الألعاب الأولمبيّة والأزمة الحضاريّة للعرب والمسلمين
ونقصدُ بالألعاب الأولمبيّة الدّوليّة مناسبةً تشتملُ على الأحداث الرّياضية الدّولية التي تضمّ مسابقاتٍ رياضيةً صيفيةً وشتويةً، ويشارك فيها رياضيون من الذّكور والإناث في المنافسات المختلفة وتكون على شكل وفودٍ تمثّل الدول المختلفة في جميع أنحاء العالم.
وهذه المواسم والألعاب هي ثمرة تعاون وثيق للبشرية وتقاربها واجتماعها على شيءٍ تمّ الاتفاق عليه من المنافسات الجماعية والفردية، فالتقت هذه الدول أو ممثلون عنها فوضعوا لها قوانين ولوائح تم التراضي عليها وتمّ إعلانها ووافقت عليها كل الدول وارتضت بها ليتنافس لاعبوها فيما بينهم تنافسًا شريفا عادلًا، ويفوز الثّلاث الأوائل منهم بميداليات؛ الأول ميدالية ذهبية والثاني ميدالية فضيّة والثالث ميدالية برونزيّة، ثمّ يتمّ ترتيب الدّول الفائزة بأكبر عدد من الميداليات الذّهبية ثم الفضيّة ثم البرونزية، فهي تحدّد التفوق الدّولي على مستوى الأفراد وعلى مستوى الدّول على حدّ سواء.
وممّا ينبغي الالتفات له وملاحظته في هذا السياق أنّ الألعاب الأولمبية أصبحت رمزًا لتقدّم الدّول وازدهارها وانعكاسًا لرسوخها الحضاريّ؛ حيث كانت الدّول الفائزة وما تزال في عدد الميداليات هي فعلًا الدّول المتقدمة علميًّا وعمليًّا في كل مناحي الحياة، كما أنّ النّاظر للدّورات الأولمبيّة والدّول الفائزة فيها لا يجد للدّول الإسلامية أو حتى العربية غير ذيل القائمة والفوز الخجول ببعض الميداليات المبعثرة لهذه الدولة أو تلك، ومعظمها يكون للألعاب الفرديّة وليست الجماعيّة مما يدّل على حال هذه الدّول وتخلفها عن ركب الحضارة الإنسانية وتأخرها عن ركاب التقدم البشرى.
وتغلُّب روح الفردية التي يتم ترسيخها في الدول المتخلفة على روح الجماعة التي يخشاها المستبدون دومًا، كما تعكس هذه النتائج أنّ الفرد في دولنا العربيّة والإسلاميّة عنده قدراتٌ كبيرة يمكن تحقيقها لو تمت رعايته رعاية حقيقية فاعلة، غير أنّ الدول التي لا تملك رؤية حضاريّة تفشل في استثمار الأفراد وفي نظمهم في فرق جماعيّة يتم تأهيلها تأهيلًا تقنيًا رفيعًا، فالفشل في الألعاب الجماعيّة مع التفوّق في الفرديّة يعكس حالة الفشل الإداريّ والتقني الذي تعاني منه الدول العربيّة والإسلاميّة كما يعكس غياب الإرادة الحقيقيّة في التفوّق والفوز الجماعيّ.
ودعوني هنا أؤكّد لكم ابتداءً أنّه لم يخلُ نظام اللّجنة الأولمبيّة حين إنشائه وانطلاقه من العنصريّة البغيضة إذ لم ينضم العضو الآسيوي إلى اللّجنة الأولمبية إلا عام 1908م، والعضو الأفريقي إلا عام 1910م أي بعد ستة عشر عامًا من تاريخ تأسيسها، ومعظم أعضائها من الدّول الأوربيّة والأمريكيتين، لكنّ هذا لا يلغي أو ينفي أنّ الدورات الأولمبية تعدّ إحدى معايير نهضة الأمم وتقدم حضارتها، وتجليًا لاهتمام الدول المشاركة ببناء الإنسان وذلك لأن صناعة الرّياضيّ أصبحت علمًا متقدّمًا تتبارى فيه الأمم المتقدّمة لتخرّج رياضيين على أعلى مستوى لتحقيق أكبر عدد من الميداليات الأولمبية، ولكننا ما زلنا نعيش حالة الاندهاش دومًا من الدّول المتقدمة التي تخرّج عددًا من الرياضيّين الذين يحطمون الأرقام القياسية في ألعابهم والتي اعتقدنا أنّه لن يتم تحطيمها بعد ذلك، فما زالت دولنا العربيّة والإسلاميّة تعيش المفاجأة بتفوّق الآخرين وتحطيمهم الأرقام القياسيّة وحصدهم الميداليات الذّهبيّة بينما تحصد دولنا الخيبة المتكررة والخسارات المستمرّة.
لقد أصبحت الرّياضة في الدول التي تعنى ببناء الإنسان علمًا قائمًا مستقلًا بذاتها تخدمه العلوم الأخرى الطبيّة والتقنيّة والنفسيّة والاجتماعيّة، بينما ما تزال الرياضة في الدول العربيّة والإسلاميّة محض هواية يمارسها العاطلون عن العمل أو اللاعبون بعد الانتهاء من أعمالهم ووظائفهم، وهذا بحد ذاته يعكس المأزق الحضاريّ الذي نعيشه في نظرتنا إلى الرّياضة.
ويكأني أسمع كلّ دورة من دورات الألعاب الأولمبيّة الدّوليّة تصرخ في وجوه دولنا العربيّة والإسلاميّة بصوت هاشم الرفاعي وهو يلقي قصيدته:
مَلكنا هذهِ الدنيا قُرونًا
وأخضَعَها جدودٌ خالدونا
وسطَّرنا صحائفَ من ضياءٍ
فما نسيَ الزمانُ ولا نسينا
وما فتىءَ الزمانُ يدور حتى
مضى بالمجدِ قومٌ آخرونا
وأصبحَ لا يُرى في الركبِ قومي
وقد عاشوا أئِمَّتَهُ سنينا
وآلمني وآلمَ كلِّ حرٍ
سؤالُ الدهرِ: أين المسلمونا؟