عام التفاؤل بسلام المونديال واعتراف الزعيم
يسحرنا خيطُ الفجر اليوم الأول ليناير/ كانون الثاني من عام 2023 بروعة البهيج للنفوس، والتي قدّر الله لها أن تواصل التعايش لما شاء من سنين قادمة، فيما ودّعنا أعزّ الأحباب والأصحاب الذين رافقوا مسيرتنا وتوفوا لأسباب شتّى، ولم يبقَ منهم سوى صورهم ورسائلهم وأصواتهم المُسجّلة، نعيد الاستماع إليها، لتذوب قلوبنا كشموع الميلاد في احتفالهم الافتراضي معنا لحظة استذكارهم بدموع الوفاء.
يناير الخير والسلام، هكذا يتطلّع المتفائِلون من أهل الرياضة بأن القادم أفضل وأسْعَد عطفًا على خواتيم سنة 2022، التي أهدَتْ فيها قطر الكون أجمل نسخة موندياليّة، بالرقم 22، ما زالت حديث الناس بمن فيهم غير المهتمّين بكرة القدم، فالتجمّع الاجتماعي العالمي على أرض العرب صحّح مفاهيم خاطِئة عن استراتيجيّتهم الإنسانية التي لا يشوبها العُنف، ولا التهديد، ولا العنصريّة، لقاطني أوروبا وبقيّة القارات الذين نسجوا على منوال حملات فكريّة لمُغرضين حدّدوا في أذهانهم سلوكيّات سيّئة تدين العرب ومنطق مواجهتهم في الحياة العامة، فكانت صدمتهم كبيرة عندما اكتشفوا زيف ذلك، وأيقنوا أن حركة التعايش السلمي بين ملاعب المونديال الثمانية، والأسواق، والساحات الكبيرة، هي من أسّستْ بشكل عفويّ سكّة تواصل متعدّدة الاتجاهات الآمنة، تلتقي كُلّها في محطّات الصداقة والتقارب.
ومن العراق، نطلقُ أمانينا في العام الجديد مع فرح مدينة البصرة الغامرة، وهي ترتدي ثوب الاحتفال الكبير بعد خمسة أيام، وسط جمهرة خليجيّة تعيش أجواء التنافس الكروي الخامس والعشرين في البطولة الأعزّ على قلوب العراقيين "كأس الخليج العربي"؛ إذ استنفرتْ كلّ أجهزة البصرة الخدميّة والرسميّة مؤكّدة استحقاق المدينة تضييف الحدث الأبرز بعد انتظار دام 13 عامًا، منذ تنظيم اليمن النسخة 20، وبدوره أبدى الجمهور البصري تفاعلًا كبيرًا مع ودّيتي ملعب الميناء الأولمبي لمناسبة افتتاحه؛ الأولى جمعت فريقي الميناء والكويت الكويتي في مباراة حسمها الأشقاء الكويتيين بهدفين مقابل هدف، وفي الثانية، قدّم منتخبا العراق والكويت واحدة من أجمل ديربيّاتهما المثيرة، وآلت النتيجة للأسود بهدف واحد، وكان للحضور الجماهيري هيبته المُكمّلة لأصول الضيافة بهتافه: "الدار دارك يا خليجي، ومرحبا".
عام جديد حافل بأهم البطولات والفعاليات على مستوى ألعاب غير كرة القدم، تتطلّب من اللجان الأولمبية العربيّة واتحاداتها تغيير أنماط الاستعداد، وتهيئة مستلزمات صناعة الإنجاز النوعي لأبطال استثنائيين، فلم يعد مقبولًا تحقيق الأرقام ذاتها من عدّائين يراوحون في مراكزهم من دون تحسينها، ولا يمكن استمرار عقود مدرّبين مُكلّفين بتأهيل مُصارعين ومُبارزين وملاكمين، وممارسي بقية الألعاب الفرديّة، لبطولات قارّية، دون أن ينجحوا في إثبات قدراتهم ضمن مسابقات إقليميّة محدودة، ومن المُخجل أن تبقى مشاركات بعض الفرق العربية "شرفيّة" في محافل تودّعها بعد يومين من حضورها ضمن طابور رفع أعلام الدول في حفل الافتتاح!
ليكن عام 2023 عام تنفيذ الوعود في مشاريع تلاعبت فيها ظروف العام السابق اقتصاديًا وسياسيًا، وارتبطت بعوامل خارجة عن إرادة مؤسّسات الرياضة العربيّة، وبعضها من داخلها نتيجة الكسل وغياب الرقابة وسوء اختيار الأشخاص المُناطة بهم إنجاز تلك المشاريع، خاصّة التي تُعنى برعاية الفئات السنية -أمل رياضة العرب- في دورات الأولمبياد مستقبلًا، وهو ما تغفلت عنه قيادات الرياضة، وتبقى توجّه كلّ أموالها نحو المتقدّمين برغم تقدمهم بالسن، ويُفترَض أن ينال الموهوبون قسطًا وافرًا من الميزانيّة ليجاروا نظرائهم في المستوى، ويتم اعتمادهم للأعوام الخمسة القادمة ضمن الخطّة المرسومة.
وكان لعام 2022 دروس عظيمة ينبغي الاستفادة منها، فـ"مَن صبَرَ ظَفِرَ"، كالبطل ليونيل ميسي، الذي لم ييأس بعد ضياع فرصة نهائي مونديال 2014 بخسارة منتخبه أمام ألمانيا بهدف ماريو غوتزه (ق 113)، وظلّ ميسي يواصل طموحه بالتتويج المونديالي الذي فشل في تحقيقه 4 مرّات، حتى أخرج ورفاقه من اللاعبين الشعب الأرجنتيني بفرح هيستيري في مساء الدوحة "ظهيرة بوينس آيرس" 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في يوم لن تنساه بلاد التانغو بعدما هزموا فرنسا بركلات الترجيح، وما إن أقتربت عقارب الساعة لوداع عام الزعامة، حتى أعترف ميسي في حسابه بـ"إنستغرام" قائلًا: "كلّ ما جرى في قطر لم يكن له قيمة لولا حقيقة أنني شاركتُ حلم كأس العالم مع عائلة رائعة وبعض الأصدقاء، الذين يدعمونني دائمًا ولم يسمحوا لي بالبقاء على الأرض عقب كل مرّة أسقط فيها".
وبما أن للإعلام المرئي والمكتوب والمسموع الأدوار المؤثّرة في نقل الحقائق للجمهور، وتوثيق جميع الأحداث التي شهدها عام 2022، مع إيداعها ضمن موسوعة الأرشفة الكبيرة، فهناك من زيّفَ التاريخ بمعلومات أساءت إلى رياضي أو مسؤول أو مؤسّسة نتيجة صراعات شخصيّة اتخذت من الإعلام جسرًا لتأمين صفقات الابتزاز والفساد والتسقيط بلا أدنى مستوى من أخلاقيات المهنة، ولم تترتّب أي تبعات قانونية رادعة، وسَلِمَ الخرق الإعلامي من المُحاسبة بذريعة ممارسة العمل المكفول بحريّة السُلطة الرابعة! وبعض وقائع العام الفائت فضحت انفلات عدد غير قليل من الزملاء بالمبادئ المحدّدة لحرية الصحافة، فالجُرأة لا تعني التنكيل أو الاستهزاء أو التلفيق في برنامج ناقم على المسؤول كنوع من استعراض حريّة التعبير، بل هي سلوك مُنحرف يجب أن يتم التصدّي له، لا التساهل معه أو تبريره، وبالتالي تغدو ظاهرة سلبية غير مُسيطَرٍ عليها!
ليكن شعار كل رياضي طموح يستقبل عام 2023 "إرادتي أقوى ممّا مضى"، فهي وحدها من تتحكّم بمصيره وتقوده إلى أعلى قِمم المجد.