منتخب النجم الواحد 

تاريخ النشر:
2022-12-04 17:01
ليونيل ميسي نجم المنتخب الأرجنتيني (Getty)
إياد الصالحي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

يقِرُّ كبار محلِّلي بطولة كأس العالم الجارية في الدوحة، بأنّها البطولة "الاستثناء" من ناحية التنظيم والإبهار والإعجاز، وهذا أمر مُسلَّم به في ضوء القُدرات الكبيرة التي أظهرها القطريون في كُلّ جزئيّات العمل المستمر طوال 12 سنة، ومع ذلك تبقى البطولة الاستثناء أيضاً في مسألة عُقم اكتشاف النجم؛ إذ لم يظهر أي جديد يستخرج شهادة ميلاده في أحد ملاعب قطر الثمانية!

هذا الرأي رسّخه نجم المنتخب الأرجنتيني ليونيل ميسي في مشاركة فريقه المباريات الثلاث ضمن المجموعة الثالثة إلى جانب السعوديّة والمكسيك وبولندا، فضلاً عن لقاء دور الـ16 مع أستراليا، حاله حال بقيّة النجوم الكبار في منتخباتهم الذين بانت خبراتهم وتأثيراتهم وسطوتهم ومَدِّهم الثقة لزملائهم، فكانوا عوناً لهم من دون ظهور بُدلاء جُدد يسرقُون الأنظار نحوهم بالقوة ذاتها!

إن الدور الذي رُسِم لميسي ليس سهلاً، برغم الفارق بينه وبين غُرمائهِ مثلما شاهدنا أمس السبت في ملعب أحمد بن علي المونديالي، في المباراة 50 للمونديال 22، حيث عجز السدّ الدفاعي الأسترالي عن منع ميسي من اختيار زاويته التي أسكن فيها كرته الماكرة، ثم إنه أتعب أكثر من لاعب كُلِّف بمراقبتهِ، مع عودتهِ المستمرّة للتغطية عند مضاعفة فريق الكناغر الضغط في ساحة التانغو، علاوة على قدرة ميسي الفائقة في تفادي مستهدفي عرقلتهِ، فكان الأفضل بمرونته والأسرع بتخطّي محاصريه.

منتخب النجم الواحد، صورة انطباعيّة تكرّرت في منتخبات أخرى، وإن اختلفت نسبة التأثير بين نجم وآخر حسب نوعيّة اللاعبين المتحمّسين لأداء أدوارهم المُساندة، فمنهم من اكتفى بالظهور في شوطين أو شوط واحد، ومنهم من زُجَّ به لدعم اللاعبين بخبرتهِ في أوقات حرجة تحتاج إلى وجوده بثقلهِ المعنوي، وشخصيته المثيرة، ولمساتهِ اللافتة في مركزه.

يمكن القول إن منتخب التانغو ثأر من هزيمته أمام المنتخب السعودي، ولقّنَ أستراليا درساً قاسياً، بعدم الغفلة من لدغات ميسي وتركه حُرّاً في بعض الأوقات، وعدم ارتكاب أخطاء كارثيّة كالتي سيندم عليها الحارس ماثيو رايان حينما أساء التصرّف ورام المراوغة في مُربّعه ولم يفلح، فتمّ استخلاص الكرة منه ودحرجتها بسهولة إلى المرمى بذكاء جوليان ألفاريز، الذي قدّم نفسه بخجل بين اللاعبين القادرين على التوهّج في تحدّيات التانغو القادمة!

لم يكن الأداء الساحر لميسي في ليلة إقصاء الكناغر هو اللافت للإعلام والجمهور فحسب، بل بتحقيقه الرقم 1000 في عدد مبارياته التي خاضها مع الأرجنتين وناديي برشلونة الإسباني وباريس سان جيرمان الفرنسي.

يا لها من ذكرى مميّزة منحته الرغبة في مواصلة خطف الأرقام القياسيّة مع منتخب بلاده، فمن ناحية تجاوز رقم الأسطورة الراحل دييغو مارادونا بتسجيله الهدف التاسع في مرمى أستراليا، ومن ناحية أخرى يتوق لتسجيل الهدف التالي في مرمى هولندا في مباراة تحمل الرقم 170 بقميص المنتخب، ليُعادِل أهداف غابرييل عمر باتيستوتا الـ10، ويُمكن زيادة ذلك ليمتلك أعلى الأهداف مع منتخبه خاصّة إذا ما واصل مسيره نحو نهائي لوسيل التاريخي، يوم 18 ديسمبر/كانون الأول الحالي.

ومع أهميّة الأرقام التي يمتلكها ميسي حتى الآن، يبقى حُلم حصوله على اللقب الثالث للأرجنتين والأوّل له بعد 5 مشاركات منذ نسخة عام 2006 هو الأغلى، قبل إسدال الستار في ختام البطولة الأخيرة له، ويأمل أن يبتسم في النهاية ويطرد النحس الذي رافقه مثلما يترقّب أنصاره أن يُتوِّج تاريخه العظيم مع كرة القدم بالكأس الذهبيّة في عاصمة الرياضة العربية.


سيكون ميسي ومدربه ليونيل سكالوني على موعد مع معركة تاريخيّة سادسة مع هولندا في ملعب لوسيل يوم الجمعة المقبل؛ لكسر التعادل بين المنتخبين ضمن الدور رُبع النهائي من بطولة مونديال قطر.

وحقّق كلّ منتخب الفوز مرّتين خلال 4 مناسبات موندياليّة، وتعادلا سلبيا مرّة واحدة، وسبق أن التقيا في هذا الدور عام 1998، لكنه حُسم لمصلحة هولندا بهدفين نظيفين، وسيواجه ميسي صعوبة في فكّ شيفرة "الطواحين" التي تعتزم كتابة التاريخ تحت قيادة المدرب لويس فان غال بالحصول على أوّل لقب في المشاركة الـ11؛ إذ لم تحصل الكرة البرتقاليّة قبلها سوى الوصافة لمونديال 1974 و1978 و2010، ما يجعل المباراة القادمة تثير صراعاً تكتيكيّاً خالصاً لا أحد يتكهّن بنتيجته.

تُرى هل سيُغلِق مونديال قطر صفحة النجم الواحد للأبد في نهاية المنافسة؟ ذلك ما يجب أن تتدارسه المنتخبات والاتحادات مستفيدين من دروس البطولة، وما شكّله غياب الوجوه الجديدة والواعدة من رؤية تشاؤميّة لمستقبل اللعبة التي عُرفت باللعب الجماعي كسبيل وحيد للحصول على مكاسب فرديّة ينبري لها نجوم بدلاء لميسي ورونالدو وسواريز ونيمار، ليُكملوا المهام بأداء ونتائج أفضل ممّا يحقّق النجاح لمنتخباتهم وفقاً للتطوّر الخُططي الذي تشهده مدارس التدريب العالميّة، والرعاية الإعلاميّة التي توليها كُبرى المؤسسات مع تجدّد التقنيّات المُعتمدة في برامج تحضير الفرق.

وحتى يحين موعد النسخة القادمة من البطولة بعد 4 سنوات، تبقى بصمات النجوم من شاكلة ميسي، تُذكِّر بقيمتهم ومجهوداتهم وتضحياتهم وآلامهم؛ من أجل إسعاد شعوبهم في رحلة مُضنية، فليس من السهل التفرّد على القمّة العالميّة بين مونديال وآخر!
 

شارك: