الدوحة لن تطفئ أنوار كأس العالم 

2022-12-18 15:58
قطر نظمت نسخة مثالية من مونديال كأس العالم (Getty)
إياد الصالحي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

ما هي إلا سويعات ويحقّق بطل كأس العالم 2022 أحلام جماهيره التي ستقف على أطراف أصابع القلق اليوم الأحد 18 ديسمبر/ كانون الأول 2022 في ملعب لوسيل، بانتظار الصفّارة الأخيرة للحكم البولندي سيمون مارسينياك لكي تنهي الدراما المثيرة بأقدام لاعبي "التانغو والديوك" في ملحمة قطر التي لن تبرح ذاكرة الملايين لسنوات طويلة.

نهائي بلا وداع، حقيقة رسّختها انطباعات زوّار الدوحة منذ الأوّل من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهم يكتشفون عالمًا آخر في مساحة قطر بسحر جمالها وحيويّتها 24 ساعة في مشيرب ومنطقة الكورنيش وبين أعمدة سوق واقف ووسط درب لوسيل حديقة البدع، ومحطة راس بوفنطاس والحي الثقافي بكتارا، وغيرها من أماكن الجذب السياحي لمئات آلاف المشجّعين من جميع القارات، مثلما بدت علامات البهجة على وجوههم أثناء أحاديثهم لوسائل الإعلام.

لن تُطفأ أنوار كأس العالم في الدوحة بمغادرة ممثلي الاتحاد الدولي لكرة القدم وحزمهم حقائب سفرهم عائدين إلى أوطانهم مع من تبقّى من وفود المنتخبات المشاركة، فعروض المونديال السياحي تستمر حتى الأيام القادمة من العام الجديد 2023 ابتهاجاً بما حقّقته السواعد القطريّة، ومن عاونها من العرب والأجانب ذوي التخصّص في المجالات الحصريّة بالتحضير لكأس العالم، من نجاحات كبيرة باتت دروساً عظيمة تتعلّم منها الدول الكبيرة والمحترفة في تنظيم بطولات من هذا النوع!

أما مَن يكسب موقعة لوسيل اليوم، فكلّ الترجيحات تشير إلى استحقاق التانغو والديوك الكأس الذهبيّة بعد الأداء المتوازن، والتشكيلين المتماسكين، وأسلوب لعب المدربين ليونيل سكالوني وديدييه ديشامب اللذين وظّفا قدرات النجمين الكبيرين ليونيل ميسي وكيليان مبابي هدّافَي المونديال بالتناصف (5) أهداف لكلّ منهما، قبيل خوض اللقاء الختامي، علاوة على رغبة كليهما في التتويج بالنسخة الأكثر أهميّة تنظيميّاً وفنيّاً وثقافيّاً في تاريخ كـأس العالم.

ما يثير الاهتمام في نسخة قطر أن منتخبي الأرجنتين وفرنسا واصلا مشوارهما وسط دعم جماهيري منقطع النظير من جنسيّات مختلفة آزرت اللاعبين، وتحمّست مع مبارياتهما، وتعاطفت مع ميسي -على وجه الخصوص- لأنه ليس بمقدوره تسجيل الحضور في النسخة التالية من البطولة بسبب تقدّمه في السن، وعدم تتويجه سابقًا بلقب المونديال في مسيرته الدولية مع الأرجنتين التي بدأها منذ  17أغسطس/ آب عام 2005 أمام منتخب المجر، فقد حان الوقت ليعود برفقة الكأس إلى بوينس آيرس، إلا إذا كان لرفاق مبابي القول الفصل في تفسير أحلام عشّاق الأزرق!

بقية الفرق التي غادرت بمدد مختلفة قبيل بدء النهائي التاريخي، لم يدر بخُلد نجومها الأفذاذ أنهم سيواجهون أسوأ النعوت من جماهير بلدانهم ضدّهم بتحريض من إعلامهم الساخِط الذي توعّدهم بالثبور بعد مغادرة ملاعب قطر بخيبات كبيرة من دون أن يفلحوا في مواصلة الرحلة والقبض على كأس البطولة، ليستمرّ تأجيل الوعود من مدرّبيهم القدامى والجدد إلى حلقات مونديالية قادمة!  

أما حال النجوم المتذبذبة في العطاء في هذه مونديال 2022 فأنه لا يختلف عن بطولات سابقة، إلا أن بعضهم استفاد من ردّة الفعل السلبية للجماهير، والبرغوث نفسه عانى الأمرّين في بطولة جنوب أفريقيا عام 2010 حيث أثارت إحدى اللافتات التي رفعها الجمهور عند خروج حافلة المنتخب الأرجنتيني المهزوم من منتخب ألمانيا (4-0) من ملعب (كاب تاون ستاديوم) صوب الفندق، استياء ميسي بشدّة إذ كُتب عليها: (فضحتنا يا ميسي .. لم نرَ سوى شبحك)! وذلك بعد أن صام عن التسجيل في مباريات دور المجموعات أمام نيجيريا وكوريا الجنوبية واليونان.

وتعرض البرغوث لموقف مشابه أمام المكسيك وألمانيا في ثمن وربع النهائي على التوالي، الأمر الذي دعاه للتصريح حال وصوله: (لن أمثّل بلدي ثانية إذا ما استمرّت عقول الجُهلاء تتحكّم بمشاعر الناس وتصادر الظروف غير الطبيعيّة التي يمرّ بها أي لاعب في العالم مهما كانت مقدرته ونجوميّته ومقام حضوره بين زملائه)!

حقّاً، إنّ عاصفة مونديال قطر التي اجتاحت بعض المنتخبات الكبيرة قلعتْ فكرة الأفضليّة المُطلقة لصاحب التاريخ والألقاب والنجوم، ودمّرت غرور منتخبات كبيرة لم تُحسن احترام صغار الأمس، فكانت النتيجة أن لاعبين أثرياء بأموالهم وإنجازاتهم سقطوا نفسيّاً وبشكل مهول أمام طموحات فرسان العرب وآسيا وأفريقيا الذين أخرجوا ألسنتهم بسخرية لمن تجاهل لدغاتهم وحجَّم خطورتهم في الأوقات الحاسمة، مثلما هزمتْ السعودية الأرجنتين، واليابان سحقت ألمانيا وإسبانيا، وتونس قهرت فرنسا وكوريا أذلّت البرتغال، ويكفي أن أسود المغرب البطل الحقيقي لمونديال قطر أبكوا (كرواتيا وبلجيكا وإسبانيا والبرتغال) وأحرجوا فرنسا بصمود يُدرّسْ في الدور نصف النهائي لكن خبرة بطل كأس العالم (1998و2018) أوقفت طموحاتهم عند هذا الحدّ!  

مونديال قطر الذي سنودّعه اليوم، أكد حقيقة مهمّة أن ثروة أي نجم في العالم لن تسعفهُ لشراء ثِقة ومحبّة الجمهور إذا ما أرادَ مصالحتهِ في أي وقت، فالنكسات كالندبات لن تمحى بسهولة، والشعور بانتصار أو هزيمة الوطن احساس فطري لا يرتبط بأمّة أو دين أو زمن، بل هو إفراز الوجود الإنساني على أرضه يشعره بالنصر الذاتي عندما يُعظّم أمله ومُلهم إحساسه (كأس المونديال) التي يحتضنها في مخيلته طوال أيام البطولة وتروي عطشه للفرح في ختامها.

شارك: