قصيدة مُفدي زكرياء في النادي الإفريقي التونسي

تحديثات مباشرة
Off
2023-07-30 15:34
أرشيفية- لاعبو النادي الإفريقي التونسي (Facebook-Club africain)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

الشّاعر مفدي زكرياء غنيٌّ عن التَّعريف، فهو شاعر الثورة الجزائرية ومؤلف النشيد الوطني الجزائري، أما (مفدي) فهو لقبه، و(ابن تومرت) فهو اسمه الذي كان يوقّع به تحت أشعاره.

كان من معاصري أبي القاسم الشابي الذي يُعد من أشهر الشعراء التونسيين في العصر الحديث، وكانت رحلته الدراسية إلى تونس محطة مهمة في حياته؛ إذ جعلته تونسيَّ الهوى على الرغم من تعلقه الشديد ببلده الجزائر وعنايته بشؤونها كلها، وكان من نصيبه أن وافته المنية في تونس الخضراء التي أحب، حيث قضى جُلَّ أيام الشباب فيها، وانخرط في صفوف الشباب التونسي وتعلّق كغيره من مُحبي الرياضة، والمولَعين بكرة القدم تحديداً؛ بالنادي التونسي لكرة القدم.

كتب مفدي زكرياء قصيدة بديعة في الفريق التونسي، تحدث فيها عن مهاراتهم الفريدة في اللعب، وجاءت القصيدة قريبة من روح العصر، ناطقة باسمه؛ إذ لم يعتمد الشكل التقليدي للقصيدة العمودية، أمّا الفريق الإفريقي التونسي آنذاك فقد كان يعدُّ من أَمهر وأشهر فِرق كرة القدم في عيون الشباب العربي والإفريقي على حدٍّ سواء.

يبدأ الشاعر قصيدته مُتَغنِّيًا بتونس الخضراء، ومعتزًا بانتمائه إلى الأمّة العربية، فيقول:

تونس الخضراء يا بلادي
يا أمة صنعت أمجادي
يا تربة ضمت أجدادي

ثم ينتقل إلى مخاطبة لاعبي الفريق الإفريقي فيقول:

نحن فِداك ... شبابَ الإفريقي
اعزفوا النغمَ، وارفعوا العلمَ، فوق هام السما
أحمر... دماؤنا، أبيض... أخلاقنا
انشدوا في الحِمى
تحيا بلادي... يحيا النادي الإفريقي

لم يكن استقرار مفدي زكرياء في تونس طويلًا للدراسة محضَ رحلة دراسية فحسب، فقد شكلت تونس في حياته ربوعًا ورياضًا غنّاء كالوطن الذي انطلق منه حاملًا معه مشاعر الحب والانتماء والحميّة الممزوجة بِنَزَقِ الشباب، وقد حمل للفريق الإفريقي العريق إعجابًا عظيمًا جعله يخلّد ذكره في قصيدة تبعث في قارئها وسامعها بهجة روح الشباب المتوثبة، فانظروا معي إلى قوله:

تَسمُو الرياضة في نادِينا
خمسون عامًا تُزكّينا
الانتصار بأيدينا

ما أبدع اللغة حين تحمل مكنونات الشاعر بأسلوب رشيق سَلسٍ، يفهمه المتلقون ببساطة العبارة، وينعم بعمقه المتأمل لجمال اللغة الشعرية، فالشاعر نسب الفريق الإفريقي لنفسه وأمّته حين استعمل ضمير الملكية العائد على الجماعة وقال: (نادينا، يُزكّينا)، وعبّر عن امتنانه للنادي الذي شرّف الأمة كلّها بلعبه ورفع اسمها عاليًا. وإذا ما نظرنا إلى قوله: (الانتصار بأيدينا)؛ فسندرك أن الشاعر يريد أن يقول إنّ أي انتصار أو نجاح يحققه الفريق الإفريقي إنما هو انتصار وفوزٌ جماعيٌّ للأمّة، وهو كَسبٌ محتومٌ مرهونٌ بأيدي فريقنا الجميل.

ويتابع القصيدة بالإشراق نفسه متكئًا على ضمير الجماعة، وليس غريبًا على شاعر ثوريٍّ مثله، يؤمن بمعنى الوحدة بين الجماهير الشعبية، ويقدّس النجاح الفردي والجماعي المُفضِي بطبيعة الحال إلى نجاح الوطن بِرُمَّته وانتصاره وإثبات عظيم مكانته، فيقول مفتخرًا بمهارات لاعبي الفريق وانتصاراته:

إنْ رَمَت أرجلنا كرة نِلنا الهَدف
أو رمَت أَكُفُّنا سلَّة حُزنا الشَّرف
صلبة أضلاعنا... حُرّةٌ أعصابنا... وشَدت أصواتنا
تحيا بلادي... يحيا الفريق الإفريقي

ثم يعود ليتغنّى بتونس الخضراء بلدًا أصيلًا وموطنًا دافئًا، مؤكدًا بذلك أهميةَ الوحدة والانتماء، وانعكاس ذلك على أوساط الشباب إيجابًا، محاولاً الربط بين اهتمامات الشباب وعنايتهم بالرياضة وبين الشعور بأهمية الهوية والشعور بالفخر والعزّة، فنجاح فردٍ منّا في أيّ مجال كان يعني بالضرورة نجاحنا جميعًا، وتفوّقُ واحدٍ منّا يعني تفوّقنا جميعًا؛ وفي هذا المعنى يُنشِدُ شاعرنا الجميل مفدي زكريا:

يا تونس الخضراء يا بلادي
نحن شباب الجيل الصاعد
نحن بناة المجد الخالد
نحن فداء الشعب الماجد
نحن جنود... شباب النادي الإفريقي

ويختم قصيدته بوصف الشباب العربي عامّة بالوعي والنضوج، ووصف الكهول والكبار سِنًّا بالحكمة والتّعقّل، ويُحفّز الشباب على إبقاء شعلة الطموح متوقدة في أفئدتهم، ويحثّهم على الانطلاق دومًا إلى الأمام، والسّعي نحو إحراز التفوق بدون كَلَلٍ أو مَلَل؛ فيقول:

نحن من وَحيِ الحبيب
شعلة تذكي اللهيب
نبع الوعي الحميد
بين شباب وشيب
إلى الأمام... إلى الأمام
يا بني الخضراء الكرام
ردِّدوا بين الأنام
تحيا بلادي... يحيا النادي الإفريقي

شارك: