فلسطين تفوز بالكأس و"إسرائيل" خارج المونديال

تاريخ النشر:
2022-12-08 19:36
مشجعون في مونديال قطر يرفعون العلم الفلسطيني مُلصقًا بالعلم القطري (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

الجماهير في كأس العالم بقطر ليسوا نُخبًا ثقافيّةً أو رموزًا فكريّة، وليسوا محلّلين سياسيّين، ولا كُتَّابًا وباحثين، والمونديال ليس مؤتمرًا علميًّا ولا فعاليّةً سياسيّة، بل أن جماهير المونديال تمثل نماذج من كلّ شعوب الأرض وفدوا من أجل كرة القدم، فيهم من كلّ شرائح الشّعوب ثقافةً وتوجهًا وسلوكًا، فيهم العالم والأميّ والجاهل والأكاديميّ، وفيهم الخلوق والمنكوس والمنضبط والمنفلتُ، إنّهم يمثّلون خليّةً تمّ أخذها من جسم البشريّة، فما يكون فيها من أفعال وصفات يصلح تعميمه على حال شعوب العالم المختلف.

فلسطين الحاضرة

لم يعد خافيًا أن اسم فلسطين هو الحاضر الأبرز في المونديال، حتّى قالت بعض وسائل الإعلام الغربيّة: إنّ الفرق المشاركة في هذا المونديال هي 33 فريقاً وليس 32، والفريق الذي كان حاضرًا في كلّ المباريات والفعاليّات هو فريق فلسطين.

أعلام فلسطين ترفرف في كلّ المباريات، خيام تعريفيّة بفلسطين في كل مكان، والوافدون إلى هذه الخيام يبلغون عشرات الآلاف يوميًّا.. منشورات تعريفيّة توزّع في كلّ الطرقات والمواقع والأسواق والمحلات، الكوفيّة الفلسطينيّة على أكتاف ورؤوس المشجعين في الملاعب والشوارع، وأغنية من التراث الفلسطيني لكلّ فريق عربي في المونديال، هتافات الجماهير في كلّ المباريات تصدح باسم فلسطين وقضيّتها، والفرق العربيّة الفائزة في المباريات ترفع علم فلسطين محتفيةً بانتصارها، بل إنّ الفرق غير العربيّة تفعل ذلك أيضًا، فها هي رئيسة وزراء كرواتيا ترفع العلم الفلسطيني محتفلةً بفوز فريقها.

وفي المقابل، ممثلو وسائل الإعلام الصّهيونيّة، والصّهاينة، يعانون الرّفض والنّبذ، الشّعوب ترفض إجراء أيّة مقابلات، السعوديون الذين حاولت الحملات الإعلاميّة الالكترونيّة إيهام النّاس أنّهم يحبّون "إسرائيل" ينقضون هذا التّصور بمواقف عفويّة، تثبت أنّ الشّعب السعودي ما يزال يرفض أيّ تطبيع مع الصّهاينة، ومثلهم شعوب مصر والمغرب تونس ولبنان وغيرها، وليس العرب والمسلمون فحسب؛ فهؤلاء مشجعون يابانيّون يرفضون الإدلاء بأيّة كلمة عندما علموا أنّ الكاميرا صهيونيّة، وذاك مشجع بريطانيّ يهتف أمام الكاميرا الصهيونيّة "فلسطين حرّة".

لقد عنونت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، في ملحقها الخاص بمونديال قطر، بـ"مونديال الكراهية"، وجاء في تقريرها: "شوارع الدوحة خطيرة للغاية على الإسرائيليين، فهم محاطون بالعداء، ومهدَّدون في كل زاوية من طرف المشجعين العرب".

وقالت عن مراسليها: عند تواصلهم مع الجماهير العربية، ينتهي بهم الأمر إلى الدخول في جدالات، وأشارت إلى أن مراسليها قرروا فيما بعد أن يدَّعوا أنهم إكوادوريون حين يسألهم أحد عن جنسيتهم.

أمّا محرر الشؤون السياسية في موقع "واللا"، باراك رافيد، فقال: "إنّ الرأي العام عند العرب تجاه "إسرائيل" سلبي جدًا، و"إسرائيل" خسرت معركة الدّعاية في قطر، هذه حقيقة علينا الإقرار بها ولا يمكن إنكارها أو القفز عنها".

أمّا الصحفي "الإسرائيلي" دور هوفمان، موفد هيئة البث الإذاعي والتلفزيوني الحكومية "كان 11″، فيذكر أن سائقًا قطريًّا كان يقلُّه لوجهة داخل قطر، لكنه حينما علم أنه قادم من "إسرائيل" غيّر وجهته، وأنزله في مكان مجهول، وقال:"لقد شعرت بالتهديد، فليس هذا ما جئت من أجله إلى قطر، هذا الحدث قد يتكرّر مجددًا".

وفي حادثة أخرى تنقلها "القناة 12 الإسرائيلية"، يطرد صاحب مطعم قطري في العاصمة الدوحة مشجعين إسرائيليين، عندما علم أنهم قادمون من "إسرائيل".

لقد ركلت الشّعوب الكرة في وجوه الصّهاينة قبل أن تضعها في شباكهم، لتقول لهم: لا مكان لكم في وجدان الشّعوب ولا مساحة لكم في نفوس العامّة، ولتخبرها بكلّ وضوح أن ابتسامات القادة المطبعين وقبلاتهم وعناقهم لا يعني شيئًا للشّعوب التي ما تزال تنبض باسم فلسطين.

لم تتحرّر فلسطين ولكن..

نعلم جيّدًا أنّ فلسطين لم تتحرّر بهذه الفعاليّات، بل لم يخطر في بال الشباب الطّموح الذين واصلوا الليل بالنهار في قطر على مدار أشهر سابقة للمونديال لإنجاح هذه الحملة التي حملت عنوان "حلم فلسطيني" أنّهم سيحرّرون فلسطين في شهر كأس العالم، فلا مكان إذن للسّؤال الاستنكاريّ التسخيفيّ الذي يحلو للبعض أن يقذفه "وهل حرّرتم فلسطين برفع أعلمها"، ظانًّا أنّه سحبَ الذّيب من ذيله.

نعم لم تتحرّر فلسطين، لكن تحرّرت الكثير من المعلومات التي تمّ تنميطها لخدمة الاحتلال، سواء داخل الكيان الصّهيوني أو في العالم عمومًا، من أنّ فلسطين قد ذوت، وقد نسيها النّاس، وأنّ المكان والمكانة في نفوس الشّعوب اليوم هي "لإسرائيل"، تبعًا لمكانتها في نفوس القادة السياسييّن المتحالفين والمطبّعين.

لقد فازت فلسطين في إساءة وجه الصّهاينة من جديد، فما جرى في المونديال هو جزء مهمّ من حالة إساءة الوجه التي هي جزء من معركة التحرير العامة، وتسبقها كما في قوله تعالى: "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا"، وإساءة الوجه هي حالةٌ إعلامية تعني فيما تعنيه كشف الوجه الحقيقيّ البشع للكيان الصّهيونيّ، وإظهار النّبذ العام للمحتلّ وتعميم هذه الحالة.

لقد فازت فلسطين بكأس عالم مختلف أهدته لها الشّعوب، هو في الحقيقة أغلى ثمنًا وأعلى قيمة من كأس العالم الذّهبيّ؛ إذ أسهمت كلّ الشّعوب العربيّة والإسلاميّة والعالميّة في ركل الكرة في وجوه الصّهاينة وفي شباكهم، ليخرجوا من مونديال الشّعوب مذمومين مدحورين.

شارك: