كيف تحول التصنيف الأفريقي إلى مسألة حياة أو موت؟

تحديثات مباشرة
Off
2023-11-20 01:16
أرشيفية - من المواجهة الودية التي جمعت الجزائر ومصر (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

لا أذكر وأنني قد اهتممت بتصنيف الفيفا للمنتخبات بهذا القدر، مثلما كان عليه الحال في آخر عامين. الأمر كان مجرد مدعاة للفخر في بعض الأحيان النادرة، التي يصل فيها أحد المنتخبات المحببة إليك إلى تصنيف يستحيل الوصول إليه بسهولة، كما كان الحال مع وصول منتخب مصر إلى التصنيف التاسع قبل حوالي 15 عامًا.

التصنيف العالمي للفيفا ظهر في بدايات التسعينات، مع رعاية لإحدى شركات المياه الغازية، وكان بمثابة نشرة شهرية تمر أمامك، من دون التركيز كثيرًا في كيفية حساب النقاط المعقدة، ولو أن الحسبة الرئيسية التي كانت تهتم بالأعوام الخمس السابقة كانت تتمحور حول نقاط أكثر للمباريات الرسمية، أقل للمباريات الودية، مع تزايد أهمية المباريات كلما كانت أحدث.

التصنيف مايزال غير مهم بشكل حاسم في أكثر من قارة، عندما يتعلق الأمر بتصفيات كأس العالم، فعلى سبيل المثال ماذا سيفيدك في أمريكا الجنوبية عندما تكون مضطرًا في كل الأحوال لمواجهة كل الفرق التي تشاركك أراضي ثاني أحدث القارات على وجه الأرض، "مع الاعتذار لحضارة الماتشو بيتشو"؟

أما إن كانت جزيرتك تشارك أستراليا نفس الصفيحة التكتونية لقارة أوقيانوسيا، فإن الأمر لا يكون مهمًا، لأنها "كدة كدة خربانة"، فأستراليا كانت تحجز مكانها عن ممثلي هذه القارة، ومن بعدها أصبحت نيوزيلاندا الوريث الشرعي لهذا الأمر حتى لو بدأت التصفيات من أول دور.

ولو كنت أحد سكان أكبر قارات العالم آسيا، فإن الاتحاد الآسيوي كان تاريخيًّا أكثر الاتحادات تفهمًا للخطأ البشري، فلديك الفرصة تلو الأخرى لتعويض أحد التعثرات التي صادفتك، بينما في أفريقيا كانت الهزيمة أمام منافسك المباشر، أو التعادل في إحدى المباريات السهلة، تعني غالبًا أنك ستنتظر 4 سنوات أخرى لتفكر في التأهل إلى كأس العالم.

وصحيح أن التصنيف الأفريقي كان دائمًا مهمًّا، بالنظر إلى أن مسألة احتلالك صدارة تصنيف إحدى المجموعات، بمثابة خطوة مهمة للتأهل من دون أن تلعب، إلا أن منتخبات التصنيف الثاني -وأحيانًا الثالث- كانت في أوقاتٍ كثيرة تمثل تهديدًا حقيقيًّا لصاحب التصنيف الأول، وتتأهل بدلًا منه، وذلك بسبب عدد المجموعات القليل –بالنظر إلى عدد البطاقات المؤهلة القليل- الذي كان يفرض تكديسًا لعددٍ من المنتخبات الجادة في مسألة التأهل.

تحول كبير

آخر طريقتين لتأهل المنتخبات الأفريقية إلى كأس العالم، فرضتا نظرة أكثر أهمية بمراحل، تجاه التصنيف الأفريقي، ففي التصفيات المؤهلة لكأس العالم قطر 2022، كانت التصفيات الأولية بمثابة "تسخين" للمنتخبات الكبرى بمواجهات سهلة إلى حدٍ كبير، قبل التأهل إلى التصفيات النهائية التي تضم 10 منتخبات، يتم تقسيمها إلى تصنيفين، بحيث يتلافى أصحاب التصنيف الأول مواجهة بعضهما.

لذلك، كانت حالة من السخط الكبير من جانب جماهير منتخب مصر -صاحب التصنيف الأفريقي السادس آنذاك (أول التصنيف الثاني)- تجاه فقدان فرصة التواجد في هذا التصنيف، لصالح صاحب التصنيف الأفريقي الخامس تونس (خامس التصنيف الأول)، الذي ضم معها كلًا من المغرب ونيجيريا والجزائر والسنغال، الأمر الذي أدى إلى وقوع الفراعنة في مواجهة صعبة أمام السنغال، كادوا يتأهلون من خلالها لولا ركلات الترجيح، بينما كانت نسور قرطاج تتسلى بمواجهة مالي لتضمن مكانها في المونديال.

أما في التصفيات الحالية، فتكاد جنوب أفريقيا ومالي والكونغو الديمقراطية تعض بالنواجذ على عدم تواجدها في التصنيف الأول، الذي كان سيكفل لها تصفيات كالنزهة تقريبًا، كما هو الحال مع أصحاب التصنيف الأول الذين سيكون لديهم هامش لا بأس به، بالنظر إلى وجود 6 منتخبات في المجموعة الواحدة، ما يعني 10 مباريات كاملة من المقبول التعثر في واحدة أو اثنتين منها، من دون تأثير على فرصة التأهل شبه المضمونة.

جنوب أفريقيا ستكون مضطرة لتسلق جدار نيجيريا للتأهل، بعدما فاتها قطار التصنيف الأول، وذلك رغم بداية نيجيريا البطيئة بالتعادل في أول مواجهتين أمام ليسوتو وزيمبابوي، وكذلك الحال مع مالي والكونغو الديمقراطية ضد غانا والسنغال.

وبينما كانت تصفيات كأس العالم بمثابة الضربة الخانقة المستمرة تجاه مصر، أنجح المنتخبات الأفريقية على مستوى أمم أفريقيا، فإن تواجدها في التصنيف الأول بات يعني أن المصريين في الوقت الحالي يشاهدون مباريات منتخبهم بأعصاب هادئة تمامًا، وهم يتلاعبون بجيبوتي وسيراليون، ولا يُنتظر أن تشكل بوركينا فاسو مشكلة كبيرة رغم جودة لاعبيها، فلا هو منتخب صعب الانتصار عليه في القاهرة، ولا هو منتخب يُنتظر أن ينتصر في أغلب مبارياته، كما هو الحال مع الفراعنة، والإثبات بدأ من الجولة الأولى بتعادل "الخيول" على أرضهم مع غينيا بيساو، ليفقدوا أول نقطتين في مشوارهم.

التصنيف الأول في أفريقيا لم يعد رفاهية، فقد أصبح بمثابة بطاقة التأهل لكأس العالم قبل الأوان. يمكنك توقع من سيتأهل من الآن فيما عدا استثناء أو اثنين بحد أقصى من المجموعات التسعة، فمصر والسنغال والمغرب وساحل العاج والجزائر وتونس في طريق مفتوح للتأهل، أما نيجيريا وغانا وربما الكاميرون، فعليهم أن يكونوا أكثر تركيزًا إن أرادوا التأهل بسهولة، ونأمل ألا يفعلوا، لنرى المزيد من المنتخبات العربية في مونديال أمريكا الشمالية القادم.

شارك: