المدرّب الأجنبي يُهدِّد المواطِن!

2023-02-11 14:06
تغييرات المدربين المحليين تنعكس سلبياً على المنتخبات الوطنية (Facebook/Iraq FA)
إياد الصالحي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

بشكلٍ مُفاجئ، كان بعض الإعلاميين الرياضيين من مُثيري الجدل في طروحاتهم التي لم تعرف الثبات قط، لا سيما في مناقشاتهم ذات العلاقة بمصالح الأندية والمنتخبات، أخذوا الترويج عن ضرورة استقدام المدرّب الأجنبي للعمل مع النادي المحلّي بذريعةِ عدم انتفاع الأخير من المُدرب المواطن!

وعزا أصحاب الضرورة هذه إلى تراجع أغلب الأندية في مستوياتها وعدم دفعها لمواهب جُدد يتسلّحون بمهارات أساسيّة تُمكّنهم من تحسين صورة الدوري في قسمهِ الأوّل، ومن ثم الدفاع عن قميص منتخب الشباب أو الأولمبي أو الوطني، مؤكّدين خواء أفكارهم من أيّ حلول في أثناء المنافسات المحليّة، وتعرّضهم إلى انتقادات عنيفة من جماهير فرقهم أدّت إلى تماشي إدارات الأندية معها لتلبية رغباتها في تغييرهم بشكلٍ مستمرٍّ خلال الموسم الواحد!

وفي العراق مثلًا، شهد موسم 2021-22 إقالة واستقالة 23 مدربًا في منافسات دوري الكرة الممتاز، الذي يتبارى فيه 20 فريقًا، وهو رقم صادِمٍ لم يُحرّك الاتحاد لاتخاذ حُزمة من القرارات برسْم حِفظ هيبة المُسابقة التي حوّلتها بعض الأندية إلى مُتنفَّس لتحقيق أماني المشجّعين على غرار ما يطلبهُ المستمعون عبر المِذياع!  

لا يُخفى ما تمرّ به أغلب الأندية العربيّة من مُعاناة كبيرة في تأمين أموال عقود المدرّبين واللاعبين المواطنين مع أجهزتهم الإداريّة والطبيّة قُبيل بدء كلّ موسم، ونسبة كبيرة منها واجهت مُمانعة في إبرام العقود بقرار الاتحاد المحلّي أو الدولي نتيجة مشاكل ماليّة عطّلتْ آلية منحها مستحقّات المشتكين ضدّها، ما أثّر في نوعيّة اللاعبين المُستقطبين، وضعف الجاهزيّة الفنيّة، وتراجع النتائج، ويبقى المدرّب يرزح تحت ضغط مسؤوليّة تعوزها الثقة والرغبة في إثبات الجدارة!

لكن هذا السبب ما يخصُّ أيضًا توالي هزائم الفريق كواقع حال لا غرابة فيه، لا يُمكن عدُّهُما شمّاعة لرمي المدرّبين المواطنين على قارعة البطالة، وعدد كبير منهم مستمرّ في عملهِ مع أندية الممتاز أو الدرجة الأولى حسب تصنيف الدوري في كل دولة عربيّة منذ عقدين من الزمن، وتخرَّج على أيديهم لاعبون مهمّون أيام كانوا ناشئين، وأصبحوا من أهم أعمدة الكرة بعد سنين.

ومن جانب آخر، إذا كان الدوري المحلّي لا ينتجُ لاعبين دوليين، لا يعني أن المدرّب الأجنبي هو المُنقِذ والأمل وحامل العصا السحريّة لتغييرٍ نوعي وشاملٍ يُعدِّل تكتيك الفريق ويُنيط لاعبين مغمورين واجبات جديدة تُسهم في حسم المباريات!

كلا، فتجارب الدوري السعودي والقطري تؤكّد تباين مستويات المدرّبين الأجانب، وليس كلّهم يستحقّون الحضور على رؤوس الأجهزة الفنيّة في ظلّ التغييرات التي تطرأ على تحضيرات اللاعبين للمراكز ضمن إستراتيجية الفريق.

إن لم يعِ الإعلامي الرياضي العربي دوره السلبي في محاربة المدرّب المواطن؛ فهنا نُذكّره بأن هذه حرب في معيشة إنسان، وسموِّ مهنتهِ يُحتِّم عليه دعم كلّ مدرب يواصل الاجتهاد، وصناعة لاعبين شباب بقدرات جيّدة وإن لم يحالفهُ الحظ بتسجيل نتائج إيجابيّة، يمكن أن ينتقدهُ بدافعِ إصلاحِ شأنهِ الفنّي وتنبيههِ بدلًا من إزاحته عن المشهد التنافسي لناديه وبقية الأندية تحت شعار (نفاد الصلاحيّة المحليّة)! فهو ابن البلد ويحرصُ على مخاطبةِ لاعبي الفريق بأنفاسٍ وطنيّةٍ عاليةٍ، بعكس المدرب الأجنبي الذي يهمّهُ كم سيحوَّل إليه في حسابه المصرفي شهريًا من مرتّبات ومكافآت.

لنتفق أن مَن يُريد البناء من الأساس ويرتقي إلى القمّة؛ عليه أن يبدأ من الأسفل فصاعدًا، وليس العكس، يمكن أن تستعين إدارة اتحاد الكرة بنُخبة من المُديرين الفنّيين الأجانب لتطوير اللاعبين الصِغار وفقًا لمراحلهم السنيّة (الأشبال والناشئين والشباب والرديف والأولمبي) ونوفّر لهم الأموال والبرنامج الزمني والبُنى التحتيّة، من أجل تصحيح أساسيّات اللاعبين؛ لئلّا تُرافقهم الأخطاء ذاتها في مرحلة الكبر مثلما يخطئ لاعب دولي في تمرير الكرة أو الاستلام أو التسديد أو لا يفقه بأسلوب منع المهاجم من التصرّف بكرته فيسقطهُ في منطقة الجزاء، وكذلك إهماله الجانب البدني وغيرها من مؤشّرات التقييم السلبي التي يدفع ثمنها الفريق في الدوري أو المنتخب لعدم تقويم ذلك من جانب مدرّب اللاعب خلال تمثيله فئته العمريّة!

نعتقد أن الدورات الفنيّة المُكثّفة بالتعاون مع الاتحادين العربي والآسيوي كفيلة بتطوير المدرب المحلّي، وتلك من صُلب عمل اتحاد اللعبة كون المدرب المواطن ثروة مهمّة لا تقلّ قيمتها عن اللاعب المهاري، وكلاهما يؤدّي الدور الوطني بإخلاص كبير، ومن غير المُمكن الاستغناء عن المدرّب وتغييبه عن ساحة الدوري وتحييد مساحة عمله، فهذا رزقه في النهاية، وإدارات الأندية مسؤولة عن استمرارهِ من عدمهِ بموجب وثيقة العقد، فلِمَ التحريض وإنهاء خدمتهِ عنوة؟!

شارك: