خلفيات سياسية وتاريخية تكسي مواجهة المغرب وفرنسا بكأس العالم

لا يمكن فصل الماضي عن الحاضر الذي نعيشه، فالمستقبل يُبنى بمعادلة رياضية تعتمد على توليفة متجانسة من ثلاثتهم، وفي كأس العالم لكرة القدم قطر 2022، تلتقي السياسة والرياضة في نقاط متشابكة، كما جرت العادة في كل المحافل الرياضية منذ قديم الأزل، ومع اقتراب موقعة فرنسا ضد المغرب في نصف النهائي، لا يمكن إغفال الجانب التاريخي السياسي بين البلدين.

في الدور الأول لكأس العالم روسيا 2018، احتفل السويسريان غرانيت تشاكا وشيردان شاكيري ضد صربيا على طريقة "النسر الألباني" ما أثار جدلًا سياسيًا واسعًا، وفي نسخة قطر الحالية عاود الثنائي الاحتفال ضد صربيا أيضًا، لكن بطريقة مغايرة هذه المرّة؛ إذ رفع تشاكا وشاكيري قميصا يحمل اسم المناضل البوسني الراحل "آدم يشاري".

ينحدر تشاكا وشاكيري من أصول ألبانية كوسوفية، ولم ينس الثنائي ما عاناه أبناء جلدتهم "مسلمو البوشناق" من مجازر التطهير العرقي من الدولة الصربية في التسعينيات، وقد استغل اللاعبان المحافل الرياضية الدولية لتذكير العالم بقضيتهما السياسية.

لم يختلف الحال كثيرًا في المعسكر الأوروبي، فلاعبو المنتخب الكرواتي احتفلوا بتأهلهم إلى نصف النهائي بعد الإطاحة بالبرازيل بركلات الجزاء (4-2)، على أنغام أغنية الفنّان الفاشي الكرواتي، تومبسون، الذي مجّد خلال هذه الأغنية الحرب ضد مسلمي البلقان، فيما يعرف باسم نظام "Herceg-Bosna" السياسي، الذي أدانته محاكم الحرب الدولية.

ولا يزال تأثير الاحتلال الغربي للدول الشرقية في العصور الوسطى والحديثة يلقي بظلاله في كُلّ مرة تسنح فيها الفرصة.. اللاعبان الهولنديان السابقان فرانك ريكارد ورود خوليت، والحاليان جورجينيو فاينالدوم وفيرجيل فان دايك، وعشرات اللاعبين أصحاب البشرة السمراء، هم مجرد أبناء عائلات محلية هجّرتهم هولندا من دولة سورينام للعمل بالسخرة في أمستردام، حيث دام الاحتلال الهولندي لسورينام -الواقعة في أمريكا الجنوبية- لقرون، بالتحديد من 1667 إلى 1975.

وبعد فوزهما بدوري أبطال أوروبا 2019 مع ليفربول، احتفل فاينالدوم وفان دايك بعلم الدولة الأم "سورينام"، وللعلم فإن هذا الأمر كثيرا ما يحدث مع عشرات اللاعبين الآخرين حول أوروبا. فالبرتغالي رفائيل لياو، نجم ميلان الإيطالي، من أب وأم أنغوليين، ومن المعلوم أن البرتغال احتلت أنغولا 5 قرون، بل إن أنغولا كانت تسمى "البرتغال الأفريقية" في السابق.

المغرب وفرنسا.. هل حبل العلاقات "متوتر"؟

كغيرها من القوى الاستعمارية في القرن الـ20، بسطت فرنسا نفوذها نحو دول الشمال والغرب الأفريقي، ومنها المملكة المغربية، التي جاء احتلالها على مراحل متقطعة، بدأت عام 1904 باحتلال مدينة وجدة، ثم الدار البيضاء بعدها بـ3 سنوات، قبل أن يتمكّن الفرنسيون من المغرب بالكامل تقريبًا عام 1912، عندما استولوا على مراكش.

نالت المملكة المغربية استقلالها بعد مقاومة بطولية وعقود من الصراع مع المحتل، شهدت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، في معارك دامية في الريف وفاس والدار البيضاء، فكان استقلال المغرب رسميًا عام 1956.

في الوقت الحالي، وبعد نحو 7 عقود من هدوء رماد الحرب بين فرنسا والمغرب، باتت العلاقات الدبلوماسية والتجارية في أوجّ قوتها، مع تحالف الطرفين في العديد من القضايا الإقليمية، متناسين تمامًا إرهاصات الاحتلال.

لكن في الوقت الأخير، شهدت علاقات فرنسا والمغرب توتّرًا ملموسًا على الصعيد السياسي، بحسب تحليلات من صحف أوروبية؛ إذ رفضت باريس منح تأشيرات الهجرة والسفر إلى آلاف المغاربة من طبقة النخبة، في حين أن التمثيل والزيارات الرسمية بين حاكمي البلدين منقطعة، منذ إعادة انتخاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مايو/ أيار الماضي.

ترقب أمني في فرنسا

قبل مباراة البلدين في نصف نهائي كأس العالم قطر 2022، عاد الحديث في أروقة الصحافة المحلية بالمغرب وفرنسا عن مدى متانة العلاقة لامتصاص غضب الجماهير في ساحات باريس ومارسيليا وليون تحديدًا، حيث الجالية المغربية الضخمة.

يوجد في فرنسا نحو مليون ونصف مغربي؛ ففرنسا تمثل أكبر تجمع سكاني للمغاربة خارج حدود المملكة المغربية في العالم، ومن أجل ذلك، طالب ساسة مرموقون في الحكومة الفرنسية بغلق شارع "الشانزليزيه"، أشهر شوارع العاصمة باريس، في يوم المباراة.

ألفا شرطي هو العدد الأولي لقوات الأمن الممشطّة للعاصمة باريس فقط في يوم المباراة، في حين أن عدد القوات في لقاء المغرب والبرتغال السابق لم يتعد 700، ما يفسّر الترقب الأمني الشديد من المسؤولين الفرنسيين.

ألمانيا وفرنسا تشنان حربا إعلامية على المغرب قبل نصف النهائي

اقرأ المزيد

مواجهات فرنسا والمغرب

لم يسبق للمنتخب المغربي الفوز على نظيره الفرنسي في أي مواجهة سابقة؛ إذ التقى الطرفان 5 مرات، كانت الغلبة فيها لفرنسا في 3 مناسبات، مع انتهاء مباراتين بالتعادل، واللافت أن جميع المواجهات الخمس كانت في إطار ودي، ليصبح نصف نهائي قطر 2022 بمثابة أول مواجهة رسمية بين منتخبي فرنسا والمغرب.

تاريخ مواجهات منتخبي المغرب وفرنسا
 

صداقة حكيمي ومبابي

طغت علاقة المغربي أشرف حكيمي والفرنسي كيليان مبابي على أغلفة الصحافة المحلية في البلدين، لما يتمتّع به ثنائي باريس سان جيرمان من صداقة متينة في أروقة النادي الباريسي.

وعنونت يومية "ليكيب" الفرنسية عن منافسة حكيمي ومبابي بـ"مباراة الإخوة المتحابون"، فيما كتبت يومية "آس" الإسبانية في الصدد نفسه: "منافسة الأشقاء نحو نهائي كأس العالم".

المغرب يهزم أوروبا 

المفارقة أن 5 من 6 انتصارات حققها المنتخب المغربي في تاريخ مشاركاته في كأس العالم جاءت على حساب منتخبات أوروبية، هي البرتغال (مرتين) واسكتلندا وبلجيكا وإسبانيا.

انتصارات المغرب في المونديال