ختام أولمبياد باريس يطرح السؤال.. متى يستفيق العرب؟

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2024-08-12
-
آخر تعديل:
2024-08-12 17:56
المغربي سفيان البقالي حافظ على ذهبية سباق 3 آلاف متر موانع في أولمبياد باريس في إنجاز تاريخي (Getty)
لوغو winwin
الفريق التحريري
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

طوى أولمبياد باريس 2024 الذي استمر على مدار أسبوعين تقريبًا، آخر صفحاته أمس الأحد، ومع خاتمته انطلق وقت التقييم والمراجعات لما تحقق، ولما هبط تحت سقف التوقعات.

عربيًا كانت الحصيلة سائرة نحو رقم كارثي، قبل أن تنتعش الحظوظ في خواتيم الأولمبياد، حين انفجرت طاقات الرياضيين، ليبلغوا سقف 17 ميدالية، وهو ثاني أفضل حصاد -من حيث العدد- في تاريخ العرب الأولمبي بعد النسخة الماضية بطوكيو (18 ميدالية)، أمّا بمقياس قيمة المعادن، فإنّ النسخة الباريسية المنقضية فهي تعدّ الأميز تاريخيًا، بعد أن جمعت 7 ميداليات ذهبية كاملة و4 فضية و6 برونزية متفوقة على حصاد أولمبياد 2020 (5 ذهبية و5 فضية و8 برونزية).

وبعيدًا عن معيار المعادن ولغة الأرقام، فإنّ أولمبياد باريس حمل معه إقرارًا قديمًا جديدًا، يخص الرياضة العربية، التي كرّست تألق الألعاب الفردية على حساب نظيراتها الجماعية، هذه الأخيرة التي عرفت وما تزال حالة من التصحّر منذ تاريخ أول مشاركة في الألعاب إلى يوم الناس هذا.

أولمبياد باريس يحرج العرب من جديد

لم يحمل الحضور العربي الـ23 والعشرين في النسخة الـ33 من العرس الأولمبي العريق الجديد على مستوى خارطة المتوّجين وهوية من تعوّد على رفع الراية بين جهابذة العالم، فالهيمنة كانت - وكما جرت العادة - للألعاب الفردية، التي واصلت رفع راية الأحقية رغم مجافاتها برياح التقصير والتهميش من لدن سُلط الإشراف في كل دولة عربية.

فراس القطوسي وأحمد الجندي وإيمان خليف وكيليا نمور وسفيان البقالي ووينفريد يافي وأحمد تاج الدين، أسماء قلّدت نفسها بالمعدن النفيس في أولمبياد باريس ولكلّ منهم حكايته وقصة كفاحه، التي تفسّر جانبًا من نجاحه، غير أنهم يشتركون جميعًا في نقطة واحدة، تتلخّص في الفوارق الشاسعة بين ما يلقونه من إحاطة ودعم، مقارنة بالميزانيات الهائلة التي تصرف على الرياضات الجماعية في مقابل "صفر" إنجازات.

حصيلة جديدة في أولمبياد باريس زادت من إحراج العرب تجاه أبطالهم، الذين أخذوا على عاتقهم مجددًا مسألة تشريف رايات بلدانهم في ظلّ سبات شتوي للرياضات الجماعية، التي سجّلت حضورًا متواضعًا كالعادة، فلا وجود لممثل أساسًا في كرة السلة، وفي الكرة الطائرة خرج منتخب مصر بطل أفريقيا بحصيلة مخزية، لم يحصد فيها الفوز ولو في شوط يتيم، وتوقفت مسيرة "يد الفراعنة عند محطة ربع النهائي في الأولمبياد رغم المردود المقبول، وكان الاستثناء الوحيد ولأول مرة، كرة القدم التي صدّرت منتخبين عربيين إلى المربع الذهبي هما مصر والمغرب، حيث تمكنت الأخيرة من نيل ميداليتها البرونزية الأولى والوحيدة في الألعاب الجماعية في رصيد العرب.

الأفراد يسحقون الجماعة بالـ"K.O"

لا طالما كانت المقارنة منعدمة بين الرياضات الفردية ونظيراتها الجماعية أولمبيًا، فأوجه الخلاف مأهولة، والفوز كان للأفراد بالضربة القاضية منذ ظهور العرب الأول في هذا المحفل العالمي عام 1928 بأمستردام، وأول لكمة مقابلة كان ببصمة المغرب صاحبة برونزية كرة القدم في باريس كما ذكرنا سابقًا.

اكتساح الرياضات الفردية تترجمه الأرقام التي لا تعرف الكذب، ففي 23 دورة أولمبية، حقق العرب باحتساب أولمبياد باريس 147 ميدالية (40 ذهبية و37 فضية و70 برونزية)، منها واحدة فقط في كرة القدم.

وفي ظل حالة من التصحّر ضربت الرياضات الجماعية على مدار هذا التاريخ الطويل، كوّنت رياضات أخرى وأهمها ألعاب القوى (49 ميدالية) تقاليدًا للعرب في الأولمبياد، والذين توّجوا في المجمل من خلال 13 رياضة، وهي: ألعاب القوى ورفع الأثقال والمصارعة والسباحة والملاكمة والرماية والجودو والغطس والمبارزة بالسيف والفروسية والتايكوندو والجمباز والخماسي الحديث (بينتاثلون).

إستراتيجيات بالية وغياب إرادة السلطة

ما هو ملاحظ عند التمعن في جدول توزيع الميداليات، أنّ هناك دولًا جديدة باستثناء العظمى، تدخل في السباق، وأخرى باتت لها تقاليد في حصد المعادن مع موعد كل دورة أولمبية، وليس ذلك حتمًا وليد الصدفة، فمسؤولو الرياضة في هذه الدول (أوزباكستان نموذجًا بـ13 ميدالية منها 8 ذهبية)، يعملون "ليلًا نهارًا" لوضع إستراتيجيات مبنية على دراسات معمقة، لبلوغ حلم التتويج في الأولمبياد، الذي يعدّ نتاج جهد جماعي يتلخّص في صورة البطل المتوّج.

وضع الإستراتيجيات وحده غير كفيل بضمان التفوق أولمبيًا، وإنما لإرادة سلطة الإشراف العامل الحاسم في جعل الأحلام قابلة للتحقق، من خلال الدعم المادي والمعنوي للرياضيين والذين يعتبران خطّين متوازيين هدفهما بلوغ منصة التتويج.

على عكس عدد من البلدان التي تقدمت في هذا السياق، يأبى العرب (باستثناء نموذج أو اثنين) إلا الاستكانة إلى إستراتيجياتهم البالية المغلّفة باللامبالاة ومحدودية التقدير من سلط الإشراف، بارعين في الكلام وتقديم الشعارات الكلاسيكية بعد الإخفاق في كل محفل من قبيل (ضرورة وضع خطة واضحة.. والعمل على المدى الطويل.. ووجب الإحاطة والدعم و..و...و....)، ولئن كانت شعارات صحيحة شكلًا ولكنها تفتقد للتطبيق مضمونًا.. فهذه الشعارات وجب قرنها بأخرى من قبيل "الهدرة في الـRing" أو "الميدان يا حميدان".. فلطالما كان الفعل أبلغ من الكلام.

درس صيني

شهد أولمبياد باريس وكغيره من النسخ السابقة للأولمبياد صراعًا محتدمًا بين العملاقين الصيني والولايات المتحدة الأمريكية، لم يحسمه للأخيرة سوى المعادن الأخرى البعيدة عن الذهب، والذي تعادلت فيه الدولتان، لتعود الغلبة للأمريكان في المجموع بـ126 ميدالية (40 ذهبية 44 فضية و42 برونزية) على حساب الصين التي حصدت 91 ميدالية (40 ذهبية أيضًا و27 فضية و24 برونزية).

ليس المراد في هذا السياق، استعراض البطولات الصينية في أولمبياد باريس وإنما تسليط الضوء على الإستراتيجية الذكية لـ"التنّين"، والتي تتمثل في استهداف ألعاب فردية بعينها تسمح باختصار الطريق نحو المجد الأولمبي، فرياضات على غرار تنس الطاولة أو الغطس، قد لا تحظى بشعبية عالمية جارفة، كما هو حال كرة القدم مثلًا، ولكنها كفيلة بأن تضع الصين في مقدمة المتوّجين.

ألعاب القوى أو الفروسية أو الملاكمة أو المصارعة أو السباحة وغيرها، هي رياضات لها تقاليد لدى العرب، وبرعوا فيها سابقًا، وقادرة على حصد المعدن الأولمبي أيًا كان لونه، مقارنة بالرياضات الجماعية التي يعدّ التتويج فيها من أشباه المستحيلات.

وعملًا بالنموذج الصيني، فإنّ الذكاء هنا يكمن في رصد الاعتمادات لمستحقّيها، ولمن سيكون طريقه أقصر للبوديوم الأولمبي، بعيدًا عن اللهث وراء السراب، ،خلف ميدالية أولمبية في لعبة جماعية قد تأتي وقد لا تأتي، بل إنه لا مبرر لكل هذا الجهد والأموال الطائلة، والحال أن رياضيًا واحدًا في لعبة فردية قد يحصد أكثر ممّا يحصده منتخب بـأكمله، وهي حالة العداء المغربي سفيان البقالي صاحب ذهبية سباق 3 آلاف متر موانع ومنتخب بلاده الحاصل فقط على برونزية كرة القدم.

ويكمن الملخص في أنّ العبرة لا تكمن في كثرة العدد وإنّما في قيمة الفرد، وما هو قادر على إنتاجه، وإذا ما أرادت الدول العربية أن تتقدم مستقبلاً بين أمم الأولمبياد، فالنموذج الصيني هو الأجدر بالاتباع، فهل يستجيب العرب؟

شارك: