عبد المنعم سعيد.. كرة القدم خارطة تقرأ من خلالها ملامح وطن

تحديثات مباشرة
Off
2023-06-17 13:27
أرشيفية - فرحة حصاد كأس الأمم الأفريقية سنة 2008 هي الأبهى في الكرة المصرية (Getty)
وسام كنعان
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

لم تكن كرة القدّم يوماً مجرّد لعبة! إنها أكثر من ذلك بكثير، بعيداً عن مقوّماتها وغوايتها وقدرتها على صوغ السحر، وصناعة الدهشة، كذلك يمكن اعتبارها رافداً اقتصادياً حقيقياً، إضافة لما تمثّله للشعوب في بطولاتها من انتصارات تفوق نشوتها أي انتصار سياسي أو عسكري، وربما أكبر شاهد على ذلك ما قامت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس، حين حرّضت فريق بلادها لكي يبذل كلّ ما بوسعه على أرض الميدان، فيما ترك رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير اجتماعات القمة الأوروبية كي يشاهد مباراة للفريق الإنجليزي معتبراً نفسه بأنه ينجز المهمة السياسية الأكثر ثراء وأهمية.

"كرة القدم بجماهيرها وفرحتها ومهرجاناتها تمثّل حياة كاملة، وتستطيع أن تقرأ ملامح مستقبل وطن بأكمله من خلالها" هذه قراءة منطقية وبليغة لم تأتِ على لسان شاعر أو أديب أو فنّان، إنما تعود للدكتور عبد المنعم سعيد، وهو واحد من أهم الكتاب والمفكرين المصريين، الذي شغل منصب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، وهو رئيس مجلس إدارة المصري اليوم، والرئيس السابق لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام، وعضو سابق بمجلس الشورى، كما أنه باحث زميل لمنظمة بروكنجز في الولايات المتحدة الأمريكية (واشنطن 1987) وعمل أيضاً كمستشار سياسي للديوان الأميري القطري (1990 - 1993) وله مؤلفات كثيرة معنية بالنظام العالمي الجديد، والشؤون العربية، والشراكة الأوروبية، والصراع العربي الإسرائيلي.

كذلك له مقالات حول القضايا الأمنية في الشرق الأوسط، والسياسة المصرية والحد من التسلّح. هذا بالإضافة إلى مؤلفات عديدة نشرت في الولايات المتحدة الأمريكية، وآسيا، وأوروبا.

طيّب، هل يمكن لمختص بكلّ هذه الأمور المعقّدة التي تعتمد على المناهج العلمية الدقيقة أن يهتمّ بكرة القدم، أو يشاهد مبارياتها؟!

ولما الغرابة، ما دام أن البروفيسور عبد المنعم سعيد  كان من أكثر المغرمين بكرة القدم، وينطلق منها معتبرها بمثابة خارطة يقرأ من خلالها توجهات الجماهير، وعدسة مكبرة تكشف له ملامح مجتمع كامل.

أدرك هذا الكاتب تماماً أن الأفكار الكبرى يمكن تمريرها بسهولة وخفة إذا كان عالم كرة القدم مدخلها؛ لذا كتب العديد من المقالات عن الساحرة المستديرة، متكئاً على فكرة أنه على البساط الأخضر وحده يستطيع الكاتب الماهر أن يشركك أفكاره ويوصل إليك قناعاته بسهولة، عدا عن رواج الحكمة المصرية القائلة: «إذا أردت أن تصل إلى قلوب المصريين بسرعة الصاروخ حدثهم عمّا يحبون: عن الموالد والصبر والقدرة على التحمل، وإياك أن تكل أو تمل من الحديث عن كرة القدم".

ولعلّ الكرة المصرية قد سنحت لها الفرصة لتنعش جماهيرها في أكثر من محفل بينها الوصول الدراماتيكي إلى المونديال سنة 2018 وصولات الكابتن محمد أبو تريكة الشهيرة، واحتفاله بطريقة التضامن الصريح مع غزّة، ثم اقتحام محمد صلاح لقارة أوروبا، وتسجيل اسمه بماء الذهب في سجلات واحد من أكبر أنديتها وهو ليفربول.

فيما تظلّ فرحة حصاد كأس الأمم الأفريقية سنة 2008 هي الأبهى في الكرة المصرية رغم أنها كانت المرة السادسة التي تتوج فيها مصر حينها تركت كرة القدم دلالات تختلف عن الصورة البرّانية في وجوه الناس وفرحها العميق، وعيون الأطفال وبريقها اللامع، والزغاريد التي غزت البلاد.

يومها ترجم عبد المنعم سعيد تلك اللحظات فكتب: "وخلال هذه الساعات كانت مصر آمنة بأكثر من أي يوم مضى؛ حيث لم تحدث حادثة واحدة، ولا جرى تصادم واحد، وعاد الناس إلى بيوتهم بالفرحة والسعادة كما لم يحدث منذ وقت طويل".

إنه الرضا المطلق والشعور بالزهو والانتصار كما لم تشعر في أي مكان آخر بعيداً ع الرياضة بالعموم وكرة القدم بشكل خاص؛ لكن لماذا كان هذا اللقب والفرحة التي رافقته استثنائية إلى هذا الحد؟

يجيب عبد المنعم سعيد في مقال "مصر والمصريون وكرة القدم"، فيقول: "من يعرف التاريخ فإن الخروج المصري هذه المرة لم يكن جديداً، فقد جرى مثله في مرات سابقة عندما حصل المصريون على كأس أفريقيا أو عندما ذهبوا إلى كأس العالم، ولكن الجديد كان في شكل المصريين سواء من حيث الملبس أو الشعارات والأغاني والأهازيج والشارات والعلامات".

وببساطة كان هناك جيل مصري جديد يعلن عن نفسه. تشعر عندما تشاهده أنه يفعل ذلك من خلال وعي كامل بأنه سوف يكون على كل شبكات التلفزيون العالمية والعربية والمحلية، هو جيل الفضائيات والكمبيوتر والمدوّنات والتليفون المحمول والتواصل الكوني والعولمة، فلم يكن في الأمر صدفة إطلاقا وأن كثيراً من اللافتات كانت مكتوبة باللغة الإنجليزية".

ربّما هذا ما كان يرمي إليه سعيد في قراءته العميقة لكرة القدم، خاصة أن الجيل الجديد الذي يواكبها يملك نظرة مختلفة، ورؤية متوهجة، ومسوّرة  بالعلم والمعرفة والتكنولوجيا، تبتعد تماماً عن المغالاة والتطرف، وربما تكون كرة القدم معياراً حقيقياً لدراسة هذه الأجيال والتأثير فيها.

شارك: