الأسود تستوحش كأس العالم!!

2022-10-16 18:33
منتخب العراق لكرة القدم (Getty)
إياد الصالحي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

مع اقتراب العدِّ التنازلي لافتتاح أول بطولة لكأس العالم في المنطقة العربية، وسط توقعات بحضور أكثر من مليون ونصف المليون مشجّع لزيارة العاصمة القطرية الدوحة مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني المُقبل، ما زال ملايين العراقيين الشغوفين بمتابعة منتخبهم الوطني وأسوده يتحسَّرون على ضياع الفرصة تلو الأخرى، سعياً لتكرار تأهُّلِهم لأوّل مرّة إلى بطولة المكسيك عام 1986.

ومع أن الوقت مرّ سريعاً على خيبة الأمل الجديدة بعد خروج المنتخب العراقي من تصفيات كأس العالم 2022 في شهر مارس/ آذار الماضي، إلا أنَّ عدداً ليس قليلاً من المُحلِّلين والباحثين والمُهتمّين في شؤون بطولات المونديال يواصلون التنقيب عن أسباب عُقدة الفشل المُستديمة التي يُعاني منها أسود الرافدين؛ 9 مرّات ما بعد مونديال المكسيك من عدم بلوغ النهائيّات، مقارنة بمنتخبات عربية تواصل النجاح توالياً، أو بين بطولة وأخرى.

هل السبب يكمن في سوء تخطيط مجالس إدارة اتحاد كرة القدم المُتعاقبة، أم في خلل منظومة مسابقة دوري الكرة المُمتاز، أم في طبيعة أداء اللاعب المحلّي الفطريّة؟

من دون شك، لكُلّ بطولة ظروفها القاسية على منتخب أسود الرافدين، كحالة استثنائية عن جميع الدول التي تمتاز بحقِّ اللعب فوق أراضيها، بعكس اللاعبين العراقيين الذين أجبرتهم الحروب، والمتغيّرات السياسيّة، وعدم الاستقرار الأمني، على أن يكونوا زوّاراً دائمين لملاعب بديلة، وقد تحمَّلتْ ملاعب الدوحة وعمّان الجزء الأكبر من تضييف المنتخب العراقي في أغلب البطولات الخاصّة بالاتحادين الدولي والآسيوي، وهو سبب مؤثّر يُفقِدُ اللاعب، أي لاعب مهما كان حجمهُ في صفوف الفريق، الدعم الجماهيري في بلده، والذي يُشكّل نسبة كبيرة من عوامل الحسم لإنهاء المباراة لمصلحته.

ومع أهميّة الاستفادة من دروس الإقصاء المرير، وقِصص النكسات الكرويّة في تصفيات بطولات كأس العالم 1990، 1994، 1998، 2002، 2006، 2010، 2014، 2018، 2022 لمنتخبات العراق، يبقى درس "التغيير الساذج" للمدرب السلوفيني، ستريشكو كاتانيتش، في منتصف رحلة تصفيات آسيا المؤهّلة لكأس العالم 2022 يُثير شجون الجميع؛ نظراً لغرابة عمليّة الإقصاء وتوقيتها، وعدم تناسب إضاعة وقت طويل من برنامج إعداد المنتخب، قُبيل الاتفاق مع المدرب العالمي الهولندي، ديك أدفوكات، لاصطحاب الأسود في تحدّيات ليست مستحيلة أمام إيران وكوريا الجنوبية والإمارات وسوريا ولبنان، ومع ذلك أعلن الرجل انسحابه من المهمّة والعودة إلى وطنه، بعد أن أغرقَ الأسود في بحر اليأس، كنتائج وأداء، مع حصده انتقادات موجِعة لسوء مغامرتهِ العراقية، وتهرّبه حتى من الإقامة في العاصمة بغداد ولو لليلة واحدة!

لا يمكن عزل المنتخب العراقي عن محيط اللعبة عربيّاً ودوليّاً في مسألة ذات قيمة عُليا، تتساوى فيها جميع المُنتخبات، وتتسامى فوق جروحها ومعاناتها ونواقِصها، ألَا وهي الانسجام التدريبي والثبات على برنامج موحَّد ضمن مشروع وطني مُدعَّم من الحكومة بميزانيّة مستوفية لكل متطلّبات المُعسكرات والمباريات الودّية واستحقاق التنافس الرسمي، من لحظة التوقيع مع المدرب الأصلح لقيادة المنتخب، إلى نهاية آخر مباراة تُحدِّد مصير المنتخب في التصفيات.

طوال دفاع الأسود عن حظوظهم في التصفيات الأخيرة أم سابقاتها، لم يُعِرْ الاتحاد العراقي لكرة القدم أيّ أهميّة لثبات المدرب في مشواره، وأمثلة كثيرة أضعنا فيها أموالاً طائلة من الميزانيّة لإبرام عقود تدريبيّة لم يُحسن الاتحاد وضع ثقتهِ فيها نتيجة تسرّعه في الاختيار، وعدم حفظهِ حقوقهِ كطرف أوّل يفترض به أن يحرص على ضمان استيفاء المدرب الأجنبي جميع بنود العقد المُتفق عليها، ومنها مباشرته العمل في قلب العاصمة بغداد، وإنهاء المهمّة بلا شرط جزائي يُكلِّف ميزانيّة الدولة أموالاً كبيرة، كما حصل في عقود المدربين النرويجي إيغل أولسن والبرازيليين جورفان فييرا وزيكو.

ثمّة فارق مفصلي يُمكِّن منتخبات عربية من الحضور في كأس العالم، يتمثّل بقوة الدوري من ناحية إدارته الاحترافية على مستوى اللاعبين والمدربين، بينما ظلّت الكرة العراقية تسير في درب الهواية حتى الآن، نتيجة "التنافس المحلّي المُنغلِق"، وفُقر المستويات الفنيّة التي لا تصنع لاعبين دوليين ماهرين، وغياب الصفقات الاحترافية النوعيّة في الأندية قياساً بدوري المحترفين في قطر والسعودية، لذلك لا نجد قدرات فنيّة كبيرة تُعزّز الثقة داخل النفوس بإمكانيّة تحقيق الحُلم المونديالي الثاني، وأكاد أجزم أن مَن شاهد أداء الأسود في تصفيات مونديال قطر 2022 كان يُمنّي النفس بعدم التأهّل؛ لئلا يصبح المنتخب أضحوكة بين المنتخبات الأوروبية والأفريقية والآسيوية أيضاً، بدليل أنه حقّق في مجموعته الأولى فوزاً واحداً على الإمارات بهدف يتيم، وتعادل 6 مرّات وخسر 3 مباريات، وهزّت 12 كرة شباكه.. وسجّل 6 أهداف فقط.

سيبقى منتخب أسود الرافدين يستوحش المضي نحو كأس العالم حتى تتغيّر العقليّات الإدارية المُتحكّمة بشؤون المنتخب، والتي لعبت بمشاعر الجماهير بتصريحات غايتها التمهيد لكسب الأصوات في مؤتمرات انتخابيّة فوعدَتْ بتحقيق التأهّل، وفي النهاية صُدِمتْ على وقع الإقصاء المُعتاد كل أربع سنوات من دون خجلها وتحمّلها المسؤولية الوطنية!

شارك: