ماذا أعدَّت ورش العرب لمونديال القرن؟!

2022-10-09 15:38
شعار بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 (Getty)
إياد الصالحي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

ما هي إلا سنوات معدودة، ويحتفل الاتحاد الدولي لكرة القدم بالذكرى المئوية لانطلاق أوّل مونديال في التاريخ عام 1930 الذي استضافته الأوروغواي.. أمر رائع ومكنون بالحظّ السعيد أن تشهد دولة قطر استضافة النسخة 22 من المنافسة العالميّة في العاصمة الدوحة، لتكون الدولة العربيّة الوحيدة التي سجّلت اسمها في التاريخ خلال القرن الأوّل من عُمر البطولة، وهي فاصلة مهمّة في زمن تكالبتْ بعض الدول العظمى فيه للتأثير في ملف قطر منذ الساعة الأولى لإعلان فوزها، وحتى سنوات قريبة لم تنجح خلالها هذه الدول في هزّ ثقة مسؤولي قطر، بل زادتهم إصرارًا على كسب ثقة المتكالبين أنفسهم لينضمّوا إلى عرس كأس العالم بواقعية مدهِشة يصعب تكرارها.

نعم أتوقع، لن يتكرّر العرس المونديالي العربي ثانية باستثنائيّة فخر الخليج "الدوحة"، ورُبّما سيتأخّر العرب طويلًا قبل أن يروا نسخة مُماثلة على أرضهم تستقطبُ خيرة منتخبات العالم، كالذي سيحدُث في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني المُقبل، حيث استكملتْ اللجنة العُليا للمشاريع والإرث القطرية كل التحضيرات اللازمة لتكون ملاعبها الـ 8 جاهزة لتباري المنتخبات المشاركة، وعلّقتْ من أول أمس الجمعة 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، كل الزيارات الإعلامية لملاعب المونديال ومرافق التدريب، باستثناء حالات مُحدّدة وفقًا لاعتبارات اللجنة ذاتها والاتحاد الدولي لكرة القدم حسب آخر بيان لها، موفّرة بجهد تنسيقي فوق المُعتاد عشرات المنشآت الخدميّة المُخصّصة لتسهيل حضور الجماهير المُقدّرة حشودها بأكثر من مليون ونصف المليون مشجّع، يطاردون منتخباتهم الساعية لتقديم أفضل العروض والنتائج السارّة والمُناسِبة لمستوياتها وبرامج إعدادها.

وفي خِضَم التحضيرات القطريّة المُتصاعِدة حتى إطلاق صافرة الافتتاح، تتصاعد معها أصوات فنيّة وتحكيميّة وإداريّة مُتسائلة بحرصٍ شديدٍ ورغبةٍ جامحةٍ في خدمة الكرة العربيّة: ماذا أعدَّتْ اتحادات الكرة الوطنيّة في المنطقة بالتنسيق مع الاتحاد العربي للعبة حول زيادة خبرة المدرّبين والحُكّام والإداريين والمُعالجين والمُنسّقين والإعلاميين وكلّ من لهُ دور في تطوير مفاصل منظومة كرة القدم في ورش مُنتظمة على هامش بطولة كأس العالم للاستفادة من مزايا كثيرة تقدّمها النسخة 22 للعرب؟

الجواب التمهيدي يقول إن هناك مبادرات فرديّة لبعض الاتحادات التي نسَّقتْ مع لجانها لوضع برمجة خاصّة بها تُساير المنافسات اليوميّة، وتستفيد من تنظيم ورش تخصّصية تُناقش فيها أبرز الحالات التحكيميّة المُثيرة للجدل، والتي تُصعِّب الموقف على الحكم المحلّي في كيفيّة اتخاذ القرار الصحيح، والتدقيق في أفضل صور التعامل مع اللاعب الغاضِب، وسحب التوتّر منه في لحظات مُحرجة، رُبّما تستفزُّ الحكم لينفعِل ويُشهِر البطاقة الحمراء في وجهه، وكذلك فرض شخصيّة الحكم لئلا يتوهّم الفريق الخاسِر ويُفسِد مُتعَة المباراة باعتراضات مُتكرِّرة، وهُنا تحضر الخبرة في كيفية فرض الاحترام لصفّارته ومهما كان قراره صحيحًا أم خاطِئًا، لا سيّما أن أجواء كأس العالم تختلفُ كثيرًا عن مباريات الدوريّات العربية، وأساليب التشجيع وحساسيّة المباراة ومتابعيها؛ لذا لابدَّ للجنة الحُكّام في الاتحاد العربي وحتى الآسيوي من وضع المنهاج الخاص الذي يخدِم التحكيم العربي في أثناء مُعايشة البطولة العالميّة المُرتقبة كونها قريبة من المنطقة جغرافيًّا، ولا توجد أي مصاعب تحول دون تجمّع قُضاة العرب المُميّزين في ورشة مُحدّدة المُدّة والغاية والنتائج والهدف.

في مجال التدريب، والشيء بالشيء يُذكر، فاللجان الفنيّة في الاتحادات قادرة على اغتنام فرصة تنظيم مونديال قطر للارتقاء بـ"الملاكات التدريبيّة الوطنيّة" وبيان أسباب فقدانها لفرص النجاح في المهام -العربيّة أو القاريّة أو الدوليّة أو الأولمبيّة- لجميع الفئات، فما الضير من تهيئة ورشة فنيّة من كبار قادة الشؤون الفنيّة في الاتحاد العربي يُرشّح لها أفضل المدرّبين من الاتحادات المنضوية له لدراسة الخُطط الحديثة، وتحليل أسلوب اللعب وتحوّلاته في دقائق مُتباينة من الشوطين، وخيارات التبديل، ومفاتيح الفوز في الأوقات المطلوبة، واستقراء لغة المُخاطبة حتى في إشارة المدرّب لقائد الفريق أو أحّد عناصره، وما وراء التغيير المُباغِت، إلى كثير من المؤشّرات الفنيّة التي تُدخِل أي مدرّب في حسابات غامِضة دون فكِّ شيفرة كلّ فريق في تكتيكهِ الهجومي وأبرز عيوبهِ، وأيضًا في الشقِّ الدفاعي والعلاقة التنظيّمية مع الحارس التي تشوبها بعض الخروق المؤدّية إلى ضياع جهد المجموعة بخطأ ساذج!

ما زال هناك الكثير من الوقت لترجمة فكرة الورش العربية التخصّصية في مونديال قطر 2022، والتي نُريدها فاتحة خير لمنتخباتنا؛ لتتعلّم وتتقدّم وتقفز إلى مستويات مؤهِّلة للحصول على مراكز جيّدة، عبر مدرّبين أذكياء تُزيدهم القِمَم الكرويّة في ملاعب قطر معرفة بعِلم الكُرة ومفاجآتها من أرض الحدث، فكأس العالم تُقدِّم خُلاصات تجارب المدارس الأوروبية صاحبة الريادة في فترة شهر واحد لا تتكرّر إلا كُلّ أربع سنوات، مُتعة مجانيّة لدروس باهِظة الثمن في حسابات الهزائِم الموجِعة والانتصارات البارِعة.

شارك: