دبلوماسية المونديال
يمثّل كأس العالم أكبر منافسة لكرة القدم يحلم اللاعبون المشاركة فيها، ويسعى ملايين المشجعين إلى حضورها، لكن كرة القدم لا تقتصر على الجانب الرياضي فحسب، بل تتمتع بقدرة على تأسيس روابط ثقافية واجتماعية بين دول وشعوب مختلفة، وتخلق مجالا لمناقشة قضايا تصعب مناقشتها أحيانا، ويشار إلى ذلك بـ "دبلوماسية كرة القدم"؛ إذ تمهّد هذه اللعبة الطريق لمناقشة قضايا؛ مثل حقوق الإنسان، والمرأة، وذوي الاحتياجات الخاصة، ورعاية الأطفال، ودعم الجهود التعليمية، ونبذ العنف.
وفي اللحظة التي يسعى فيها بلد ما إلى تقديم ملفه لاستضافة المونديال، فإنّ المنظمين لا يغفلون عن طرح هذه القضايا؛ بهدف إجراء تحسينات اجتماعية وثقافية وسياسية مخطط لها في رحلة استضافة البطولة.
يقول الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" خلال عملية تقييمه للملف القطري لاستضافة المونديال: "تستند عملية تقييم الملفات الخاصة بالفيفا إلى مبادئ الشفافية والمساواة، وتقدّم للمنظمين قواعد وتوجيهات من الفيفا".
وخلال تقريره المطول عن الملف القطري؛ شدد الفيفا على أن مفهوم استضافة قطر للمونديال ينبع من رؤية التنمية الوطنية الاستراتيجية، ويقدم نهجا جديدا لعمليات الإرث والحداثة، ويلزم خلو البطولة، وما يتعلق بها من استعدادات، من الكربون، لا سيما في تقنيات التبريد الصديقة للبيئة (راجع التقرير، ص 3).
المسؤولية الاجتماعية
لبّى ملف استضافة مونديال 2022 المُنتظر منه حول مسؤوليته الاجتماعية، من خلال برامج مثل "الجيل المبهر" (المسؤولية الاجتماعية للشركات)، و"تحدي 22" (دعم المبدعين في المنطقة)، و"رعاية العمال" (ضمان سلامة وأمن العمال في مشاريع اللجنة العليا)، ومبادرات أخرى؛ مثل المشاركة المجتمعية ومعهد "جسور" (التنمية المهنية). ويقول المنظمون إن قطر تستثمر قوة كرة القدم وكأس العالم لتحفيز التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية في مجتمعات قطر والمنطقة وآسيا.
هل يضمن منظمو مونديال 2022 حقوق العمال؟
عملت اللجنة العليا للمشاريع والإرث، وهي المنظِّمة لمونديال 2022 على تطويع ملف البطولة، كحافز لإطلاق مبادرات مستدامة في رعاية العمال، وتتعاون مع عدد من الجهات المستقلة، ومنها الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب.
وتأتي صحة وسلامة العمال في قائمة أولويات اللجنة العليا، ولا يتجاوز معدل تكرار الحوادث في مشاريع البطولة 0.03، وهو أقل من المعدل المسجل في مشاريع دورة الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012، والتي تعد إحدى أكثر الفعاليات الرياضية الكبرى أمناً وسلامة.
إضافة لذلك، أعلنت قطر إجراء عدد من التعديلات والإصلاحات على قانون الكفالة، كما أطلقت العديد من المبادرات التي تهدف لرعاية العمال، ما يضمن سلامة جميع العاملين في المشاريع المرتبطة بالبطولة ومعيشتهم في ظروف صحية سليمة.
المسؤولية البيئية
شكلت تقنية التبريد الصديقة للبيئة إحدى الالتزامات الرئيسية التي قطعتها قطر على نفسها في ملف الاستضافة الخاص بها، وسيضمن بناء استادات مزودة بتقنية تبريد حديثة إمكانية استخدامها طوال العام، كما يمكن للدول الأخرى ذات المناخ المشابه استخدام التقنية ذاتها.
تم استخدام تقنية التبريد المبتكرة للمرة الأولى خلال تدشين استاد خليفة الدولي عام 2017، حيث بلغت درجة حرارة الملعب 25، في وقت كانت فيه الحرارة 43 درجة مئوية.
المسؤولية الجماهيرية
تقام جميع مرافق المونديال الرئيسية في دائرة نصف قطرها 60 كيلومترا، ما يعطي للبطولة تأثيرا إيجابيا للاعبين والمشجعين، فلن يقتصر الأمر على تمكين المشجعين من مشاهدة أكثر من مباراة في يوم واحد، بل يتعدى ذلك إلى تجنيبهم عناء سفر جوي لحضور مباريات أخرى. وسيتمكن المشجعون من السفر والتنقل بسهولة بفضل استثمارات البنية التحتية الضخمة، والتي تتضمن شبكة مترو حديثة.
يظل اللاعبون الأكثر استفادة من قرب المسافات، كما أن معسكرات التدريب لن تبعد عن اللاعبين سوى دقائق فقط، لذا سيتمكن اللاعبون من التدريب والاستعداد بسلاسة أكبر.
المسؤولية الرياضية
سيشكل مونديال 2022 التزاما قويا في تطوير كرة القدم، فقد ركز ملف الاستضافة على تقديم أقسام رئيسية من ملاعب المونديال لبناء 22 ملعبا حول العالم في دول نامية. هذا وتتسابق كرة القدم القطرية لتطوير مواهبها والمنافسة عالميا على أعلى المستويات، وحققت فرق الشباب فيها نجاحات دولية. أما من حيث الخبرة في استضافة الأحداث الرياضية الدولية في السنوات العشرين الماضية، فقد استضافت قطر بالفعل كأس العالم تحت 20عاما وذلك في عام 1995، وكذلك دورة الألعاب الآسيوية 2006، ونهائيات كأس آسيا 2011 وكأس العرب 2021.
المسؤولية الاقتصادية
ستتمكن قطر من استقطاب استثمارات محلية وأجنبية قبل وبعد المونديال، تتراوح ما بين 15– 20 مليار دولار ستضخ في شرايين الاقتصاد القطري، وبالأخص في البنى التحتية، بما فيها الرياضية. كما سيشهد قطاع الخدمات الحيوي دفعة قوية من خلال تطوير المنشآت السياحية والفندقية وخدمات النقل والاتصالات، والتي أصبحت تشكل نسبة مهمة من الناتج المحلي الإجمالي لمختلف بلدان العالم، وتسهم في تنويع مصادر الدخل الوطني.
دبلوماسية المونديال، تنعكس في جميع قطاعات قطر والمنطقة، ولا تقتصر على عام 2022 فقط، بل تتعدى إلى عقد كامل في الجوانب الاجتماعية والرياضية حسب أقل التقديرات، وعشرات السنوات فيما يتعلق بمشاريع البنية التحتية وتطوير الملاعب ومرافق النقل؛ ما يجذب مئات الاستثمارات الخارجية.