زياش "الساحر".. أعطه الحب والثقة وسيموت من أجلك

تاريخ النشر:
2022-12-04 16:53
-
آخر تعديل:
2022-12-04 16:57
المغربي حكيم زياش يصنع الحدث بمردود استثنائي في نهائيات كأس العالم قطر 2022 (winwin)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

خطف حكيم زياش، نجم المنتخب المغربي، الأضواء في مونديال قطر، بعد العروض القوية التي قدّمها في مباريات الدور الأول ضمن المجموعة السادسة للبطولة، ما جعل الإعلام الإسباني يسلط الضوء على جناح تشيلسي الإنجليزي أكثر من أي لاعب آخر داخل صفوف "الأسود"، قبل المباراة التي ستجمع المنتخبين المغربي والإسباني يوم الثلاثاء المقبل، لحساب دور الـ16 على ملعب المدينة التعليمية.

قدّم زياش على ملاعب قطر "أفضل نسخة منه" على الإطلاق، في جميع مبارياته التي أجراها مع منتخب المغرب، منذ التحاقه به لأول مرة قبل حوالي سبع سنوات.

ويأتي توهج زياش المونديالي بعدما عانى اللاعب صاحب الـ29 عامًا من ترديد اسمه بصورة سلبية؛ سواء في هولندا بلد نشأته، أو في المغرب بلده الأصلي.. لقد قيل عن زياش إنه لاعب مزاجي، متقلب، ضال، ومغرور أيضًا، لكن المدير الفني لمنتخب المغرب، وليد الركراكي، بدا مؤمنًا بمقومات وخصال لاعبه، ليقول: "حكيم زياش لاعب إذا أعطيته الحب؛ فسيموت من أجلك".

الإدمان ومشاكل مع الشرطة.. مجرد هراء!

وُلِد زياش في دونتين بهولندا عام 1993، وعكس ما راج حولها، فطفولة حكيم لم تكن بذلك السوء الذي تردد حول "انحرافه أو إدمانه المخدرات". يقول عبد الرزاق ذو الفقار، أحد أقدم المحترفين المغاربة في الدوري الهولندي، إن زياش تربى في كنف عائلة كروية بامتياز، وأن أشقاء حكيم الكبار مارسوا كرة القدم قبله، وكان لهم مستوى جيد حتى أفضل من حكيم نفسه، وتابع ذو الفقار في حديث لـ"winwin": "كل ما قيل عن انحراف زياش كذب محض، لقد بدأ مساره الرياضي مثل معظم اللاعبين، من الشارع والحي، متأثرًا بإخوته الأكبر منه سنًّا؛ عصام وفوزي وعبد الله، فوزي هو الابن البكر، والأب الثاني لحكيم بعد وفاة والده، وهو مَن أشرف على مسار حكيم الرياضي منذ صغره، إلى جانب والدته التي تعبت من أجل تربية أولادها. صحيح أن الأسرة عانت صعوبات كبرى بعد وفاة الأب، لكن كل ما راج حول الانحراف والمخدرات مجرد ادّعاءات باطلة"

وأكد ذو الفقار، صديق أسرة حكيم زياش، أن صحفيًا فرنسيًّا هو مَن فبرك قصة انحراف زياش في صغره، ودخوله عالم الجريمة وإثارة مشاكل مع الشرطة، ثم انتشرت هذه "الحكاية الخيالية" في الإعلام العربي والمغربي، وأضاف مؤكدًا: "زياش صديق ابني، قد لعبا معًا الكرة في هولندا، قبل انتقال نجلي إلى الدوري السلوفاكي، بينما انتقل حكيم إلى تشيلسي في إنجلترا.. أعرفه (زياش) منذ كان طفلًا صغيرًا. لقد كان مثلما عليه الحال لباقي الأطفال في جميع أنحاء العالم؛ لكنه كان يختلف من حيث الموهبة؛ لأنه لاعب مهاري.. زياش الآن لاعب كبير يعرفه العالم، بينما الصحفي الفرنسي الذي نتحدث عنه سيظل مغمورًا".

في سن التاسعة، التحق حكيم بنادي هيرنفين الهولندي، واستمر في تلقي تكوينه الكروي والتعليمي حتى بلغ عمر الـ19 سنة.. بين التدريبات وحجرات الدراسة، أمضى زياش عشر سنوات، وعن كل ذلك، أضاف ذو الفقار: "متى انحرف زياش؟! وهل سيسمح هيرنفين لطفل منحرف، ولديه مشاكل مع الشرطة، بأن ينضم للنادي، ويواصل تكوينه مع بقية زملائه؟ لا تُصدِّقوا هذه الترهات!".

في تلك الفترة، انضم زياش للمنتخب الهولندي لأقل من 20 سنة، وتنبأ له مدربوه بمستقبل كروي زاهر، ما دعا أكبر نادٍ في هولندا، أياكس أمستردام، إلى جلب حكيم لصفوفه، قبل أن يخرج زياش "مُعارًا" لموسم واحد إلى نادي تفينتي، لينضج أكثر ويكتسب التجربة، وبعدها، عاد حكيم إلى أياكس، وقصة تألقه هناك يعرفها الجميع.

رأس صلب ..والقلب هو مَن يختار

لم يتملك أسطورة كرة القدم الهولندية ماركو فان باستن نفسه، وهو يطالع خبر اختيار زياش تمثيل المنتخب المغربي عام 2015. فان باستن لديه معرفة وثيقة بحكيم ومقوماته؛ إذ أشرف على تدريبه وهو في فئة الشباب في نادي هيرنفين.

يحكي ماركو في لقاء صحافي سابق عن تلك اللحظة قائلًا: "لم أصدق أن حكيم فعل ذلك، خاصةً أنه استُدعي لمنتخب الطواحين؛ لكنه لم يشارك معهم بداعي الإصابة، لكنني صُدِمت بخبر تغيير جنسيته الرياضية. توجهت مسرعًا إلى سيارتي وانتقلت إلى منزل زياش، لأصفعه على اختياره، وحينما التقيته صرخت فيه قائلًا: كيف يمكنك أن تكون غبيًا لدرجه اختيار اللعب مع المغرب وأنت في قائمة منتخب هولندا؟".

كان عمر زياش حينها 19 عامًا وأربعة أشهر، كان مقتنعًا باختياره، وعن ذلك قال فان باستن: "بعدما تحدثت معه، أيقنت أن قراره لا رجعة فيه، أنا أعرف رأسه الصلب جيدًا، وتابع فان باستن: "قال يومها إن اختيار المنتخب الوطني الذي تمثله لا يتم بالعقل بل بالقلب"، قبل أن يضيف زياش في حديثه إلى فان باستن، حسبما روى الأخير: "صحيح أنني وُلِدت في هولندا، لكنني كنت أشعر دائمًا بأنني مغربي، أعلم أن الكثير من الناس لن يفهموا ذلك الشعور أبدًا".

المغرب أمي

مع المنتخب المغربي، عاش زياش تقلبات مثيرة؛ إذ وضعه الفرنسي هيرفي رينارد، مدرب المنتخب المغربي الأسبق، خلف ظهره، تحضيرًا لنهائيات كأس الأمم الأفريقية "الغابون 2017"، وبعدها بـ4 سنوات، استبعده وحيد حاليلوزيتش، مدرب المنتخب المغربي السابق، من قائمة الفريق المشاركة في كأس أمم أفريقيا 2021 بسبب "عدم الانضباط".

وفي كلتا المرتين، استغل الإعلام الهولندي الموضوع للرقص فوق جراح زياش، حتى أن صحافيًا يمثل قناة تليفزيونية هولندية انتظر زياش ذات مرة ليسأله على الهواء مباشرةً: "المنتخب المغربي هناك في الغابون، يشارك في كأس أفريقيا بعد طردك من صفوفه، لا شك أنك نادم على اختيار المغرب على حساب هولندا؟!"، وهنا، لم يتردد زياش في رمي الصحفي بجواب ظل خالدًا؛ إذ قال موجهًا كلامه إلى الصحفي: "هل أنت نادم لأن أمك هي أمك؟! المغرب أمي، ولا أحد يستطيع أن يختار أمه حتى يندم على ذلك"، هذا الجواب المفحِم من حكيم كان نبراسًا أضاء طريق العديد من اللاعبين المغاربة في أوروبا، آخرهم بلال الخنوس (18 سنة)، نجم جينك البلجيكي والمنتخب المغربي، الذي أكد في حوار سابق مع "winwin" أن ذلك التصريح من زياش ظل يرن في أذنه منذ طفولته، وأن حكيم زياش قدوته في كرة القدم، قبل أن يكون زميله اليوم في المنتخب المغربي.

حتى لو زحف حاليلوزيتش على بطنه لن أعود

قبل أزمته مع حاليلوزيتش، توجه زياش، بعد إحدى الحصص التدريبية برفقة المنتخب في مركز محمد السادس بالمعمورة، إلى فوزي لقجع رئيس الاتحاد المغربي، ومعه أمين حارث ونصير مزراوي ويونس بلهندة، وصارحوه بأنهم لا يطيقوا العمل مع مدرب تجاوز عقده السابع؛ إذ يستحيل التفاهم معه، وطالب الأربعة رئيس الاتحاد بالتعاقد مع مدرب شاب يفهمهم ويفهمونه.. بعدها لم يعد اللاعبون الأربعة إلى المنتخب المغربي لأسباب مختلفة، لكن هذه الأسباب اجتمعت على رفضهم لأسلوب حاليلوزيتش في التعامل مع اللاعبين.

بعد ذلك بأسابيع قليلة، صرّح زياش، على هامش مشاركة ناديه تشيلسي في كأس العالم للأندية 2021 بالإمارات العربية المتحدة، قائلًا إنه لن يعود مرةً أخرى للمنتخب المغربي، وحينما ضغط الاتحاد المغربي على حاليلوزيتش لإعادة "المغضوب عليهم"، غرّد زياش على حسابه بإنستغرام قائلًا: "لو زحف حاليلوزيتش على بطنه، لن ألعب تحت قيادته".. لقد كان فان باستن صادقًا جدًا، حينما وصف رأسه بالصلب قبل سنوات.

نسخة مختلفة مع الركراكي

وصول وليد الركراكي للمنتخب المغربي أعاد زياش للأسود، وأعاد جميع المغضوب عليهم؛ حارث وبلهندة ومزراوي وأيضًا عبد الرزاق حمد الله؛ لأن وليد هو واحد من هؤلاء. لقد وُلد الركراكي في فرنسا وتلقى تكوينه هناك، ولعب لعدة أندية في أوروبا، ويعرف جيدًا كيف يتعامل مع منتخب يضم محترفين ترعرعوا في بلدان القارة العجوز، وفي أحياء مدنها الفقيرة على الخصوص.

إن زياش الذي نراه اليوم لم نره لا مع الفرنسي رينارد، ولا مع البوسني حاليلوزيتش.. إنه نسخة جديدة تمامًا، يدافع ويهاجم بسخاء كبير، الركراكي أخرج أفضل ما لديه، وعن ذلك يقول المدير الفني المغربي: "إنه أمر لا يُصدَّق، كثير من الناس يقولون إن حكيم فتى يصعب التعامل معه، لكن ما أراه هو أنه (لاعب) إذا منحته الحب والثقة؛ فإنه سيموت من أجلك، لقد أعاد كل الثقة التي كنت أعطيها له مُضاعفةً.. أنا مدين لهذا الساحر الفنان".

"ينتفون شعرهم" حسرة في هولندا

وبالقدر الذي يُدخِل فيه "الساحر زياش" السعادة على قلوب المغاربة، فإنهم في هولندا لا يزالون "ينتفون شعورهم" حسرةً على ضياع موهبة حكيم من بين أيديهم.. يقول رافاييل فان دير فارت، اللاعب السابق لمنتخب الطواحين ولريال مدريد الإسباني: "زياش تألق كثيرًا في كأس العالم أمام منتخبات كبيرة؛ كرواتيا وبلجيكا وكندا.. أتوقع أن يُشكِّل زياش مصدر إزعاج كبير لمنتخب إسبانيا في الدور المقبل، لديه جودة قلَّ نظيرُها في اللعب".

فان دير فارت، الذي يعرف زياش عن كثب بحكم إشرافه على تدريبه في المنتخب الهولندي تحت 17 و19 سنة، أبدى حسرته، في تصريح نقلته صحيفة "ماركا" الإسبانية، على عدم تمثيل اللاعب المغربي للمنتخب البرتقالي، وتابع: "في كل مرة أراه يلعب؛ أتحسر على عدم لعبه مع هولندا.. ليس لدينا اليوم لاعب بمواصفاته، ربما كان القطعة التي نحتاجها، لنصبح منتخبًا عظيمًا في نسخة كأس العالم بقطر".

شارك: