شيطنة الأهلي: الواضحات من الفاضحات..!

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-07-28 13:32
حسين الشحات لاعب الأهلي المصري (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

في هذا الصيف الكروي المصري الملتهب في أحداثه التي غالبًا ما تصنعها الدراما الإعلامية، تحتار ويحتار دليلك وأنت تبحث في متاهة إعلام الإثارة عن الإيمان والفقه والحكمة التي اغتالها من يدعون الحكمة والمظلومية.

لا أريد أن أتوقف كثيرًا عند حادثة مهاجم الأهلي حسين الشحات ومدافع بيراميدز المغربي محمد الشيبي، ليس هروبًا من الجدل العقيم الذي أحاط بالحادثة، ولكن لأن أي اجتهاد في قراءة أبعاد ما حدث صار مجرد طحن للطحين، على أساس أن توضيح الواضحات من الفاضحات.

تعددت أنماط السلوك السلبي في مختلف وسائل الإعلام الرياضية المصرية (مقروءة ومرئية ومسموعة)، وللأسف إن هذه الأنماط التي تزامنت مع مواسم التكاذب، تخلط بين الحرية الشخصية، وبين الحيلولة دون إلحاق الأذى بحقوق الآخرين.

ما ذنب كل مصري أن يستنشق صباحًا ومساء البرامج الرياضية الخالية من المحتوى، والتي يغلب عليها طابع الانفعال والتعصب، فتخرج الحبة من أفواه الإعلاميين بحجم القبة، ولا عزاء للمهنية أو لميثاق الشرف المهني الرفيع.

معظم اللاعبين الذين امتهنوا الإعلام الرياضي على حين غرة، يرفضون أن يكونوا واجهة مشرفة للإعلام الواعي الهادف، الذي ينتقد السلبيات دون تجريح، ويعالج المشاكل دون تهور.

لماذا لا يتعلم هؤلاء اللاعبون وقار المهنية الإعلامية من إعلاميين مهنيين سابقين لم يكتسبوا حضورهم على الساحة إلا بالطرح العقلاني الخالي من بهارات الإثارة الرخيصة وتوابل الاستهداف المفبرك؟ 

أحسب نفسي متابعًا حصيفًا وجادًا للصحافة الرياضية المصرية، وكثيرة هي المرات التي سجلت فيها إعجابي بالرعيل الأول الذي قاده الرمز نجيب المستكاوي، ثم تنامى هذا الإعجاب بمتابعة أفكار إبراهيم حجازي وفتحي سند وإبراهيم المنيسي وحسن المستكاوي، والقائمة تطول ولا شك.

هؤلاء الإعلاميون العمالقة الذين تجردوا عند الكتابة والمداخلات من الانتماء وكيد النفس الأمارة بالسوء، دخلوا قلوب كل المصريين وعقولهم بالتوازن في الطرح والثبات على المبدأ، والاقتناع بأن الاختلاف في الرأي ثراء للفكرة وصقل للعبرة.

الغريب والمريب أن بيئة الإعلام الرياضي المصري بيئة موبوءة بالتعصب الأرعن للأندية، ليس فيها منزلة في الوسط، والبركة في هؤلاء الدخلاء الذين قفزوا إلى الساحة الإعلامية بمظلة نجومية الملاعب. 

بحسبة بسيطة جدًا، لا يريد هؤلاء الذين ينفخون في كير الفتن والتعصب أن يفهموا أنهم يدخلون كل بيت دون استئذان، وأن طرحهم المتشنج والمتشبع بثقافة التعصب كفيل بإيقاظ كل الشياطين وتحريرها من أصفادها.

يجدر بأمثالهم أن يضعوا علاقتهم بالأندية والأطر الرياضية في إطارها المعرفي القائم على الندية وليس التبعية.

أعرف أن الصحافة ضمير يتجرد من أنانيته ومن نزواته ومن ميوله، وأمر أن يتحول الإعلامي إلى بوق داعية لهذا أو ذاك ينسف عمله ويحوله من خانة الموجه إلى خانة التابع بصورة تثير الإشفاف.

لقد امتلأ الفضاء بوسائل إعلام لا حصر لها، من صحف ورقية وإلكترونية وإذاعات وقنوات فضائية، ومع هذا الكم الليموني الخالي من الكيف تضاعف عدد المرتهنين لمصالحهم الخاصة، تمامًا مثلما تزايد عدد الذين لا يكتفون بأخذ الحليب من البقرة وإنما خوارها أيضًا.

صار عندنا فضائيات تكرس برامجها للشتيمة والنميمة، وأصبح عندنا قنوات تكذب كل دقيقة دون خجل، وبات عندنا محطات تحرض على الفتن، وتقلب الحقائق، وتلعب بالنار دون حسيب أو رقيب.

أما المبكي والمضحك معًا في مسلسل شر البلية، فهو تكاثر عدد صناع الضياع الذين يصرخون أمام الميكروفون في حادثة الشحات والشيبي العادية، ولا يقولون شيئًا مفيدًا أو حتى غير مفيد، فقط "سين وسوف"، فلا "سين" تأتي ولا "سوف" تحصل.

والأغرب من الإبل أن طابورًا طويلًا من دخلاء على باب الله والرزق يحب الخفية وحتى المتخلفين ذهنيًا يقدمون برامج رياضية يتم فيها استهلاك نفس الوجوه ونفس الأفكار، والنتيجة المنطقية لهذا العبث الإعلامي المزيد من التطاحن على أرض الواقع. 

وعودة إلى البدء: حسين الشحات أخطأ في رد الفعل تجاه مناوشة كلامية معيبة مع محمد الشيبي، انتهت بالأحضان وتبادل أرق كلمات الاعتذار بكل روح رياضية، من دون أن يشفع هذا الاعتذار للشحات الذي نال عقوبة فورية من النادي الأهلي، تمامًا مثلما نال جزاءه من طرف لجنة المسابقات بتغريمه عشرين ألف جنية مع إيقافه مباراتين.

حادثة عادية تحدث في مختلف ملاعب العالم؛ ولكن لأن النفوس شتى والضمائر مليئة بالكثير حتى تجاه النادي الأهلي، فقد اتخذ بعض المتعصبين من الحادثة مسمار جحا للوقيعة بين النادي الأهلي والجامعة المغربية لكرة القدم، وناديي الوداد والرجاء المغربيين، والحمد لله أن العقلاء هناك تصدوا لهذا المخطط الخبيث الذي كان هدفه تسميم العلاقات الأهلاوية المغربية، مفوتين الفرصة على النافخين في كير الفتن.

احترامي وتقديري للمجلس الأعلى للإعلام المصري يحتمان عليَّ المرور على مواقفه السلبية إزاء ما يحدث مرور الكرام، ومروري هذا يفصل بينه وبين مرور اللئام خيط رفيع يفترض أن يراه بوضوح الأستاذ كرم جبر رئيس المجلس.

لا شك أن كل مصري غيور على سمعة البلاد والعباد يشعر بإحباط لا مثيل له، وهو يرى المجلس بلا حول ولا قوة، يشاهد التراجيديا الإعلامية الفاقعة رافعًا "لاءات (بوذا) الثلاث": "لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم".

وإذا كان لاعب مثل حسين الشحات يضرب كفًا بكف ويقول حسبي الله ونعم الوكيل في إعلام متعصب يكذب حد الفجور، فذلك لأن دراما الألسن الطويلة التي تخوض في الأعراض تفرعنت وتجبرت وهي تختلق الكثير من الادعاءات الجوفاء البعيدة عن القيم والمبادئ الأخلاقية. 

لست هنا في وارد الانشغال عن الفكرة بالأسماء، لكن الواقع أن إعلاميين بعينهم يشيطنون الأهلي، ويمارسون عمليات تثوير ضد لاعبيه بمناسبة وبدون مناسبة، وهؤلاء الذين شبوا عن الطوق أدمنوا مبدأ خالف تعرف، واستحلوا التغريد خارج سرب الموضوعية، عملًا بقاعدة أنه من أمن العقوبة أساء الأدب.

لا غبار على مهنية وحنكة وبراعة الأستاذ كرم جبر، لكن الغبار كله حول موقف المجلس من هذا الانفلات الإعلامي الخطير وغير المسبوق، انفلات  يضع المجلس الأعلى للإعلام أمام حتمية ضبط بوصلة الخطاب الإعلامي الرياضي، إذا لم يكن عملًا بالمثل: "اقطع عرقًا وسيح دمًا"، فعلى الأقل انتصارًا للبيت الشعري الشهير: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

شارك: