كلمات عابرة.. مقارنة كاذبة خاطئة!
لم يكن الصراع التاريخي بين البرازيل والأرجنتين حاجزًا أمام توجيه التهاني إلى ميسي، بعد تتويجه بلقب كأس العالم.. بيليه.. روماريو.. رونالدو الظاهرة.. وغيرهم من نجوم الكرة البرازيلية.. بادروا إلى تهنئة على قدر المُوجهة إليه.. لاعب كتب التاريخ، ليكون ضمن قائمة مَن لا يَطالهم النسيان.. وصلته تهاني من أسماء، هي الأخرى، لها صفحات ذهبية في سجلات الكرة العالمية، لكن لماذا يخرج الناطقون بالحرف العربي من المدعين بأنهم أهل الاختصاص في التحليل والتدوين، ويدخلوننا في دوامة المقارنة لتحديد الأفضل في التاريخ؟
قال أحدهم: انتهى الكلام.. ميسي هو الأفضل في التاريخ!
وقال آخر: ميسي اللاعب الوحيد الذي سجل في نهائي دوري أبطال أوروبا ونهائي كأس العالم!
وقال آخرون، ونفى طرف آخر، وسار النقاش وفق معالم غير محددة المفاهيم، إلا من معايير ذاتية وأخرى تبحث عن الانتشار تلبيةً لرغبات عشاق نجم واستفزازًا لمحبي نجم آخر.
المقارنة في معناها البسيط هي تحديد أوجه الشبه والاختلاف وفق معطيات يتم تحديدها بشكل علمي دقيق، لإعلان أفضلية شخص على الآخر، أو مؤسسة على الأخرى، أو فترة زمنية على غيرها.
وعندما ننطلق من هذا المفهوم ونحاول إسقاطه على واقع كرة القدم، نجد أن فعل المقارنة لا يصلح القيام به لأكثر من اعتبار، منه:
- اختلاف وضع الملاعب بين الأمس واليوم.
- اختلاف القوانين المنظمة للعبة بين الأمس واليوم.
- اختلاف النهج التكتيكي للفرق والمنتخبات بين الأمس واليوم.
- اختلاف عدد المباريات في الموسم الواحد بين الأمس واليوم.
هناك العديد من الاختلافات، إضافة إلى القدر الذي أعلن ولادة موهبة مثل جورج وياه في ليبيريا، فلم يتح لوياه، بناءً على ذلك، أن يشارك في كأس العالم، في مقابل مشاركة مَن هم أدنى منه موهبةً، لأنهم ولدوا في دول تملك منتخبات قوية.
الحديث الرقمي عن كرة القدم، المسيطر في السنوات الأخيرة، أصبح علمًا قائمًا، ولا يوجد منتخب يخلو من فريقٍ لتحليل الأداء، فريق يعود إليه المدرب في كل صغيرة وكبيرة، لأنه -أي الفريق- يعمل على تحديد مَكمَنِ الخلل لدى المنافس ونقاط القوة لدى تشكيلته، وحتى في أثناء سير المباراة، لا يتخذ المدرب القرار لوحده بل يعود إلى ذلك الفريق، فمنهم مَن يكون جالسًا في المدرجات، وربما تكون الرؤية لديه أوضح من الجالس على مقاعد البدلاء، لكن محاولة إبراز اختلافات رقمية بين نجم وآخر، على شاكلة مَن سجّل في بطولتين هامتين، ومن لم يسجل، يجب أن يخضع لضوابط معينة ودقيقة؛ فمثلًا بيليه لم يلعب في أوروبا؛ فكيف له أن يسجل في نهائي دوري الأبطال! وضمن نفس السياق، لم ينل ماردونا الكرة الذهبية ليس لأنه لا يستحقها، وإنما لأنها كانت مقصورة في زمنه على لاعبي أوروبا فقط، وبالتالي لا يمكن ظلمه وإدخاله ضمن هذه المقارنة، وعندما نصل لنقطة رجل المباراة في كأس العالم، سنتساءل حتمًا: هل كانت الجائزة تُمنح في النسخ الأولى؟ الإجابة: لا!
وبالتالي، ما ذنب الذين لعبوا في تلك الفترة، ولم يكن متاحًا لهم الفوز بها؟!
وحتى ندخل دائرة الإنصاف، هل يُعَدّ معيار التتويج بكأس العالم دقيقًا لتعيين أفضلية لاعب على آخر؟ لقد كانت هذه حجة مَن لا يحبون ميسي قبل كأس لعالم 2022؟ وهنا يظهر اسم كرويف الذي يخلو سجله من اللقب العالمي، لكن كل مَن شاهده يلعب؛ يشهد بسحره وجمالية ما قدّمه للكرة، فهل هو لاعب عادي ولا يُسمح له الدخول من بوابة الأساطير؛ لأنه لم يحقق لقب المونديال؟
كرة القدم تحكمها النتائج، وسجلاتها تحفظ الأرقام، لكن لدى عشاقها متعة مختلفة الألوان والأبعاد؛ فمنهم مَن يراها في هدفٍ من تسديدة بعيدة، ومنهم مَن يُفضِّل التمتع بمراوغات متسلسلة، ومنهم مَن يفضل ملوك الترويض، ومنهم مَن يراها في جودة رؤية الملعب، ومنهم، ومنهم، ومنهم.. كرة القدم عادةً ما تصيب عشاقها بعمى الألوان، حيث تقود إلى التعصب للون مهما كان.. تقود إلى متعة "المناكفة" بين الأخ وأخيه، وبين الأصدقاء، لكنها لم تكن يومًا ما حلبة لصراع أرقام تحكهما الذاتية، إلا في عصر التافهين الذيم انحرفوا إلى مرتع "التأليه"... أستغفر الله!
آخر الكلام: عظمة ميسي الكروية لا تحتاج إلى لقب عالمي، وموهبته أكبر من أي قلم مهما كان موهوبًا، كما هو الشأن مع بيليه ومارادونا وأكثر من اسم، والدخول في متاهة تحديد الأفضل هي المقارنة الكاذبة الخاطئة.