كلمات عابرة... نكبة أقلام

2022-12-15 18:16
الفرنسي كيليان مبابي يعانق المغربي أشرف حكيمي بعد مباراة فرنسا والمغرب في نصف نهائي كأس العالم قطر 2022 (Reuters)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

نُصِرّ على دخول المعارك الجانبية، ونأبى أن نعيش الفرحة، ونغرق في وحل الحزن، ونجيد البكاء، ونسمو في الرثاء.. نعيش في دوامة عاطفية.. تُحرِّكنا قلوبنا، والعقول في راحة إلى حين.

المنتخب المغربي تأهل إلى نصف نهائي مونديال قطر 2022، وكتب قصةً فيها الكثير من الإلهام والعِبر.. فيها دروس للمتقاعسين المكتفين بالأدوار الثانية، وشعار "المهم المشاركة".. قصة بطلها مدرب اسمه وليد الركراكي، قيل عنه قبل بداية المنافسة إنه في بداية الطريق، ولا يملك الخبرة، ولا الزاد الذي يؤهله لمقارعة الكبار.. مدرب عرف كيف يؤسس لفعل الانتصار.. قدم إلى المونديال مع كتيبة وليست تشكيلة.. جمع لاعبيه على كلمة واحدة، على هدف واحد.. أعاد زياش والحمد لله، ومعه صار المنتخب بمثابة الرجل الواحد، وفي مدة لا تتجاوز الشهور، نسي "المغاربة" كل تلك الصراعات التي كانت منتشرة بين المغتربين والمحليين.

مسيرة المغرب في المونديال لا يمكن تصنيفها في خانة المفاجأة أو الصدفة؛ لأن الحظ قد يلعب معك في مباراة أو اثنتين على الأكثر؛ لكنه لن يوصلك إلى المربع الذهبي، وعلى حساب مَن؟ على حساب البرتغال وإسبانيا وبلجيكا، لكنّه في المقابل، لا ينبغي الدخول (هنا) من باب المبالغة وإهداء الزهور لطاقم إداري، بحجة حسن التخطيط والإستراتيجية بعيدة المدى، مثلما سارع بعض النقاد والمحللين في أكثر من منبر إعلامي.

مع إنجاز المغرب، يجب أن نتوقف عن عاداتنا السيئة.. يجب أن نراجع خطواتنا، ونكون على قدر المسؤولية التي تمليها المهنية، ونرتقي بالكلمة إلى مصافها التي تستحقه.. الكلمة التي تُنصِف المجتهد دون " تطبيل" وتنبه المخطئ دون إساءة.. الكلمة التي تفرح دون مغالاة، وتحزن في صمت.. الكلمة التي تجعل من الفرحة والحزن نقطة لانطلاقة جديدة، تحفظ الحاضر في صفحة الماضي، وتنظر إلى المستقبل بعقلانية بعيدة عن هيجان القلوب الضاحكة، أو تلك الدامعة.

في عز الأحداث المتسارعة عادت بي الذاكرة إلى 2010، عندما كان منتخب الجزائر مُقدِمًا على المشاركة في مونديال جنوب أفريقيا .. كنت ضيفًا على برنامج "جرايد" في قنوات "الكأس".. سألني المذيع: ما رأيك في تصريح الفنانة هيفاء وهبي بعدم تشجيعها للجزائر في المونديال؟

حينها قلت: المنتخب الجزائري ليس بحاجة إلى مناصرتها، ولا إلى مناصرة أي من الفنانين واللاعبين العرب، بل هو في حاجة إلى جهد لاعبيه في الملعب حتى يحقق المنشود.

سؤال المذيع في 2010 تكرر في 2022 في مشهد مختلف بعض الشيء، مع التألق المغربي، وما أثير حول اللاعب المصري محمد صلاح، وعدم تهنئته للمغرب.. لقد تكرر السؤال أكثر من مرة، في سنوات مضت، وقد يتكرر  في أعوام لاحقة؛ لأننا  كشعوب نفتقد قادة رأي يسيرون بنا نحو سمو الرياضة، وحقيقة الصراع القائم على أرقام قد تبتسم لك مرة، وتبكيك مرات، لكن الحياة تستمر مهما كانت نتيجتها.

بعد مباراة فرنسا أمام المغرب في نصف نهائي المونديال.. كلكم شَاهَد تلك الصور التي جمعت بين مبابي وحكيمي.. فائز ومنهزم.. كل منهما يعيش لحظته، لكنه لم ينسَ صديقه وزميله في نفس الفريق، رغم الصراع المشتد بينهما في أثناء المباراة.. صور تُظهِر جوهر الرياضة، وبُعدها الذي نجهله للأسف.

قد يُحمِّلني بعضكم المسؤولية؛ لأنني أمارس الكتابة منذ زمن بعيد.. هي حقيقة لا أنكرها، وأضع قلمي وكلماتي تحت طائل المحاكمة العادلة؛ فربما أجيد المرافعة، ويحكم القاضي على تُجّار الكلمة البارعين في زرع الفتنة والترويج لكل ما هو تافه، ونصل إلى إعادة بناءٍ لمنظومة إعلامية وصحفية تؤسس لفعل الإيجابية، والسعي للتغيير نحو الأفضل، رغم أن المؤشرات "لا تُبشر بالخير".

حان الوقت لتجنب دخول المعارك الجانبية.. علينا أن نعيش الفرحة، ونرفض الغرق في وحل الحزن.. يجب أن نجيد البكاء في الوقت المناسب، ونكتب الرثاء لأجل من يستحق.. أن نخرج من دوامة العاطفة.. أن تحركنا قلوبنا للعطف على الفقراء والمساكين، وأن نجعل العقول تعمل دون راحة، حتى تتغير المؤشرات إلى الأفضل.

آخر الكلام: الفوز له أسباب والهزيمة كذلك.. العاقل يزن كلامه، وتاجر الوهم يُروِّج لأكاذيبه.. يرسم لوحة بألوان النحس، وأخرى للحظ.

شارك: