زوابع في فنجان مونديال قطر..!

2022-10-08 16:32
شعار بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

كم كنت أتمنى ألَّا يأتي اسم منتخب الدنمارك في مقالتي هذه إلا مقصورًا على حظوظه في نهائيات مونديال قطر، فهذا هو الوقت المناسب لتحليل المنتخبات، خصوصًا وقد أصبحنا على مرمى حجر من دخول معمعة النهائيات.

وكنت أتمنى أن تقتصر مقالتي على نقاط قوة وضعف منتخب الدنمارك، وإمكانية مقارعة فرنسا وأستراليا وتونس، وهي المنتخبات التي تنتمي للمجموعة الرابعة، غير أن موقف الدنماركيين من مونديال قطر أجبرني على تغيير بوصلة مقالتي من التحليل إلى النقد على طريقة "من طرق الباب لقيَ الجواب".

لست في حاجة إلى التفتيش في دفاتر الدنمارك القديمة، ليس لأن في ذمتها الكثير من المواقف المعادية لديننا الحنيف ورسولنا الكريم الذي لا ينطق عن الهوى، ولكن لأن الزوابع التي أطلقها الدنماركيون تجاه مونديال قطر أضحكتني لسببين:

  • الأول: لأن شر البلية ما يضحك
  • والثاني: يتعلق بحقوق الإنسان، واحترام الأديان، وما وراء مصالح البلدان.. من هذا المنطلق، فإن آخر بلد يمكنه الحديث عن الإنسانية والقيم والمبادئ العادلة هي الدنمارك، "وإن كنت يا شعب الجبنة والزبدة ناسي أفكرك".

قد يرى بعضكم -بحكم عاداتنا العربية الأصيلة- أننا شعب مضياف، لا نذم ضيفًا تستعد قدماه لتطأ أرضنا، وقد يرى بعضكم الآخر أنني أنفخ في الجمر بوقت يتطلب فيه الأمر التهدئة، وهذه آراء سطحية لا تعجبني، ولا تتناسب مع طبيعتي كعربي يرى شقيقه يُقذف بتهم كيدية باطلة، ثم يُطلب منه السكوت بحجة التخفيف من وطأة التأجيج الشعبي.

وطالما أن الدنماركيين ألهبوا مشاعر العرب من المحيط إلى الخليج بإساءات بالغة الحدة، ليست ذات إطار قانوني أو إنساني، فلا أرى مبررًا واحدًا يدفعني لمراجعة موقفي المتعصب للجار القريب من الدار، فإذا كانت سياسة الدنمارك تجاه عقيدتنا وقضايانا لم تعجبني أبدًا، فكيف يعجبني الافتراء الصادر عنهم على مونديال قطر دون مبرر معقول أو سبب مقبول؟

لا أبالغ إذا قلت إن العرب يحبذون ويتمنون أن يغادر منتخب الدنمارك من الدور الأول صاغرًا ذليلًا، فليس هناك ما يشجع على مساندة منتخب بلده يتخذ مواقف مضادة من قضايانا العربية، ويسعى إلى تقزيم كل عمل يرفع أسهم عروبتنا في بورصة التميز.

يمكن فهم موقف الدنمارك السلبي من مونديال قطر على أنه غيرة عمياء، لا سيما أن دولة قطر جاهزة "من مجاميعه" لتقديم نسخة عالمية مذهلة ستبقى عالقة في أذهان كل العالم؛ من منطلق أن التجهيزات تقول:

  • "قطر ستبتعد في سباق الاستضافة المدهشة عن الآخرين مليون سنة ضوئية على الأقل".

مخجل جدًا أن بلدًا مثل الدنمارك يخلط بين ماء الرياضة وزيت السياسة، بموقف متشنج يفتقد إلى الكياسة والروح الرياضية، ومعيب أن منتخبًا سيحل ضيفًا يهاجم البلد المستضيف بوابل من الزوابع، هي في الأصل من بنات أفكاره ليس لها أساس من الصحة.

إذا كانت الدنمارك قد خلقت لنفسها عداوة شعبية؛ بسبب إساءاتها المتكررة لرسول الإنسانية السمحاء صلى الله عليه وسلم، فإنها بزوابعها المضللة للرأي العام ضاعفت من حجم هذه العداوة التي ستتحول إلى سخط يضع اللاعبين تحت ضغط نفسي رهيب، فما أقسى أن تلعب في بلد ليس مرحَّبًا بك فيه، وما أصعب أن ترفع رأسك في ملعب عربي ومواقفك من ملاعبه وتجهيزاته عنصرية مقيتة مليئة بكل توابل الحقد والكراهية!

لقد حاولت إقناع نفسي بأننا في بلد التسامح؛ حيث تلتقي الأديان والحضارات دون قيد أو شرط، غير أن الهجوم الدنماركي المباغت على مونديال قطر بكل ما حمل من حجج "غامقة" يدفعني لأن أكون أول من يقول لأحفاد الفايكنغ: "نستقبلكم بشهامتنا العربية على مضض، لكنكم منبوذون بيننا، وأبتهل لرب العباد والبلاد ألّا تطول إقامتكم، وأن تلقوا حملكم حيث ألقت أم قشعم رحلها".

العرب تعاطفوا مع الدنمارك في بطولات كأس العالم

لا يدرك الدنماركيون أننا -نحن العرب- تعاطفنا كثيرًا مع الكرة الدنماركية في بطولات كأس العالم من منطلق كروي بحت، فأنصفنا رفاق مايكل لودروب في بطولة كأس العالم بالمكسيك عام 1986، وتأسفنا كثيرًا عندما خرج بصورة مهينة من الدور ثمن النهائي على يد الماتادور الإسباني بقيادة إيميليو بوتراغينيو، الذي تكفل وحده بتسجيل أربعة أهداف كاملة الدسم من أصل خمسة.

ولا ننسى أننا صفقنا طويلًا لمنتخب الدنمارك واحتفلنا معه على خلفية تتويجه بكأس الأمم الأوروبية عام 1992 في السويد، وهو المنتخب الذي تأهل إلى النهائيات برمية من غير رامٍ، على حساب منتخب يوغوسلافيا المعاقب وقتها سياسيًا.

لم تكن لنا يومًا أسباب تدفعنا لنعادي الدنمارك، هكذا "عمال على بطال"، كما تفعل معنا هذه المملكة، وقد جاء تحول التجربة الدنماركية، المعادية لديننا الحنيف ورسولنا الكريم، من الرسوم المسيئة سيئة السمعة إلى ملاعب كرة القدم بصورة تعكس حقيقة أن الدنمارك فتشت في الورد القطري فلم تجد عيبًا، فاتهمت مونديال قطر بأن ورده أحمر الخدين.

الغريب أن نار الغيرة وعدوى الإنفلونزا الدنماركية انتقلت من أقصى شمال أوروبا إلى جنوبها وغربها، فهذه المدن الفرنسية التي تدعي وصلًا بحقوق الإنسان -وهذه الحقوق لا تقر لها بذلك- تتبنى موقفًا معاديًا لمونديال قطر، يتجسد في الامتناع عن نصب شاشات عملاقة للمشاهدة المجانية في شوارع المدن الكبرى.

وحبذا لو تكشف لنا السلطات الفرنسية عن الأسباب الموضوعية والذاتية لتوضيح قرار المقاطعة بعيدًا عن نكتة الشروط البيئية والاجتماعية "البايخة".. ليس طمعًا في فضح منسوب تزييف الحقائق فحسب، ولكن حتى تتاح لأمثالي فرصة الموت من الضحك.

شارك: