قطر 2022.. مونديال للتاريخ
ينتابني شعور غريب كلّما أقدمت على خوض تجربة الكتابة في عنوان جديد.. أشعر بالخوف كأني أكتب لأول مرة رغم أني مرتاد لأعمدة الرأي منذ 1998 وفي أكثر من عنوان جزائري وعربي.
أخشى أن أحيد عن واجب الأمانة التي تفرضها الكلمة ولا أدعي الكمال لكني أصر دوما على تغليف كلماتي بالود الذي يجعل ألم سهام النقد والاختلاف في الرأي مصدراً لمتعة ولذة القراءة أو على الأقل نقطة بداية لنقاش قد يُفيد أقلية في انتظار الوصول إلى أغلبية ربما تكون قد غادرت دائرة القراء إلى حين.
يتزامن ظهوري الأول عبر winwin مع الأيام الأخيرة التي تفصلنا عن انطلاق مونديال قطر2022.. الحدث الرياضي الأبرز الذي تُضبط ساعات العالم أجمع على توقيته حتى لغير عشاق كرة القدم.. فالنسخة 22 لن تكون مميزة فقط لأنها تحط الرحال لأول مرة في دولة عربية شرق أوسطية، وإنما لعديد الاعتبارات ولعديد الأرقام المنتظر كسرها في البطولة.
يتحدث البعض ويكتبون عن قرب المسافات بين الملاعب الثمانية وسهولة التنقل مع إمكانية حضور أكثر من مباراة في آن واحد وعن بطاقة هيا التي تعد تأشيرة الدخول إلى دولة قطر وعن مزاياها المتعددة. كما الحديث الدائر عن جودة الملاعب والمدة القياسية التي أنجزت فيها ومع ذلك فليست هذه الميزات التي تختصر المونديال التاريخي بل إن ما ينتظره من نتائج متعددة الأبعاد هو ما سيجعله بطولة للتاريخ.
يزور المونديال أرضا عربية لأول مرة في نسخة هي الأولى كذلك التي ستعرف استعمال اللغة العربية بصفة رسمية بعد أن تم اعتمادها ضمن اللغات الرسمية للاتحاد الدولي لكرة القدم على هامش قرعة المونديال في مارس الماضي ليكون مونديال قطر فأل خير على لغة ظلت تعاني التهميش على مستوى الهيئات الرياضية الدولية لكن اعتراف الفيفا سيفتح الباب على مصراعيه للحصول على ثقة باقي الهيئات الأخرى في المستقبل القريب.
يشارك ميسي وهو يقترب من دخول نادي 1000 وقد يصل إلى هذا العدد من المباريات خلال الدور الأول من المنافسة ليكون رقما مميزا في تاريخ اللاعب وفي تاريخ كرة القدم عموما وكأس العالم وقطر على وجه الخصوص لأنه ميسي.. و نحن لا نكتشف كل يوم لاعبا مثله جعل من كرة القدم متعة هي أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع.
يدخل البرتغالي رونالدو المنافسة وهو ضمن أربعة لاعبين سجلوا في أربع نسخ من كأس العالم عبر تاريخها وفي حال سجل هدفا واحدا على الأقل فسيكون قد دخل التاريخ من أبوابه ليصبح الوحيد الذي زار الشباك في خمس نسخ مختلفة من كأس العالم.. عاشق الأرقام ومحطمها سيكون مع موعد خاص ليؤكد أن الاجتهاد والانضباط قد يتفوق على الموهبة في بعض الأحيان.
حدث آخر قد يكون مونديال قطر مسرحا له، ففي حال تصدر منتخبي البرتغال والأرجنتين لمجموعتيهما في الدور الأول فلن يلتقيا إلا في الدور النهائي.. هنا تتوقف الأنفاس ويسيطر الترقب وتكثر التكهنات ويشتد الصراع بين عشاق النجمين رونالدو وميسي. من منهما سيحمل الكأس وسينهي مسيرته ويعلن اعتزاله الدولي وهو متوج بأغلى لقب ينقص خزائنه.. لقب سيدخل في معركة التفضيل بينهما ويزيد من حدتها وقد تطول رحى النقاشات حتى موعد مونديال 2026.
يعد الألماني توماس مولر الأقرب من بين اللاعبين المحتمل مشاركتهم في مونديال 2022- على القوائم النهائية التي ستصدر يوم 13 نوفمبر- للوصول إلى رقم الهداف التاريخي لكأس العالم مع مواطنه كلوزه الذي يملك في رصيده 16 هدفاً.
مولر يدخل المنافسة وفي رصيده 10 أهداف وليست أمامه فرصة أخرى ليكتب اسمه بحروف ذهبية سيدا لهدافي المونديال إلا في مونديال قطر لأنه يبلغ من العمر 33 عامًا وفي النسخة القادمة سيكون مهددًا بالاعتزال وعدم المشاركة بسبب التقدم في العمر.
قد يتساءل البعض.. هل ستنجح قطر في رفع التحدي وهل ستجعل من النسخة 22 موعدا استثنائيا غير قابل للنسيان؟
التساؤل مشروع في بعض تفاصيله وفي بعض أجزائه لكن الإجابة سهلة بعيدا عن المجاملة ولمن عايش أكثر من بطولة وأكثر من منافسة رياضية على أرض قطر يدرك قدرتها ومدى تميزها التنظيمي الذي أهلها لتكسب الرهان في الفوز بمعركة استضافة مونديال 2022 في وقت كان إعلان نيتها في الترشح للاستضافة مفاجأة صاحبها الكثير من الهجوم والتطاول دون مبرر واقعي.
التساؤل مشروع أيضا عن أجنحة الحلم الذي يمكن أن تسرجه أيام المونديال في هذا البلد العربي؟ والجواب سهل أيضا، هذا المونديال سيجعل العالم يرى شرقا آخر غير غارق في اللون الأحمر ولا الصور النمطية، شرقا أخذ بيد الحضارة وعزم أن يظفر بقصب السبق، شرق يعي حدود المغامرة ويعي قدراته، شرق لم يتأهل لهذا الشرف إلا لأنه أهل له.. شرق لم يوجد في أحلام الغربيين .. لأنه ببساطة أجمل منها بكثير.
آخر الكلام: الدول لا تقاس بمساحتها.. الجغرافيا هبة ربانية والتميز يظهر على مستوى القيادات التي تروض تضاريس الجغرافيا لتجعلها حروفا لكتابة التاريخ.