نزال نهائي مونديال قطر متواصل بين فرنسا والأرجنتين
ما يزال وطيس موقعة نهائي مونديال قطر 2022 محتدمًا، تتواصل تداعياته فصولًا، آخرها قيام الجماهير الأرجنتينية بعريضة إلكترونية حصدت -حتى إعداد هذه المقالة- حوالي مليون توقيع، عنوانها "فرنسا.. كفى بكاءً"، ونصها: "منذ أن فزنا بنهائي كأس العالم، لم يتوقف الفرنسيون عن البكاء والتذمر، رافضين أن تكون الأرجنتين بطلة العالم".
جاءت العريضة الأرجنتينية ردًا على حملة توقيعات إلكترونية فرنسية، للمطالبة بإعادة المباراة النهائية، التي آلت فيها كلمة الفصل إلى ليونيل ميسي ورفاقه، وقد حصدت هذه العريضة -حتى الآن- أكثر من ربع مليون توقيع، وجاء في نصها: "تم بيع المباراة بالكامل. ركلة الجزاء الأولى غير صحيحة. وتم ارتكاب مخالفة على كيليان مبابي، قبل أن يسجل دي ماريا الهدف الثاني. وقِّع وشارك بشكل جماعي حتى تُعاد المباراة".
وكانت وزيرة الرياضة الفرنسية قد غذت "سخط" الجماهير الفرنسية التي لم تقبل بهزيمة منتخبها أمام نظيره الأرجنتيني، معتبرةً سلوك اللاعبين الأرجنتينيين بعد تتويجهم باللقب العالمي في قطر "مثيرًا للشفقة وسوقيًا وغير لائق"، ومنددةً بشكل خاص بالسخرية التي تعرض لها مهاجم منتخب بلادها كيليان مبابي من قبل الحارس الأرجنتيني إيميليانو مارتينيز، الذي دعا في غرفة الملابس بعد نهاية المباراة إلى "دقيقة صمت لمبابي"، وحمل في موكب الاحتفال بالفوز في العاصمة بوينس آيرس دمية، وجهها مغطى بصورة لكيليان مبابي.
أغلب المحللين الرياضيين الفرنسيين والناشطين وجماهير عريضة لم يؤيدوا هذا التناول الفرنسي لفوز الأرجنتين؛ فقد حُسم الأمر بانتصار مستحق للمنتخب الأرجنتيني، ولا مجال البتة لإعادة المباراة النهائية، ثم إنه من المعروف أن الحماسة وشغف الجماهير والتماهي مع كرة القدم في أمريكا اللاتينية والجنوبية والوسطى التي لا نظير لها، وهي تتجاوز كل حدود المعقول وصولاً إلى أعلى درجات الجنون والتعصب، كما أنها غذت وما زالت تغذي روح البغضاء ومشاعر العداوة بين شعوب بلدان هذه المناطق، بل إنها أدت إلى نشوب حرب دامية بين جارتين.
ففي 27 يونيو/ حزيران عام 1969، تسبب فوز السلفادور على هندوراس في مباراة من أجل التأهل لنهائيات كأس العالم عام 1970 في المكسيك بإشعال فتيل حرب بين الجارتين عُرفت بـ"حرب كرة القدم" و"حرب المئة ساعة".. حرب دامت أربعة أيام أدت إلى مقتل 3 آلاف شخص بينهم مدنيون، وأكثر من 15 ألف جريح، وآلاف المشردين، ودمار، وتوقف الحركة التجارية بين البلدين، وإغلاق الحدود بينهما، وفي الحقيقة، لم تكن تلك المباراة سوى القطرة التي أفاضت كأس خلاف حول الأرض والهجرة بين نظامين عسكريين ديكتاتوريين.
فوز الأرجنتين بمونديال قطر، والاحتفالات الشعبية بهذا التتويج وما رافقها من فرحة عارمة ومن تجاوزات، كل ذلك مثّل متنفسًا لملايين الأرجنتينيين، الذين يعيشون منذ عقود أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة؛ إذ طال الفقر في النصف الأول من هذا العام نسبة 36.5 في المئة من سكان البلاد، وسجل التضخم أعلى درجاته مهددًا ببلوغ نسبة مئة في المئة في الأشهر القليلة المقبلة.
في الجانب الفرنسي، ترتفع أصوات تطالب المسؤولين والمشرفين على اتحاد كرة القدم في البلاد، ومن يقفون وراء العريضة المطالبة بإعادة المباراة، وأولئك الذين يشتكون على غرار رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم من "تجاوزات شاذة" في احتفالات الأرجنتينيين بالفوز باللقب العالمي، بالعمل سريعًا من أجل التصدي لاستفحال العنصرية وتفشيها في أوساط المنتخب خاصةً واللعبة عامةً، بعد نشر مشجعين فرنسيين تعليقات عنصرية ضد كينغسلي كومان وأوريلين تشواميني، لإهدار ركلتين ترجيحيتين، وضد راندال كولو مواني لإهداره فرصة تسجيل هدف رابع في الثواني الأخيرة من عمر الوقت الإضافي في نهائي مونديال قطر.