العنابي فص ملح وذاب!

2022-12-24 15:47
من مشاركة المنتخب القطري لكرة القدم في نهائيات كأس العالم 2022 (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

من حق الجمهور القطري علينا ألا نترك بعض أسئلته معلقة ومشنوقة؛ فمن واجب الصحافة الرياضية النزيهة تقصي الحقائق، وهي تقدم الإجابة عن سؤال يتصاعد من رأس كل مشجع غيور على سمعة البلاد والعباد: لماذا قلب المنتخب القطري التوقعات رأسًا على عقب، وغادر المونديال من الدور الأول ببساطة، وبنتائج كارثية لم يتوقعها أشد المتشائمين؟ 

ثمة فسحة للنفاق، وبساط للمجاملة، وميدان للتجمل، وملعب للتستر خلف أسباب ضعيفة أوهن من بيت العنكبوت، لكن يبقى الكذب بحباله الطويلة والقصيرة خيبة أكبر، تداري الأسباب التي دفعت المنتخب القطري إلى هذا المصير القاتم في مونديال كل العرب.

"بادئ ذي بدء"، أعترف أن المستوى الباهت الذي ظهر عليه العنابي محير بالفعل، احتار في تشخيصه كل أساطير الرياضيات والتحليل، لكنه من وجهة نظري يتماشى تمامًا مع التجربة الأولى التي يصاحبها عادة خوف وانقباض و هواجس لاعبين قليلي الخبرة موندياليًا.

 لنتفق ثانيًا على خلفية المحصلة الهزيلة التي جردت أحلام العنابي من كل أوراق التوت بأن النتائج المخيبة للآمال، وغير المتوقعة للشارع القطري خاصة والعربي عامة، نتيجة طبيعية للفوارق الفنية والنفسية والتكتيكية التي انحازت لمنتخبات الخبرة هولندا والسنغال والإكوادور، وغدرت بمنتخب "لحمه طري" في بطولة كهذه. 

والآن، وقد هدأت الأعصاب المشدودة بعد أن انفض "مولد" كأس العالم، وصل الجميع إلى قناعة بأهمية النظر إلى المستقبل، وعدم الإفراط في النظر إلى الخلف إلا لضرورة الاستفادة من التجربة، ووضعها بكل سلبياتها تحت مجهر التشخيص، لتلافي الأسباب التي دفعت العنابي إلى متاهة مونديالية، الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود. 

والمعنى أنه حتى الذين أدمنوا التحليق خارج سرب المعقول، طمعًا في إثبات انتمائهم إلى جماعة المبدأ سيئ السمعة (خالف تعرف)، وجدوا صعوبة في التقليل من شأن مونديال قطر الذي ارتبط بتنظيم دقيق وفعال، غطى في الواقع على عيوب منتخب قطر ومستواه الهزيل.

عندما فاز المنتخب القطري ببطولة كأس أمم آسيا بالإمارات، كان العنابي في وضع أفضل من الناحية النفسية، الأمر الذي كان له أثره الإيجابي في الناحية الفنية، لكن الوضع اختلف في ملاعب مونديال قطر، والسبب نفسي وفني يتحمله بالدرجة الأولى المدرب الإسباني فيليكس سانشيز.

لقد أهمل المدرب عامل الاستثارة النفسية، واغتاله مع سبق الإصرار والترصد، بمعسكرات خارجية طويلة ومملة، استنزفت اللاعبين نفسيًا واستهلكتهم فنيًا، فبدا المنتخب القطري غريبًا عن أجواء المونديال؛ لأنه عاش تفاصيل رحلة اغتراب طويلة خارج الدوحة، وهنا انخفض مؤشر الاستثارة النفسية إلى ما دون الصفر، والنتيجة أن العنابي فوجئ بأنه كان يرقص في معسكرات أوروبا وحيدًا، بينما العرس الأهم كان في الدوحة.

من تابع منكم رحلة المخاض المونديالية لن يحتاج إلى عدسات محدبة أو مقعرة، لرصد ورؤية الأخطاء التي ارتكبها اللاعبون، وأسهمت في تقوية حظوظ الخصوم، ومنها:

أخطاء بدائية في التمرير؛ أي ضعف قراءة تحركات الزميل والمنافس معًا، قلة التركيز ونتج عنه عدم التصويب وتهديد مرمى الخصوم بكرات جادة تفوح منها رائحة الخطورة، كما أن المبالغة في الاحتفاظ بالكرة دون وعي تكتيكي أفرز نشازات على مستوى التموضع الذي كان سيئًا.

هل وجد اللاعبون أنفسهم فجأة يلعبون تحت ضغط رهيب في الدوحة أمام منتخبات سبق للعنابي اللعب مع منتخبات توازيها قوة؟

في تقديري، إن الحديث عن الضغط لمنتخب خاض الكثير من التجارب الدولية حديثٌ ماسخ، لأن الضغط في الواقع جزء من كرة القدم، والمدرب أو اللاعب الذي لا يتحرر منه ويحسن تحويله إلى طاقة هائلة من التحدي من الأفضل له الجلوس في بيته، وليس دعوته للمشاركة في بطولة عالمية تصنع فيها المعنويات فارقًا كبيرًا.

هل يتحمل المدرب فيليكس سانشيز وزر ما حدث للعنابي، الذي فرط في عاملي الأرض والجمهور بلا سبب معقول أو مبرر مقبول؟ 

الإجابة قطعًا نعم، فالمدرب أخطأ خطأ مزدوجًا، مرة عندما أبعد اللاعبين عن حساسية المباريات الجادة بعزلهم عن مباريات الدوري القطري الذي يفترص أنه أفضل وسيلة لإعداد اللاعبين بدنيًا وفنيًا، ومرة أخرى عندما مارس مع اللاعبين عملية اغتراب طويلة نزعت عن المنتخب غطاء الاحتماء بعاملي الأرض والجمهور.

نفسيا غاب الأداء القتالي وانعدم الحماس وفترت عزيمة اللاعبين، بينما تراجع التركيز إلى الحضيض، وهذا يعني أن المدرب شحن اللاعبين بمعسكرات وزن زائد غاب عنها الهدف الاستراتيجي، وفي بطولة كبرى ككأس العالم إذا غاب الهدف انعدمت الرؤية، فتضيع بوصلة تحديد الاتجاهات التكتيكية وخياراتها الفنية. 

من دون شك، المدرب مسؤول عن الشقين الفني والنفسي، وبقراءة لواقع حال المنتخب القطري، سنكتشف أن فيليكس سانشيز فشل تمامًا في المهمتين، وجنى بفكره على المنتخب القطري تمامًا مثلما جنت براقش على أهلها.

قد يقول أحدكم -بحكم العادة العربية الأصيلة- إن العبد لله يتجنى على المدرب ويحمله المسؤولية وحيدًا باعتباره مثل السمك (مأكول مذموم)، ويُخرج شعرة الاتحاد القطري من العجين العنابي، وكأنه بريء من تهمة السقوط المدوي للمنتخب القطري براءة الذئب من دم يوسف.

من الغباء تبرئة ساحة الاتحاد القطري، على قاعدة أنه داخل في المكسب خارج من الخسارة، فهذا الاتحاد ارتكب جريمة في حق نفسه، وفي حق العنابي، عندما ترك الجمل بما حمل لمدرب كانت طلباته أوامر لا نقاش فيها.

تجاهل الاتحاد القطري طبيعة اللاعب العربي، وعاطفته الجياشة التي تتحول إلى ألغام موقوتة عندما تتعرض لتشفير المشاعر بمعسكرات اغتراب طويلة، لم يسأل الاتحاد المدرب عن جدواها وأهميتها وخطورة توقيتها وانعكاساتها عاطفيًا على نفسيات اللاعبين وأسرهم وأهلهم وذويهم.

لم ينبه الاتحاد القطري المدرب إلى أن الحوافز المعنوية لا تصنعها معسكرات تعزل اللاعبين عن محيط عرسهم، ولم يأخذ الاتحاد بعين الاعتبار الحكمة من المؤشرات الواضحة في تراجع مستوى اللاعبين ذهنيًا ونفسيًا وفنيًا، بداية من خليجي الدوحة 24، مرورًا بالتراجع العكسي في نتائج المباريات الودية طوال السنة التي سبقت المونديال.

 لا داعٍ للاختباء خلف مبررات سامجة مقلية على زيت (الطبطبة) غير الحميدة، ولا داعٍ للتستر عن الأسباب الموضوعية والذاتية التي عصفت بأحلام العنابي، فالمنتخب خسر مبارياته الثلاث؛ لأن اللاعبين كانوا سيئين داخل الملعب، والمدرب سيئًا خارج الملعب، فيما اكتفى الاتحاد القطري بالمشاهدة عن بُعد، شأنه شأن أي قطري أو مقيم، هذا هو التقويم المنطقي الذي يضع ثالوث الإخفاق (الإدارة والمدرب واللاعبين) في قفص المساءلة المنطقية.

شارك: