غوارديولا وأنشيلوتي.. دراما الشهد والدموع!

تحديثات مباشرة
Off
2023-05-13 17:42
معركة تكتيكية مثيرة جمعت أنشيلوتي وغوارديولا في مواجهة ريال مدريد ومانشستر سيتي (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

شوطان كاملان خاضهما فريقا ريال مدريد الإسباني ومانشستر سيتي الإنجليزي في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، لخصا المشهد الهتشكوكي المثير الذي ينتظرهما على ملعب الاتحاد سهرة الأربعاء القادم.

من شاهد العراك التكتيكي بين المدربين الإيطالي المخضرم كارلو أنشيلوتي والإسباني الداهية بيب غوارديولا، سيجد صعوبات شتى في فك لوغاريتمات النواحي التكتيكية، وسيجد نفسه محاطًا بسؤال كبير مفاده: كيف لعب المدربان شوطين متناقضين وبشخصيتين متضادتين في الاتجاه وضعتا بطاقة التأهل إلى المشهد الأخير على فوهة بركان مباراة الإياب؟ 

لم يكن غوارديولا معتادًا على وضع قبضته على قلبه، لأنه عندما فضل أن يكون صاحب الفعل، فوجئ بأن منافسه أنشيلوتي يلعب بحسابات واضحة ومتوازنة، من بينها الرقص بأسلوب واحد دون مجازفة.

كل الذين يعرفون شغف غوارديولا بالانتصارات تعجبوا من الكلاسيكية التي انتهجها على ملعب سنتياغو برنابيو، اندهشوا من رتابة التحفظ لأن مدرب السيتي لعب بإيقاع واحد لا يقود إلا إلى التعادل. 

من جانبه كان كارلو أنشيلوتي حذرًا للغاية، ومتريثًا أكثر أمام فريق إنجليزي حيوي للغاية، قادر على الاحتفاظ بالكرة طوال الليل؛ لذا اختار التحلي بالصبر وعدم الاستعجال، تاركًا لاعبي السيتي يدورون بالكرة في فضاء صغير لا يجد فيه مهاجموه خرم إبرة للنفاذ نحو مرمى المتألق تيبو كورتوا.

معروف أن ابتسامة غوارديولا في مواعيد حساسة كهذه كانت تزن رطلًا، لكن تلك الابتسامة اختفت تمامًا بعد نهاية مباراة الذهاب بالتعادل، على أساس أن غوارديولا -وقد أخذ العبرة من الاعتبار- يدرك بحدسه أمرين في غاية الأهمية:

  • الأول: منافسه ريال مدريد صاحب ثقافة مختلفة، ومثله لا يرمي بالمنديل مهما كانت العقبات، لأن التجارب السابقة أثبتت أن جلوسه ملكًا على عرش دوري أبطال أوروبا أربعة عشر مرة لم يأتِ من فراغ، أو برمية من غير رام.
  • الثاني: هدف كيفن دي بروين الصاروخي الذي أعاد التوازن النفسي للسيتي، ليس ذا جدوى كبيرة بعد أن تم إلغاء قاعدة ترجيح كفة الهدف خارج الديار، من هنا ليس أمام غوارديولا على ملعبه سوى الانتصار، والبحث عن أداة قتل غير تلك التي استعملها في مباراة الذهاب.

عجيب أمر غوارديولا، فهو دائمًا مدرب يعتنق فلسفة (خالف تعرف)، ليس لأنه يشاكس ويأتيك بما لا تتوقع سواء من حيث النهج والأسلوب، أو من حيث الخيارات البشرية، ولكن لأنه بالفعل مدرب مدمن ابتكارات، لا تستطيع أن تتنبأ بما سيقدم عليه في المباريات التي تتطلب واقعية أكثر ولا تحتمل المغامرة، طالما كان الخطأ فيها ممنوعًا.

وعندما توقع معظم الفنيين والمهمومين بأساليب وطرق اللعب أن يمنح غوارديولا شاكلة فريقه المرونة التكتيكية المطلوبة وفق طريقة 4/3/3 التي دمر بها مدافع أرسنال، ومن قبلها بايرن ميونخ الألماني ذهابًا و إيابًا، فوجئ الجميع بأن غوارديولا اختار التحفظ والتدوير الممل للكرة ضمن طريقة لعب قوامها 4/2/3/1، وهي طريقة تعتمد على الاستحواذ والتدوير، ومع ذلك لم يختر غوارديولا هذه الطريقة ذات الطراز الجمركي إلا لسبب نفسي بحت.

كان حدس غوارديولا صائبًا، من منطلق أنه كان يثق أن أنشيلوتي سيعتمد على خط وسط قزاحي مائل تنتمي عناصره إلى الحرس القديم، والمعنى الذي يكشف خفايا المبنى الريالي أن مدرب السيتي يعرف أن مدرب الريال سيبقى وفيًا لثالوث وسطه توني كروس ولوكا مودريتش وفالفيردي، لهذا السبب لعب غوارديولا بنهج تدوير الكرة لاستنزاف وسط الريال بدنيًا، ورغم تخمين غوارديولا الصائب إلا أنه وقع في خطأين:

  • الأول : اعتماده على وتيرة لعب بطيئة لم تفرغ خط وسط الريال من محتواه البدني، لأن أنشيلوتي تنبه لنوايا غوارديولا بذكاء، مما دفعه إلى حماية الحصانة التكتيكية بثلاثة خطوط متقاربة، لم تترك مجالًا لفتح ثغرة في عمق دفاع الريال.
  • الثاني: الغرابة الواضحة التي انتابت غوارديولا في شوط المدربين، عندما عاند وكابر ورفض مبدأ تجديد حيوية خطي الوسط والهجوم، رغم الثراء الفني الذي تعج به دكة البدلاء. 

ومثلما تفلسف غوارديولا في الشوط الثاني، ولم يمنح فريقه نفسًا جديدًا على مستوى الحيوية والمرونة باللجوء إلى دكة البدلاء، فعل كارلو أنشيلوتي ذات الشيء مع تغيير طفيف في المشهد.

على الورق كانت شاكلة لعب ريال مدريد 4/3/3 معتادة بحكم أهميتها من حيث المواجهات الفردية (لاعب ضد لاعب)، لكن أنشيلوتي باطنيًا تعمد دس رودريغو غوس كلاعب متحرك يميل كثيرًا للعمق.

لقد كان أنشيلوتي متهيبًا من وسط مانشستر سيتي كثيرًا، بحكم تركيبته الديناميكية التي تضج بالكثير من المتغيرات الفنية، ولقد كان أنشيلوتي محقًا بعض الشيء في تبني ساتر دفاعي يتأسس على الكثرة العددية والرقابة اللصيقة (مان تو مان).

كان أنشيلوتي يدرك أن سهمه الملتهب والمنطلق من قوس أفكاره البرازيلي السريع فينيسيوس جونيور سيحظى بعنف من اليسار؛ لذا نقله ليتحرك قطريًا وعموديًا ضمن منظومة الابتعاد عن جلاديه.

وإذا كان أنشيلوتي قد نجح في تسيير الشوط الأول معتمدًا على انتهازية رد الفعل التي جسدها فينيسيوس جونيور في أبهى صورها بهدف سينمائي قل نظيره، فإنه في الواقع تباطأ كثيرًا في إخراج العجوزين مودريتش وكروس، اللذين استنفدا طراوتهما البدنية في الشوط الثاني. 

حسنا.. غوارديولا كان خائفًا من مرونة لاعبي الريال عند التحولات، كانت وصيته للاعبيه التركيز على ردة فعل لاعبي الريال وليس التركيز على فعل لاعبيه، كيف؟!

معروف في فلسفة غوارديولا أنه حينما يستحوذ فريقه على الكرة يصبح اللاعبون في حالة استنفار هجومي، ويستوي في هذا الزخم المهاجمون والمدافعون، الكل يصبح تفكيرهم هجوميًا بداية من بناء الهجمة في إطار جماعية اللعب والانتشار والمساندة من الخلف، ونهاية بتفتيت حصانة دفاعات الخصوم. 

أثناء هذا الاستحواذ والتدوير تحدث تحركات لا مرئية، هناك من يركض لسحب المدافعين والسماح بالتدفق الآمن للقادمين من الخلف، يقابلها لا مركزية في تحركات عناصر الهجوم.

كل هذه المحاسن التي كانت سلاحًا فتاكًا في جميع مباريات السيتي تلاشت أمام ريال مدريد، وهذا يعكس رغبة غوارديولا في البقاء على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة، خوفًا من التحولات الرهيبة التي تعد نقطة قوة في تكتيك أنشيلوتي، خصوصًا وريال مدريد فريق رصين لا يمكن استفزازه أو مصادرة حمضه النووي في دوري الأبطال. 

في تصوري، إن مباراة الإياب لن تختلف كثيرًا عن مباراة الذهاب، لن يفرط غوارديولا ولا أنشيلوتي في الحذر، لأنها بالفعل مباراة تكسير عظام ستلعب على تفاصيل نفسية صغيرة، وسيكون فيها العامل الذهني سلاحًا سيصنع الفارق، بالإضافة إلى دكتي البدلاء،  فلمن ستقرع أجراس النصر في مباراة شائكة ومعقدة مليئة بدرما الشهد والدموع ؟!

شارك: