الوداد البيضاوي ولعبة مصارعة الذراعين!

تحديثات مباشرة
Off
2023-07-17 15:17
نادي الوداد الرياضي المغربي (Twitter/WACofficiel)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

حينما تسقط أندية كبيرة داخل المشهد الكروي المغربي، فإن الوضع يعرف تأزمًا، وتبدأ الأسئلة والحيرة تخيم على كل الأجواء، وتبدأ عملية التشريح لمعرفة مكامن الخلل، خاصة إذا تعلق الأمر بالرجاء والوداد البيضاويين، موسم صفري لكليهما محليًا وقاريًا، اهتزت معه أصوات محبيه بالتغيير ولو أدى الأمر لإسقاط رؤوس ظلت قابعة على كرسي الرئاسة لعدة سنوات.

فهناك كراسٍ تلتصق بظهور بعض المسؤولين، وكأنهم ولدوا من أجل ذلك المنصب، وإذا كانَ اعتزال المسؤولين واستقالتهم مسألة شائعة، فإنّ الاستقالة من المنْصب ثقافة غير متداولة في المجتمع المغربي، حيث يتشبّث المسؤولون بمناصبهم حتّى إنْ فشلوا في مهامّهم، أو ارتكبوا أخطاء مثيرة لغضب الرأي العام، ولا يتخلّون عنها إلا إذا أقيلوا.

ففي مجتمعات متحضرة وديمقراطية غربية، لا يتردد الجالسون على كراسي التسيير الرياضي عن تقديم استقالاتهم من مناصبهم وترك الجمل بما حمل إن انتهت فترة ولايتهم وإن هم أخطأوا، بل إنهم لا يترددون عن تقديم استقالاتهم إن وقع خطأ من منهم تحت قيادتهم رغم عدم مسؤوليتهم المباشرة عن هذا الخطأ.

طبعا هذا التقليد السائد في الغرب لا وجود له في أوساطنا حيث يتشبث المسؤول بكرسيه ويتمسك بمقعده ولا يتخلى عن موقعه حتى ولو أخطأ، وإذا وقع خطأ في دائرة اختصاصه ومحيط عمله فإنه يتنصل من المسؤولية ويحمل الأخطاء على مرؤوسيه ويضحي بهم في سبيل البقاء في موقعه متجاهلًا الانتقادات اللاذعة التي توجه إليه والأصوات التي تطالبه في كل أرجاء المدينة برفع شعار “ارحل”.

كذلك المسؤول عندنا يظن إذا تخلى عن كرسيه أو تخلى الكرسي عنه أنه يفقد كل شيء، السلطة النفوذ، وربما أصبح بلا مستقبل، بينما في المجتمعات الديمقراطية يستقيل المسؤول ولا ينقطع عن ممارسة نشاطه، وكم من مسؤول اختلف مع رؤسائه واستقال ثم عاد من خلال الصناديق الزجاجية وإرادة الجماهير.

وفي كل الأحوال فإن الاستقالة تنتهي بصاحبها إلى الدخول في دائرة الظل والويل لمن يدخلون دائرة الظل، حيت ينصرف عنهم لقب سيدي الرئيس والجاه والمنافع والمنافقون والطبالة والانتهازيون ويدير الناس لهم الظهور ويتجاهلون وجودهم.

لذلك يجب ألا نندهش عندما يتمسك المسؤول بأظافره ويعض بالنواجذ على الكرسي الذي يجلس عليه ويقول أنا ومن بعدي الطوفان، وتبًا لمستقبل المهمة الشريفة التي أنيطت به من طرف مَن وضعوا ثقتهم به.

لقد أحدث موقف سعيد الناصيري، رئيس الوداد، انقسامًا حادًا داخل النادي، بدعوته لعقد جمعية عمومية لانتخاب رئيس جديد، ولم يسبق أن مر الوداد بهذا الموقف في آخر السنوات، لطبيعة القرار المفاجئ الذي لم يكن متوقعًا، ولغياب البديل الجاهز لتعويضه في الوقت الحالي، وهي أمور اعتدنا سماعها كلما وقعت هزة وزلزال من أجل التغيير، فموقف الناصيري الذي ترأس الوداد منذ 2014، أتى كردة فعل غاضب إزاء الحملة التي استهدفته مؤخرًا بعد الإقصاء من كأس العرش أمام الغريم التقليدي الرجاء، وأنه لم يكن بدوره يعتزم الرحيل.

فمنتسبي الوداد وأنصار الفريق منقسمون بين قبول قرار الناصيري بالمغادرة في الوقت الحالي، وبين استمراره على الأقل لنهاية الموسم المقبل، لكن يبدو أن سعيد الناصري المسؤول الأول عن نادي الوداد الرياضي البيضاوي، اهتزت فرائسه وضاق به ذَرْعًا من ردود الفعل الغاضبة الصادرة عن الأوساط الودادية، احتجاجًا على الموسم الصفري، الذي خرج به هذا النادي العريق، رغم لعبه على أربع واجهات، منها مونديال الأندية، ورابطة الأبطال الأفريقية، الدوري المحلي، وأخيرًا كأس العرش التي ودعها بمرارة على يد الرجاء البيضاوي.

والأدهى من هذا أن الرئيس لم يتقبل غضب وانتقادات الجمهور، فكانت ردة فعله التعجيل بإصداره بلاغًا فاجأ الجميع به، يعلن فيه عن عقد جمع عام يوم الثلاثاء القادم، وفتح باب الترشح لمنصب الرئاسة، في أجل أقصاه سبعة أيام، وكأننا أمام رياضة مصارعة الذراعين، من سيُسقِط الآخر.

ورغم نفي الناصيري، بكون القرار مفاجئ ومتسرع، ومجرد رد فعل على حملة الغضب التي تجتاح أوساط الوداديين، فإن الحيثيات المرافقة لهذا القرار، تؤكد بالفعل أن الرئيس لم يأخذ الوقت الكافي، من حيث الإعداد والتحضير واحترام الآجال القانونية، والتي تنص على وجوب الإعلان عن عقد جمعية عمومية، في أجل لا يقل عن 15 يومًا، بالإضافة إلى إعداد مسبق للتقارير المالية العالقة منذ ثلاثة مواسم، وضبط لائحة المنخرطين ومدى استيفائهم للآجال القانونية، ومنح مهلة كافية لمن يرى في نفسه القدرة على الترشح، وغيرها من الشروط والترتيبات الواجب توفرها، حتى تمر الجمعية العمومية في ظروف مناسبة، تليق بناد تاريخي كالوداد، وكأن الوداد لا ضوابط قانونية له.

إنها بالفعل خطوة تعجيزية، هدفها الحيلولة دون فتح المجال، أمام التغيير الذي تطالب به فئة كبيرة من الوداديين، بل خطوة محبطة، لأن الأمور لا يمكن أن تأخذ بكل هذه السطحية والاستخفاف بروح المسؤولية، والوداد مُلكٌ للوداديين وليس ملكية محفظة لشخص بعينه وذاته، والوداد يزخر بمحبين لهم مكانتهم العلمية والعملية ويسيرون كبريات المؤسسات والشركات، بإمكانهم قيادة الوداد بكل أمن وأمان.

كل المعطيات تؤكد أن التغيير الذي يطالب به جزء كبير من الوداديين لن يحدث غدًا، وأن الناصيري باق في مكانه، وسيتقدم أمام الجمع الذي لن يجد مرشحًا لخلافته، وستتم المطالبة ببقائه وسيتم التصفيق بحرارة، عوض التصويت بمسؤولية وتجرد، تصفيق وتهليل إعلانًا عن استمراره على رأس النادي، وستنتهي حالة غضب قادت إلى الإعلان لأول مرة عن فتح باب الترشح لرئاسة الوداد، منذ تسع سنوات، أي منذ صيف سنة 2014، التاريخ الذي عرف تحمل الناصيري مسؤولية الرئاسة، بعدما ظل نائبًا لعدة سنوات.

المؤكد أن حصيلة الناصيري تعد إيجابية، إلا أنها بدلصا من أن تفتح المجال أمام الهيكلة وتقوية النادي من الداخل والوضوح في التعامل واحترام التخصصات، وفتح المجال أمام الكفاءات، استغلت فترة النجاح على مستوى النتائج لاختزال تسيير نادٍ كبير كالوداد، في رأي واحد ومصدر واحد، وجهة واحدة، وتبث في كل المجالات أن التسيير الفردي عواقبه معروفة ونتائجه غير محمودة، وزمن التسيير الانفرادي أضحى في (خبر كان يا مكان).

شارك: