قصيدة حافظ إبراهيم في نادي الجزيرة المصري

تحديثات مباشرة
Off
2023-07-16 15:27
رياضة كرة القدم أثارت اهتمام العديد من الشعراء العرب منذ وقت طويل (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

لم يقتصر حُبُّ الرِّياضاتِ على ممارستها والإعجاب باللاعبين الماهرين فيها فحسب بل تخطّى ذلك إلى التَّعلّق بمتابعة أخبارهم، ووصل إلى التَبنّي العاطفي لفريق مُعيّن، والإيمان العقلي بقدراته وتشجيعه والإحاطة بكلِّ أخبار لاعبيه، والاعتقاد المطلق بأحقِّيّته في الفوز، والمراهنة على ذلك في كثير من الأحيان، حتّى صار فوزه مصدر سعادة عارمةٍ لمُشَجّعيه ومُحِبّيه.

كثيراً ما نجد ذلك في أوساطنا العربية عند الحديث عن فِرق وأندية كرة القدم، العالمية منها والمحلّيّة، ومنذ كنّا صغاراً نحفظ أسماء تلك الفِرَق لكثرة تتردّد أسمائها على مسامعنا من جيل الشّباب حولنا، ومن آبائنا وأعمامنا وأخوالنا وغيرهم، وحتّى من الجيران، فما يزال حتى اليوم انغماس أَحَدِ جيراننا في حبُّ أحدِ فِرَق كرة القدم المحلية عالقاً في ذاكرتي، إذ كان مُغرماً بكرة القدم عامّة، وبفريق (الوحدة) السوريّ خاصّة، وكان يلبس لباسهم الرياضي باللون البرتقالي الذي اختاروه لأنفسهم، واشتُهروا به، قاصداً بذلك إخبار كل من حوله بمدى حبّه وتعلّقه بفريق (الوحدة)، وقد نشأ أطفاله في الحيِّ على حبِّ رياضة كرة القدم حُبّاً أثيراً. 

وفي أثناء المباريات إذا أَعاقَه شيءٌ عن حضورها على أرض الواقع وما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فإنّ دكّانه تصبح صالوناً مُعَدَّاً لِعُشَّاق الفريق، يحضرون فيه المباريات من خلال شاشة التلفاز القديمة، ويشجعون ويتطايرون وتتعالى أصواتهم مع كلِّ رَكلَةٍ للكرة وتسديدة هدف وصافرة إنذار، لم نكن بحاجة إلى ذكاء عالٍ لنُميِّز بين تلك الأصوات وما يدلّ منها على الفرح أو الخيبة.

وقِس الأمرَ نفسه على فِرَقِ كرة القدم المصرية، وما بَالُكَ إذا ما أَحَبَّ الشاعر الشهير حافظ إبراهيم فريقاً رياضياً مُحدّداً، وكتب له وعنه قصيدة شعرية بديعة.

أحبَّ الشاعر حافظ إبراهيم فريق كرة القدم المصري المعروف بِنادي (الجزيرة) وأُعجِبَ بأداء لَاعِبيه أَيَّمَا إعجاب، وسطَّر عنهم قصيدة مميّزة، تحدّث فيها عن جمال لَعبهم، وعن مهاراتهم الفَذّة، وأعرَبَ عن إعجابه الشّديد بهم؛ فقد قال في مَطلعها متحدثاً مباشرة عن نادي (الجزيرة)، وعن حُبِّه لبلده (مصر) وعن جمال طبيعة منطقة الجزيرة بشكلٍ خاصّ:

بِنادي الجَزيرَةِ قِف ساعَةً    *     وَشاهِد بِرَبِّكَ ما قَد حَوى
تَرى جَنَّةً مِن جِنانِ الرَبيعِ    *     تَبَدَّت مَعَ الخُلدِ في مُستَوى
جَمالُ الطَبيعَةِ في أُفقِها    *     تَجَلّى عَلى عَرشِهِ وَاِستَوى
فَقُل لِلحَزينِ وَقُل لِلعَليلِ   *      وَقُل لِلمَولي هُناكَ الدَوا
وَقُل لِلأَديبِ اِبتَدِر ساحَها    *     إِذا ما البَيانُ عَلَيكَ اِلتَوى

يُعَدُّ نادي الجزيرة لكرة القدم أَحَدَ أَهمِّ وأَشهرِ النَّوادي المعروفة في مصر، وفي عاصمتها القاهرة تحديداً، تأسّس في عام 1882 وتحديداً في منطقة الجزيرة الواقعة شمال منطقة الزمالك، ومن صفات هذا النادي الخاصة به أنّه لم يكن فريقاً رياضياً فحسب بل يُقال إنَّ لاعبيه كانوا على مستوى عالٍ من التعليم والثقافة، وكانوا ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية من المجتمع مقارنة بغيرهم من الفرق الرياضية المعروفة  في مصر في ذلك الوقت.

يقول الشاعر حافظ إبراهيم معجباً بفريق (الجزيرة): انظر يا أخي إلى هذا الفريق المميز! ستكفيك مشاهدةُ ساعة للإعجاب بهم، ستشعر وأنت تشاهد لَعِبَهم في ساحة كرة القدم وكأنَّك في جنّة لشدّة تأثرك بجمال الأداء، ولا عَجَب! ففي الجزيرة وفي متابعةِ أداء نَادِيها جمالٌ طبيعيٌّ أَخّاذ، يَأسرُكَ! وإذا ما كنت حزيناً فإنّه يَجلُو هَمّك وغَمّك، وإذا ما كنت أديباً واستعصى عليك البيانُ فإنّه قادر على تحريك قَريحتك والـتأثير فيها وإطلاقها.

ويكمل الشاعر حافظ إبراهيم مُوَجّهاً خطابَه هذه المرّة للشباب المُنشَغِل بدراسته المنكبِّ عليها، فيقول: 

وَقُل لِلمُكِبِّ عَلى دَرسِهِ     *    إِذا نَهَكَ الدَرسُ مِنهُ القُوى
تَنَسَّم صَباها تُجَدِّد قُواكَ    *     فَأَرضُ الجَزيرَةِ لا تُجتَوى
فَفيها شِفاءٌ لِمَرضى الهُمومِ    *     وَمَلهىً كَريمٌ لِمَرضى الهَوى
وَفيها وَفي نيلِها سَلوَةٌ     *      لِكُلِّ غَريبٍ رَمَتهُ النَوى
وَفيها غِذاءٌ لِأَهلِ العُقول   *      إِذا الرَأسُ إِثرَ كَلالٍ خَوى

يأخذنا قولُه هذا بالذاكرة إلى مناقشاتٍ طويلة كانت تجري وما تزال بين الأهل والشباب من الأولاد، وخاصة أولئك المُغرمين بمتابعة أخبار كرة القدم ومبارياتها وتشجيع لاعبيها؛ فالأهل عادةً يَمنعون أولادهم من مشاهدة التلفاز في أيام الامتحانات وضغط الدراسة، لكنّ شاعرنا هاهنا يشجّع الشّباب إذا ما ضاقت أنفسهم من دروسهم أن يشاهدوا مباريات فريق (الجزيرة)، وأن يُرَفِّهوا عن أنفسهم، ففي المتابعة تجديدٌ للنّفس، وشفاءٌ للمرض، وتسليةٌ للروح، وغذاءٌ للعقل.

نتابع في المقال القادم وقفتنا مع هذه القصيدة البديعة بإذن الله.

شارك: