تكتيك الغندور وأخطاء حُكّام العراق

تاريخ النشر:
2022-10-02 13:50
جمال الغندور (الأول يسار) خلال حضوره ورشة تدريبية مع مجموعة من الحكام العراقيين (facebook/Iraq FA)
إياد الصالحي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

في توقيت مثالي جداً، سبقهُ بأسبوعين توتّر غير مُبرَّر لقُضاة ملاعب الكرة العراقية مع لجنتهم المركزيّة، دعا الاتحاد العراقي لكرة القدم المحاضر الدولي ورئيس لجنة الحكام الأسبق في الاتحاد المصري للعبة، جمال الغندور، لإلقاء محاضرة قيّمة للحكام العراقيين، بيَّنَ فيها الغندور آخر المُستجدَّات في قانون كرة القدم، وذلك على هامش معسكر الحكام التحضيري الذي اختُتم مؤخّراً في مدينة أربيل بإقليم كردستان.

وبالتزامن مع استعداد اتحاد الكرة العراقي لإطلاق النسخة الجديدة من مسابقة الدوري الممتاز، كان لمحاضرة الغندور التأثير الواضح في استفادة جميع الحُكّام الـ40 من الدوليين والنُخبة المشاركين في المعسكر الأربيلي، ودورة الصقل بإشراف لجنة ودائرة الحُكّام في العراق، لما يُمثّلهُ الرجل من كفاءة عربية قديرة سجّلت صفحات مُشرِّفة للصفّارة العربية في تاريخ كأس العالم؛ ببطولتي 1998 في فرنسا و2002 في كوريا الجنوبية واليابان، مع مواطنيه الحُكّام الذين شاركوا 9 مرّات في المونديال.

وإذ يواصل التحكيم العراقي الغياب عن 22 نسخة موندياليّة حتى الآن لأسباب مُختلفة، لا يسع المجال لذِكرها، فإن وجود الغندور لأوّل مرّة في العراق ضمن مهمّة صقل حُكّام بطولة الدوري يرفع من درجات التفاؤل بإمكانيّة التلاقُح بالأفكار المُساعدة على وضع أوّل خطوة في رحلة البحث عن مقعد عراقي بين صفوة حُكّام اللعبة في العالم، من خلال تأهيل أحّدهم ضمن برنامج شامل يُدخِلهُ في قائمة المُفاضَلة، مُعزَّزَاً بثِقة الاتحادين العراقي والآسيوي، علاوة على تحسين درجات تقييمه ومشاركاته في إدارة مباريات إقليميّة وقاريّة ودوليّة ترفع مستواه، وتُقرِّبهُ من بوّابة مونديال 2026 أو 2030، أو ما تقتضيه ترشيحات الاتحاد الدولي المُستندة إلى معايير خاصّة.

ملاحظات وافية أشّرَها الغندور في أثناء شرحه لمواد قانون كرة القدم، والحالات الجدليّة مثل التسلّل، والأخطاء التكتيكيّة، والمُهاجمة، والأخطاء داخل منطقة الجزاء، ولعب الكرة باليد، وآلية عمل الحُكّام بتقنية "VAR"، كما تفاعل مع المُحاضرين د.محمد عرب ولؤي صبحي المعنيّان بدائرة التحكيم العراقيّة وشؤونها، ولم يدَّخِر الغندور جهداً في التدريبات العمليّة داخل الملعب وتصويرها، ثم الاجتماع مع الحُكّام في قاعة العرض للمُناقشة والتساؤل واختبار الجميع فيها بروحية بثَّتْ الحماسة لاستيعاب الدرس بأسلوب فريد.

حالات الغضب والتذمر من متضرري أخطاء الحكام مسألة طبيعيّة

نُذكِّر هنا أنه لا توجد لجنة حُكّام كرة قدم عربيّاً وعالميّاً إلا وواجهتْ حالات الغضب والتَذمُّر من مُتضرّري أخطاء الحُكّام، فتلك مسألة طبيعيّة تتوافق مع حجم الضغوط الجماهيريّة التي تجعل أي حكم مهزوزًا يَفقُد توازنهُ، ويرتكب أخطاءً جوهريّة ربّما يدفع أي فريق ثمنها في أجزاء الثواني، بسبب قلّة تركيز الحكم وتناسيه مادّة قانونيّة مُعيّنة، نتيجة شرود ذهنه وسط سماعهِ هُتافات مُسيئة له من مُشجّعين مُتعصّبين.

من جانب آخر، فإن حضور شخصيّة مثل الغندور يُكرِّس مبدأ الحياد المُطلق في عملية تقييم الحُكّام مهنيّاً، فغالباً ما تتخلّل تقييمات ابن البلد المُحابّاة على حساب القيمة المهنيّة لشخصية الحكم وتاريخه وعلاقاته و"كاريزماه"، وتعامل ابن مصر مع دورة الصقل بتكتيك احترافي نظري وعملي؛ إذ حدَّدَ الخلل وعالجهُ برؤاه؛ من أجل عدم تكرار الأخطاء لاسيما الفادحة منها، وفي الوقت نفسه منح كل خبرته وما اكتنزهُ من معلومات وفيرة لثلّة من الحُكّام العراقيين الشباب، الذين يسعون للتطوّر ومُلاحقة أقرانهم في بعض الدول العربية؛ مثل قطر والسعودية ومصر والإمارات، حيث تقدّمتْ بهم اتحاداتهم المُحترفة بمراحل مُبهِرة تجسّدتْ في حُسن قيادتهم للبطولات المحليّة والدولية، وهو المكسب الحقيقي الذي تنشدهُ الكرة العربية في جميع التخصّصات الداعمة لمسيرة الارتقاء بها.

ضرورة تعميم تجربة الغندور في جميع اتحادات المنطقة

أرى ضرورة تعميم تجربة الغندور في جميع اتحادات المنطقة؛ دعماً للكفاءات العربية، وما أنجزتهُ عبر عقود مضت، ليست أقلّ إمكانيّة من مستويات الحُكّام في قارّة أوروبا "معقل الكرة العالميّة"؛ فتبادل الخبرة بين العراق ومصر، بالتنسيق مع الاتحاد الدولي لكرة القدم، أضفى إيجابية كبيرة على شريحة الحُكّام الذين يظلَّون بحاجة الى مزيدٍ من دورات الصقل، أسوة بالمدرّبين، مهما حازوا على تصنيفات عُليا، فمُتغيّرات لعبة كرة القدم مستمرّة، وينبغي تكييف العوامل العلميّة والنفسيّة لتتماهى مع قُدرات الحُكّام على أداء واجباتهم بلا نواقِص، وبالتالي من الضروري الاطّلاع على تجارب الآخرين خارج البلاد والاستفادة من ثرواتهم الفكرية الثمينة.

نأمل أن يكون موسم حُكّام الكرة في العراق 2022-2023، حافلًا بالثبات على مبادئ المهنة، التي أرست تقاليدها الرصينة كوكبة من حاملي الصفّارة والراية طوال 74 عاماً، مُنذ تأسيس الاتحاد العراقي لكرة القدم في 8 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1948، تمهيداً للدخول في منعطف تاريخي مهم في الموسم التالي بتدشين أول نسخة من "دوري المحترفين"، سيكون للحُكّام دورهم الأساسي في إنجاحه أو فشله، وفقاً لطبيعة الأداء ومُعدّلات اللياقة البدنيّة، ونتائج التقييم وخلاصات دورات الصقل في معسكرات التطوير وورش عمل مُقيّميهم.

شارك: