عندما ينتهي الكلاسيكو في إسبانيا.. ينطلق كلاسيكو آخر بالمغرب

تاريخ النشر:
2022-10-17 18:41
كلاسيكو الأرض بين ريال مدريد وبرشلونة يَلقى تفاعلا يصل إلى حد الهوس من الجماهير في المغرب (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

بالأمس، ظنّ مشجعو ريال مدريد الإسباني أنفسهم هم "الفائزون"، بعدما حسم "الميرينغي" كلاسيكو الأرض لصالحه، على حساب غريمه التقليدي برشلونة بنتيجة 3-1.

والحقيقة أن أرباب المقاهي هم الفائزون الحقيقيون، بعد إسدال الستار على مباريات الكلاسيكو الإسباني؛ إذ تعمَدُ معظم المقاهي في المدن المغربية إلى رفع أسعار المشروبات، خلال لقاءات برشلونة وريال مدريد، بل وبعضها تُخصص تذاكر بأسعار تضاعف قيمة المشروبات مرتين أو تزيد كلما تعلق الأمر بكلاسيكو الأرض.

مقاهي أم مدرجات؟

لكلاسيكو الأرض نكهة مميزة لدى الجمهور المغربي، طقوس لن تراها حتى في مباريات المنتخب المغربي؛ تلاسن وحتى تشابك وشجار بين أنصار الطرفين. ونلحظ أنّ "الكتالونيون" يعيشون أياما سوداء بعد انقضاء عصر الفتى الذهبي ليونيل ميسي، أما "ملوك مدريد" فأصابتهم التخمة بعد توافد الألقاب على خزينة فريقهم.

تلك الملاسنات التي تعلو أدخنة السجائر فوق رؤوس مرتادي المقاهي، تحوّل فضاءاتها إلى مدرجات "مقتطفة" من الملاعب المغربية. البيارق والأعلام بألوان الفريقين حاضرة بقوة، والتشجيعات المستوحاة من الأغاني الخاصة بـ"ألتراس" الأندية المغربية تعلو فوق صوت المعلق في التلفزيون.

لا حياة في المدن المغربية وقت الكلاسيكو إلا داخل المقاهي، الشوارع شبه خالية، والأبصار شاخصة على الشاشة التي تنقل القمة الشهيرة، لينطلق الصراخ الهستيري بمجرد دخول الكرة في شباك أحد الغريمين، وما إن تنتهي المباراة هناك في إسبانيا حتى تبدأ مباراة أخرى في المدن المغربية.

"فوط صحية" للخاسرين!

الموسم الماضي، وبعد كلاسيكو جمع "الريال والبارسا" في الدوري الإسباني، عمد مُشجعو برشلونة في مجموعة من مقاهي مدينة الرباط، إلى توزيع "فوط صحية" على أنصار ريال مدريد، بعد سحق فريقهم المفضل للريال بأربعة أهداف دون رد، نكاية فيهم واستهزاء منهم بعد النتيجة المذلة التي حققها ''فريقهم".

بعض الرياليين تقبلوا "الإهانة" بروح رياضية، بينما غضب بعضهم الآخر بشدة، ورفض التطاول عليه بهذه الطريقة، لتتحول "المزحة الثقيلة" إلى معارك استُعمِلت فيها زجاجات المشروبات الغازية، وتطايرت الكؤوس، مخلفة جروحاً في رؤوس بعض مُرتادي المقاهي، وفي زجاج بعض السيارات التي كانت متوقفة قريبا من المقاهي، ولم تنتهِ هذه المعارك إلا بتدخل رجال الأمن.

يقول ميمون العرضي، الذي يعمل نادلا في أحد مقاهي العاصمة المغربية: "أخذنا الدرس من العام الماضي، وخلال مباراة الأمس، وزعنا المشروبات في أكواب من البلاستيك، لا مجال للمغامرة من جديد"، موضحاً أن بعض الزبائن من المشجعين المتعصبين يكسرون الكؤوس الزجاجية مباشرة بعد تلقي شباك فريقهم المفضل لهدف، ما يخلف خسائر مالية لأصحاب المقاهي، وزاد: "لدينا شبه قانون في مقاهي المغرب، الزجاج لا يتم تعويضه إن كُسِر".

صخب وأزمة عائلية

لم تفهم الجدة سبب الصراخ والتأوهات القادمة عبر النوافذ إلى بيتها من الشارع، وظلت تطل تبحث عن "متظاهرين أو محتجين" مفترضين، يرفعون أصواتهم بمطالب اجتماعية أو سياسية، لكن حفيدها نبهها إلى أن الأمر لا علاقة له بالسياسة، "إنهم مشجعو الكرة"، فترغي الجدة وتزبد لاعنة الجلدة المنفوخة، "اللهم أصبهم باللّقوة (مرض عصبي يتسبب في شلل عضلات الوجه وتمنع صاحبه من الكلام)، أرعبوني، ظننت أن أمرا جللا قد حدث".

العديد من الأمهات يُعانين من صراخ الجماهير المنبعث من المقاهي المجاورة لبيوتهن، قبل المباراة وفي أثنائها وبعدها، يحتضنّ أطفالهنّ الصغار الذين يرتعشون خوفا من صراخ الحناجر وضجيج أبواق السيارات، كما تعاني الأمهات أكثر مع أولادهن المراهقين الذين يُصرّون على الذهاب إلى المقهى لمشاهدة الريال وبرشلونة.

وعكس مباراة الأمس التي لُعِبت في توقيت مبكر، كانت معظم مباريات الكلاسيكو تجري مساء، ومع فارق التوقيت، لا يُسدل الستار  على الكلاسيكو إلا عند منتصف الليل، فيصبح السماح للأطفال بارتياد المقاهي أمرا مستحيلا، لكن لا مستحيل أمام "هوس" الكلاسيكو؛ إذ ينتحب الأطفال ويحتجون بشدة على حرمانهم من متابعة العرض، فتستعين الأم بزوجها ليصطحبه معه إلى المقهى، وفي العديد من الحالات يرفض الوالد، فيلجأ الابن إلى التسلل خارج المنزل.. تهون كل الصعاب في سبيل الكلاسيكو.

فرصة من ذهب

في حين يتسمر السواد الأعظم من الشباب وحتى الأطفال في المغرب، أمام شاشات التلفزيون بالمقاهي، وقت عرض مباريات الكلاسيكو الإسباني، تستغل الفئة المتبقية، غير الآبهة بالقمة الكروية، الفرصة لقضاء مآربها في هذا الوقت بالذات.

يقول عبد الفتاح، تاجر في مدينة سلا، إنه يعتبر وقت "الكلاسيكو" أكبر فرصة للذهاب إلى الحمام الشعبي، للاستحمام هناك بكل حرية وراحة، بعيدا عن الأوقات العادية التي تشهد اكتظاظا، وهي فرصة أيضا للتسوق أو الذهاب عند الحلاق لاستغلال انشغال الأغلبية بالكلاسيكو.

الشوارع غالبا ما تكون خالية وقت عرض المباراة، الكل فاغر فاه والأحداق تركز على الكرة بين الأقدام، وحدهم اللصوص من يستغلون الكلاسيكو لاقتحام شقة أو إفراغ سيارة من محتوياتها، كانوا يجهزون لها منذ أيام وقد واتتهم الآن الفرصة، وفي كثير من الأحياء يتفاجأ عدد من مهووسي الكلاسيكو بسرقة دراجته التي كان يوقفها أمام المقهى، لم يلحظ أنها اختفت إلا عند نهاية المباراة، اللصوص يستغلون الموقف جيدا لكن ليس في كل مرة تسلم الجرة.

الكلاسيكو يُسقط عصابة إجرامية

قبل ثلاثة مواسم، في مباراة البارسا والريال، سنحت فرصة ثمينة لعناصر الدرك الملكي بضاحية بليونش، شمال المملكة، للقيام بعملية كبيرة أدت إلى إسقاط عصابة إجرامية ظلت تروع السكان طيلة شهور.

"كلاسيكو الأرض" جمع بعض المبحوث عنهم.. في إحدى المنازل بالمنطقة، الحماس والصراخ والتأوهات، جعلتهم يغفلون عن الخطر المحدق بهم خلف أسوار المنزل؛ حيث تربص رجال الدرك ينتظرون الفرصة المواتية لجمع الغلة، اقتحموا المنزل وحوّلوا "عرس" المجرمين بالكلاسيكو إلى مأتم، وتم اعتقال الجميع، التحقيقات والتحريات فيما بعد، أظهرت أن عددا من الموقوفين لا يجمعهم بالمجرمين سوى حب برشلونة وريال مدريد، فتم إخلاء سبيلهم، واحتفظ الدرك بالباقين الذين أوقعهم الكلاسيكو في شر أعمالهم.

ظاهرة حديثة 

يرى الدكتور علي الشعباني، أستاذ علم الاجتماع بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمدينة سلا، أن الظاهرة التي خلقها الكلاسيكو بين الريال وبرشلونة لدى شريحة واسعة من الشباب المغربي، أسهم فيها بشكل كبير ظهور قنوات عربية تملكت حق نقلها مباشرة، بتعليق عربي من قلب الملعب.

وأشار إلى أن أنصار الفريقين الإسبانيين ريال مدريد وبرشلونة كانوا في المغرب منذ خمسينيات القرن الماضي، لكنهم لم يكونوا بمثل هذه الكثرة والبهرجة التي تشهدها المقاهي اليوم؛ إذ أسهم ظهور القنوات التلفزيونية في زيادة حدة الظاهرة التي يُغذّيها الإعلام المغربي عبر متابعة التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالمباراة وباللاعبين قبل خوض الكلاسيكو الإسباني وبعده.

وأضاف الدكتور الشعباني، في تصريح لـ"winwin" أن المقاهي أضحت وقت عرض المباراة، تعوض دور السينما والمسرح، ما يخلف انتعاشة ملحوظة لمداخيل أرباب المقاهي الذين يمكن اعتبارهم المستفيد الأكبر من هذه الظاهرة.

ويرى الدكتور الشعباني أن المستوى المنخفض للرياضة الوطنية عموما وللدوري المغربي على وجه الخصوص مقارنة بدوريات أوروبا، أسهم في حدة هذه الظاهرة، لا سيما مع ظهور بعض الأخبار التي تفيد باختلاسات لبعض المسؤولين وأنباء عن فساد في ذمة بعض الحكام واللاعبين، ما أسهم  في العزوف عن متابعة البطولة المحلية والتوجه نحو البطولات الأجنبية وفي مقدمتها الإسبانية.

شارك: