
Off
2023-06-14 15:35
رياضة كرة القدم تثير شغف الجماهير من مختلف الفئات (Getty)
وسام كنعان
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

عندما احتلت بريطانيا العراق سنة 1920 كانت الكلمة بمثابة سلاح فتّاك يمكن لصاحبه أن يتصدى للصواريخ والرصاص والقنابل الخطيرة.

هكذا، بدا الشاعر العراقي معروف الرصافي (1877-1945) رأس حربة في مواجهة ذاك الاحتلال ومناهضته والوقوف بوجهه من خلال فكره وقلمه.

إذ كتب مجموعة قصائد من بينها أبيات تقول:

علم ودستور ومجلس أمة ...  كلّ عن المعنى الصحيح محرّف 
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها ... أما معانيها فليست تعرّف 
من يقرأ الدستور يعلم أنه .... وفق لصكّ الانتداب مصنّف 

والرصافي شاعر عراقي ولد في بغداد، وشقّ خطواته الأولى نحو مدارسها الابتدائية، ثم تعلم اللغة العربية وعلوم القرآن الكريم فيها، ليلتحق بالمدرسة الرشيدية العسكرية، وينهل من أساتذتها في مختلف العلوم والمجالات، بعد ذلك انتقل معروف الرصافي إلى القسطنطينية والقدس، وبعد إتمام دراسته عاد إلى وطنه وعين نائباً لرئيس لجنة الترجمة والتعريب.

خلال مشوار مسبوك على نول الإبداع والبحث والمعرفة تمّكن الرجل من حفر اسمه في سجّل الشعراء الخالدين وراحت قصائده نحو التداول الواسع في مختلف أنحاء الوطن العربي.

ذات مرّة وبينما كان يجلس في دكّان أحد أصدقائه في بغداد هاله مشهد امرأة بائسة وقفت بباب المحل وبيدها صحن، فخرج لها صاحب المحل وهمس لها بشيء في أذنها لتومئ له وترحل... سأل الرصافي صديقه عن القصّة فقال له بأنها إمرأة توفي زوجها وطفلها رضيع وأرادت أن ترهن الصحن مقابل شراء بعض الحاجات لبيتها، فخرج الرجل مسرعاً ملهوفاً  وركض خلف المرأة وبعدما سلّم عليها أعطاها كلّ ما يملك من نقود ورحل.

في تلك الليلة لم يستطع الشاعر المعروف النوم ثم نظم أبياتاً صارت من أشهر وأعمق القصائد العربية في تلك المرحلة قال فيها : 

لَقِيتُها لَيْتَنِـي مَا ڪُنْتُ أَلْقَاهَـا... تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَـا
أَثْوَابُـهَا رَثَّـةٌ والرِّجْلُ حَافِيَـةٌ ...     وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ في الخَدِّ عَيْنَاهَـا
بَڪَتْ مِنَ الفَقْرِ فَاحْمَرَّتْ مَدَامِعُهَا... وَاصْفَرَّ ڪَالوَرْسِ مِنْ جُوعٍ مُحَيَّاهَـا
مَاتَ الذي ڪَانَ يَحْمِيهَا وَيُسْعِدُهَا... فَالدَّهْرُ مِنْ بَعْدِهِ بِالفَقْرِ أَشْقَاهَـا
المَوْتُ  أَفْجَعَهَـا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا ... وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا وَالغَمُّ أَضْنَاهَـا
فَمَنْظَرُ الحُزْنِ مَشْهُودٌ بِمَنْظَرِهَـا ... وَالبُؤْسُ مَرْآهُ مَقْرُونٌ بِمَرْآهَـا

ولما كان العلم بمثابة حجّة مطواعة وليّنة لصالح خدمة العقل والمنطق، فقد كان الرصافي يميل لكلّ ما يخلق حماسه وشغفه رغم تلقّيه علومه الأولى بطريقة إسلامية، لم يخف الرصافي يوماً حبّه لكرة القدم، كما أن الدراما التي كانت تصير أمامه على مدار 90 دقيقة لن تمرّ دون التقاطات وصوغ صور شعرية، وتجسيد كنايات وحالات بلاغية وعلى الرغم من معاصرته لمراحل -ربما تكون بدائية- في كرة القدم لكّنه صار يعتبر أول شاعر يبدع  بقصيدة عن كرة القدم، إذ واكب بعينه الشعرية وبراعته الكلامية ولحنه اللغوي حركة اللاعبين وتقدم بعض قوانينها وأسلوب تدوير الكرة والصراخ الحماسي فكانت قصيدته: «في ملعب كرة القدم» التي يقول في مطلعها: 

قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم.. كرة تراض بلعبها الأجسامُ
وقفوا لها متشمرين فألقيت..  فتداولتها منهم الاقدامُ
يتراكضون وراءها في ساحة.. للسوق معترك بها و صدامٌ

ورغم أن التصوير الشعري في القصيدة واستخدام كلمات معترك وصدام يبدو وكأنه تصوير لملحمة أسطورية، إلا أن ذلك لا ينتقص أهميتها كتحفة أدبية جسدت كرة القدم مبكراً.

شارك: