مونديال العرب.. أسئلة عمياء لرؤية مبصرة!

2022-09-06 01:57
مونديال كأس العالم قطر 2022 يجمع العرب من المحيط إلى الخليج (Getty)
محمد الشيخ
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

منذ اللحظة التي أطلق فيها سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر كلمته الشهيرة التي طافت أرجاء العالم، وعبرت كل الحدود، والتي قال فيها إن مونديال قطر هو مونديال كل العرب، عكفتُ أتساءل كيف لهذه التظاهرة الكروية العالمية التي تحبس أنفاس العالم، وتسرق أنظارهم، وتستحوذ على شغاف قلوبهم أن تكون لكل العرب من المحيط إلى الخليج، قولًا وفعلًا، وليست مجرد شعار تسويقي، وعبارة عاطفية لدغدغة مسامع الجماهير العربية، وتحريك عواطفهم، وهي العبارة التي ظل سموه يكررها في غير مناسبة، وفي أكثر من محفل.

وما برح السؤال يطاردني، ويتراقص فوق رأسي، حتى حانت لحظة كأس العرب أو "مونديال العرب" كما سميت، وهي البطولة التي استضافتها العاصمة الدوحة بإشراف الفيفا كـ "بروفة" للمونديال العالمي، والتي شهدها العالم وفي مقدمتهم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو؛ إذ شهدنا محفلًا عربيًا خالصًا في كل تفاصيله الدقيقة؛ ورمزيته المؤثرة؛ بل وحتى في لوحاته المباشرة، بدءًا من المشهد التمثيلي الذي كان بطله (جحا) الشخصية العربية القادمة من التاريخ إلى دلالات أخرى جسدها الحفل الموسيقي، لا سيما النشيد الوطني المشترك للدول العربية الذي اخترق عواطف المتابعين العرب وحرك أحاسيسهم؛ إذ أعاد لهم الذاكرة إلى "الحلم العربي".

حتى في تلك اللحظة الفاصلة، والمشهدية الرائعة، الغارقة في لُج العروبة، والموغلة في تاريخها، والغائصة في أعماقها، لا زال ذاك السؤال يلح عليَّ بالبحث عن إجابة، ويطرق رأسي بشدة للتنقيب عنها، حيث في كل مرة يتكرر الصدى لذات الاستفهام.. كيف يكون مونديال قطر مونديالاً للعرب؟!  وكيف تثبت دلالاته؟!

ولم يقف الأمر عند ذاك الحدث العربي الخالص الذي ارتدى ثوب العالمية مبكرًا، ففي كلمته خلال قرعة المونديال، وهي اللحظة الحاسمة التي ظل العالم يترقبها، قال الشيخ تميم: "أشعر بالفخر والسعادة من الآن حتى اللحظة التي سيرى العالم بأننا في قطر كما وعدنا، سنقدم نسخة مونديالية استثنائية في وطننا العربي"، وهنا تَبَدّى بوضوحٍ تجاوز البعد الجغرافي الضيق إلى الانفتاح على (الوطن العربي)، وقد كان لافتًا أن سموه لم يؤطر المونديال في قطر بجغرافيتها الصغيرة، وإنما أشار للوطن العربي باعتباره الحاضن لاستقبال هذه التظاهرة العالمية، وهي إشارة لها مدلولاتها الواضحة، وأبعادها العميقة.

ومع بداية دخول (مونديال قطر) مرحلة العد التنازلي في المئة يوم قبل انطلاق أولى صافرات الحدث المرتقب، خرج الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، رئيس الاتحاد العربي لكرة القدم، مغردًا عبر حسابه الخاص في (تويتر) بكلمات اختزلت موقف كل رؤساء الاتحادات الكروية العربية من المونديال الذي ستحتضنه الدوحة.

وكتب رئيس الاتحاد العربي قائلًا: "مع انطلاق العد التنازلي لبدء مونديال كل العرب، كأس العالم قطر 2022، أمنياتي للأشقاء في قطر بالتوفيق في تنظيم نسخة استثنائية، تتوّج هذا العمل الكبير الذي نفخر به جميعًا".

غير أن إلحاح تلك الاستفهامات لا زال يهمس في أذني بعباراتٍ من نوع "كيف ذلك؟ وماذا يعني؟ وما الأثر؟ وإن بدَتْ تلك العبارات خافتةً أكثر هذه المرة على غير عادتها في المرات السابقة، حتى حانت لحظة اصطدام تلك الأسئلة الملحة والمزعجة بصخرة الحقيقة، حين التقيت بالسيد خالد المولوي، الرئيس التنفيذي لتجربة البطولة باللجنة العليا للمشاريع والإرث، خلال الندوة الصحفية التي حضرها في محافظة ظفار التي استضافت قبل أيام فعالية "كأس العالم في ربوع عمان"؛ إذ وجدتُ أنها اللحظة المنتظرة، والمنعطف الحاسم بين السؤال الملح والإجابة الشافية.

وما أن انتهى عريف الندوة من مقدمته حتى داهمت الحاضرين بلا ترددٍ كأول الإعلاميين الذين بادروا بالأسئلة، فأطلقت سؤالي باتجاه المولوي، وكنت أحسبه رصاصةً ستخترق الأجواء وتستقر حيث أريد؛ إذ لا مناص للهروب منها، حين قلتُ بشكل واضح وبمباشرةٍ لا غبار عليها :"بعيدًا عن دوزنة العواطف العربية، وبمنأى عن العزف على أوتارها، كيف لمونديال قطر أن يكون مونديالاً للعرب؟

ولا أخفي حقيقة أنني كنت أترقب إجابة تتحدث عن الامتيازات الخاصة التي ستُقدَّم للجماهير العربية، والخدمات الاستثنائية التي ستُعطى لهم، طالما أن المونديال هو مونديالهم جميعًا وليس مونديالاً قطريًا خالصًا، وإذ بالمولوي ينقلني إلى فضاء آخر أرحب، وجدت نفسي أحلّق فيه بعيدًا عن تلك الأسئلة المهزومة، والإلحاح الخاسر، حين أجاب بهدوء الواثق بأن إيمانهم بتسمية مونديال قطر بمونديال العرب أبعد من مجرد امتياز عابر، أو خدمة محدودة كما يتصور البعض.

ليضيف، وقد امتلأ وجهه بثقة أكثر: "حين قال سمو الشيخ تميم بأن المونديال العالمي هو مونديال العرب، إنما كان ينطلق من إيمانه بتعزيز الهوية العربية، وترسيخ حضاريتها، وإثبات قيمتها العالمية في كل ثيمة من ثيمات المونديال، وأخذ يستشهد بتفاصيل دقيقة، ورسائل مباشِرة، بدءًا من تميمة (لعّيب)، وانطلاقًا نحو ترسيخ اللغة العربية كلغة عالمية، مؤكدًا بأن ذلك قد دفع (الفيفا) لاعتمادها كلغة رسمية من بين لغاته المعتمدة، ومرورًا بفتح الباب للمتطوعين من كل الدول العربية ليكونوا جزءًا أصيلًا من تنظيم الحدث، وليس انتهاءً بإشراك نماذج من الثقافة العربية وفلكلورها ليكون معبرًا عن كل الهوية العربية للمونديال، قبل أن يضيف: "كأس العالم بطولة بطابع عربي تُقام في بلد عربي وهي فرصة لتعريف العالم بدولة قطر والعالم العربي معًا".

هنا تبددت الحيرة، وتلاشت الاستفهامات، وتبعثرت كل الأسئلة، فتوجهتُ نحو المولوي بمجرد انتهاء الندوة مصافحًا إيّاه بحرارة، ومقدمًا له الشكر، ومعبرًا عن الامتنان؛ لأنه هزم استفهاماتي، وبدد حيرتي، ومعترفًا له أمام الحاضرين بأن إجابته المبصرة تلك قد هزمت أسئلتي العمياء!

شارك: