مانشستر سيتي.. شيء يشبه الرعب..!

تحديثات مباشرة
Off
2023-05-05 18:24
ممر شرفي لإيرلينغ هالاند مهاجم مانشستر سيتي (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

هل فعلًا بات فريق مانشستر سيتي الإنجليزي مرعبًا في أوروبا إلى أقصى حد؟
هل أصبح هذا الفريق الأنغلوساكسوني فعلًا قوة عظمى أوروبيًّا، تفوز وتكتسح وتسيطر، ولا تقبل بغير (غار) التتويج بدوري أبطال أوروبا هذا الموسم وبأي ثمن؟! هل فعلا أمسى مان سيتي ناضجًا هذا الموسم أكثر من أي وقت مضى، حتى أن الفنيين والمحللين في القارة العجوز يشبهونه بالهدير الجارف الذي يأتي على كل شيء، فلا يبقي ولا يذر، وبالإعصار المدمر الذي لا يمكن إلّا أن تنحني أمامه كل الأشياء ما ظهر منها وما بطن؟ 

تتكاثر مثل هذه التساؤلات وتتوالد دون تلقيح، ليس لأنها تساؤلات مبنية على استحكامات جديدة تدفع بالأشياء من أسفل إلى أعلى كما هو الحال بقاعدة أرشميدس الفيزيائية الشهيرة، ولكن لأن مدربًا خبيرًا في دوري أبطال أوروبا وضليعًا في توفير الخلطة السحرية الأوروبية مثل جوسيب غوارديولا يؤكد أنه هذا الموسم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما (غار) دوري أبطال أوروبا أو (العار).

وعندما يضع غوارديولا نفسه بين مطرقة (الغار) وسندان (العار) بعد خمس محاولات أوروبية مع السيتي باءت كلها بالفشل، فهذا يعني أن العبقري الماهر في الحذق التدريبي غيّر أولوياته ولم يعد يقبل بأي شيء في نسخة دوري أبطال أوروبا الحالية أقل من اللقب. 

يعتقد غوارديولا أن فريقه حاليًا أكثر تمرسًا وقوةً وشراسةً وخبرةً في التعامل مع البطولة الأوروبية المستعصية على السيتي؛ لكنه في كل الأحوال لا يخشى في الأمتار الأخيرة إلّا من الجزيئات الصغيرة التي طالما اكتوى بنيرانها وغدرت به في مبارياتٍ الخطأ فيها ممنوع.

لم يكن الحظ وحده ولا سوء الطالع الذي وقف كثيرًا وحال دون تتويج السيتي بذات الأذنين الطويلتين؛ لكن الحقيقة أن المدرب العبقري (غوارديولا) خانه ذكاؤه في قراءة خريطة الطريق أكثر من مرة، معتنقًا فلسفة الابتكار القاتلة في مبارياتٍ تتطلب واقعية أكثر، حتى تحولت هذه الفلسفة القاتلة إلى عادة موسمية، قطعها عداوة، وكانت نتيجة هذه المغامرات الابتكارية مغادرة السيتي دوري الأبطال في الأمتار الأخيرة "وقفاه يقمّر عيشًا"، وهو ما يؤكد دومًا حقيقة أن بين العبقرية والجنون (شعرة) لا يراها غوارديولا إلا بعد خراب مالطا.

شيء ما -غير نفاد الصبر بالطبع- استدعى غوارديولا للخروج من دائرة الدبلوماسية التي يشتهر بها في تصريحاته التي تراعي أن كرة القدم لعبة طلاسم، لا يمكنك أن تتنبأ بمفاجآتها ومفارقاتها.

فعندما يتخلى هذا المدرب الحصيف عن الحذر، ويتجاوز خط الرجعة في تصريحاته هذا الموسم، فهذا دليل على أن هذا المدرب قد غيّر جلد فريقه، وبات مع الوحش النرويجي إيرلينغ براوت هالاند مرعبًا إلى أبعد حد. 

ومَن يتأمل في مشوار مانشستر سيتي هذا الموسم على مستوى دوري الأبطال؛ فسيكتشف الفوارق الجديدة التي راعت وعالجت بعض التهور التكتيكي في شاكلة الفريق الإنجليزي الذي رمى عباءة المدرسة الأنجلوساكسونية الرتيبة والمملة ذات الطراز البالوني جانبًا، واستبدلها بالمدرسة اللاتينية بسهلها الممتنع، التي تُشعِرك بأن السيتي فريق استعراضي احتفالي يلعب ببرستيج الشوكة والسكين، من دون أن يتنازل قيد أنملة عن عادة الفتك بمنافسيه محليًّا وقاريًّا.

وإذا كان غوارديولا قد نجح أخيرًا في جلب مهاجم صريح هوايته تسجيل الأهداف من أنصاف الفرص وإقامة جمركًا في منطقة جزاء الخصوم، فإن النرويجي هالاند كان بالفعل القطعة الشطرنجية الرهيبة الناقصة في فلسفة غوارديولا التي تنهي كل شيء بالنقلة المرعبة (كش ملك).

والواقع أن هالاند أشبه بمارد عملاق أطلقه غوارديولا من قمقمه ليعيث تدميرًا وتنكيلًا في ملاعب أوروبا بصورة ليس لها مثيل، فهذا السفاح الذي لا يرحم ولا يطرف له جفن، تتهاوى أمام قامته العملاقة كل الأرقام القياسية محليًّا وأوروبيًّا، ومن الصعوبة بمكان إعادة هذا المارد المخيف إلى قمقمه والإغلاق عليه بالفلين العتيق، مهما كانت شراسة (البوديغارد) الذي يتولى حراسته.

ومع أن في جراب الحاوي كارلو أنشيلوتي مدرب ريال مدريد الإسباني الكثير من حيل الاستحكامات الدفاعية التي رضع مبادئها من نظام (الكتناشيو) بقتامته الدفاعية الأسمنتية، إلا أنه سيحتار فعلًا في عملية تقييد هذا الوحش النرويجي وترويضه في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا. 

صحيح أن السيتي بات فريقًا هجوميًّا مرعبًا أشبه بالطوفان، لا يحتاج إلى استئذان ليرمي بموجه الهادر في كل مكان، إلّا أن المقياس الحقيقي لقوة هذا الفريق ستكون على المحك؛ عندما يلاقي ريال مدريد الإسباني في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.

حتى وغوارديولا يؤسس قواعد فريقه على أسس متينة، سواء من حيث ديناميكية الأداء، أو من حيث الدكة الغنية التي تعج باحتياطي قوي فعّال، إلا أنه من الصعب قطع الشك باليقين، على اعتبار أن ريال مدريد متمرس في دوري أبطال أوروبا، ويعرف كيف يتعامل مع مبارياته الصعبة برزانة، كما لو أنه بالفعل يمتلك أسرار الحمض النووي لدوري أبطال أوروبا.  

يوشك مانشستر سيتي على إحراز ثلاثية تاريخية بات يقف على أعتابها بكل ثقة واقتدار، ولم يعد يفصله عن التهام كل موائد الكرام واللئام في إنجلترا سوى سنتيمترات قليلة، على اعتبار أن لقب البريميرليغ بين يديه، وكأس إنجلترا أقرب إليه من حبل الوريد، غير أن مسألة الفوز بدوري أبطال أوروبا بحاجة إلى جينات من نوع آخر. 

نعم، يقترب السيتي بسرعة الضوء من التوقيع على موسم خارق للعادة، لكن حلم امتلاك الثلاثية من عدمها مرهون بكيفية استيعاب درس ريال مدريد الموسم الماضي، وأخذ العبرة من الاعتبار.

وعندما رمى ريال مدريد بالتكهنات عرض الحائط وأنزل بالمان سيتي هزيمة نكراء مروعة في سانتياغو برنابيو الموسم الماضي، نتج عنها التنازل مُكرَها عن دوري الأبطال لصالح ريال مدريد، كان السيتي كَمَنْ هزم نفسه بنفسه، والسبب دائمًا ابتكارات غوارديولا غير المفهومة.

يبدو السيتي هذه المرة أكثر حدةً وذكاءً وتعقلًا، وهي سمات قد تخوّل له الخروج من غيبوبة جرح الموسم الماضي والإطاحة بملك أوروبا من عليائه، والشرط الأهم الذي يؤمن للسيتي عبورًا آمنًا يتعلق بجدوى إقلاع غوارديولا عن عادة (التذاكي) التي اكتوى بنارها (السيتيزنس) مرارًا وتكرارا، والانتصار للواقعية التكتيكية التي يتحلى بها لاعبون على مستوى النزال والرهان.

أعرف أن كرة القدم لعبة اللامنطق، والتوقع فيها يعد ضربًا من الخيال، غير أنني أقولها بالفم المليان مع كامل احترامي للطرف الإيطالي المتأهل إلى النهائي:

لو استطاع مانشستر سيتي إقصاء ريال مدريد، وبلوغ نهائي ذات الأذنين، فسيكون طريق تتويجه ببطولة دوري الأبطال ممهدًا ومفروشًا بالزهور وبالورود، فهل يفعلها غوارديولا أخيرًا؟ أم أنه سيُلدغ من جحر كارلو أنشيلوتي للمرة الثانية؟

شارك: