ما أبعاد تأسيس النادي الأهلي مشروع القرن بتدشين مدينة رياضية متكاملة؟

أطلق النادي الأهلي المصري في يونيو/حزيران الماضي "مشروع القرن" الخاص بتدشين مدينة رياضية على مساحة 43 فدانًا وبتكلفة مبدئية 12 مليار جنيه مصري (250 مليون دولار تقريبًا)، ليصبح أول نادٍ في الشرق الأوسط وأفريقيا يؤسس مدينة رياضية متكاملة. ويشمل المشروع ملعبًا خاصًا ومقر تدريبات وجامعة رياضية ومتحفًا ومدرسة وفندقًا ومستشفى رياضيًا.

نال مشروع القرن اهتمام الإعلام الأوروبي، إذ أفردت صحيفة ماركا (Marca) الإسبانية مساحة له، وقالت إنّهُ لامس قلوب ملايين المشجعين، ولن يعيد تعريف المشهد الرياضي المصري فحسب، بل سيحقق حلمًا انتظرته الجماهير منذ سنوات، مؤكّدةً أنّه سيمثل نقطة تحوّل في تاريخ النادي، وتجسيدًا لالتزامه ببناء تنمية مستدامة.

تحالف استثماري من 15 شركة

سيتولى تحالف استثماري مكوّن من 15 شركة عربية وعالمية من مختلف القطاعات، تحت مسمى "القلعة الحمراء"، تصميم وتمويل وإنشاء وتشغيل وإدارة المدينة الرياضية للنادي الأهلي، أبرزها شركة بالمز الإماراتية المسؤولة عن إدارة المشروع، والتي قالت في بيان رسمي إنها خطوة إستراتيجية لفتح فرص تجارية واستثمارية، ستضع الشركة في صدارة صناعة إدارة الرياضة عربيًا.

يضم التحالف أيضًا مجموعة من الشركات المصرية مثل بلتون لترويج وتغطية الاكتتاب، وشركة الإسكندرية للخدمات الطبية، وشركة محرم باخوم للاستشارات الهندسية، وشركة أبناء سيناء للتشييد والبناء، والشركة المصرية للإنشاءات، ومجموعة الاستشارات الهندسية، وشركات دولية مثل مجموعة تروجان للمقاولات العامة الإماراتية، وشركة بوجيرتمان الدولية للهندسة، وشركة كابيتال بلو الأمريكية للتسويق. ويضم أيضًا شركة هيلتون العالمية أمريكية مالكة لفنادق هيلتون بالإضافة إلى شركة دستانس (Distance) الدولية المتخصصة في العمارة.

لماذا تأخر المشروع؟

يحاول الأهلي منذ عقود بناء ملعب خاص في مقره بحي مدينة نصر، غير أنه اصطدم بقوانين الدولة المصرية التي تحظر بناء مبانٍ شاهقة الارتفاع بالقرب من مطار القاهرة الدولي. لتقرر إدارة النادي عام 1992 شراء قطعة أرض شاسعة في حي الشيخ زايد لتكون نواة المشروع الجديد. وهذه المرة، واجه النادي قانونًا آخر، وهو الحد الأقصى لارتفاع المباني المُحدّد بستة أمتار فقط. لكن النادي تمكن من الحصول على استثناء من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية ببناء مبنى بارتفاع 30 مترًا في الشهور الأخيرة بعد مفاوضات دامت لعامين بين الجانبين، ليبدأ المشروع فعليًا منذ تلك اللحظة.

مشروع تجاري ترفيهي متكامل

مصدر داخل النادي الأهلي قال لموقع winwin، إن الهدف من مشروع القرن ليس خدمة قطاع كرة القدم فحسب، بل إنشاء مدينة ترفيهية وخدمية متكاملة من الناحية الرياضية والتعليمية والطبية، مناسبة لكل فئات المجتمع صغارًا وكبارًا، منوهًا بأن الأهلي أصبح ناديًا ذا طابع مؤسسّي، له مصادر ربح مختلفة. وأضاف المصدر أن المدينة الرياضية التي ستُقام في محافظة الجيزة وبالتحديد في مدينة السادس من أكتوبر، ستعزز رؤية الإدارة الحالية لمستقبل النادي الاقتصادي، على الطراز الأوروبي القائم على تقديم خدمات للجماهير والاستثمار في تقاطعات الرياضة مع القطاعات الاقتصادية المختلفة. ولم يفصح المصدر عن العائد المتوقع على الاستثمار في المشروع.

مراحل المشروع

الإعلامي الرياضي المصري شهاب هيكل، أوضح لموقع winwin أن مشروع القرن مر بخمس مراحل رئيسة، بدأها النادي بأصعب مرحلتين ، وهما تخصيص قطعة أرض، ثم الحصول على تراخيص، فالمرحلة الثالثة وهي التمويل، ثم المرحلتان الأخيرة وما قبلها عبر التصميم والبدء في التنفيذ. وحاليًا، أنهى الأهلي المراحل الثلاث الأولى بنجاح، وينقصه التصميم والبدء في المشروع العام المقبل 2025. ومن المتوقع أن يُنجَز المشروع بعد خمس سنوات من بدئه، أي في عام 2030.

التمويل

تفادى الأهلي الحصول على قروض بنكية بالنظر إلى ارتفاع الفوائد التي ستثقل النادي مستقبلًا بأعباء مالية كبيرة. لذلك، اتجه إلى حلول غير تقليدية لتمويل مشروع القرن ومن دون أن يتكبّد أي تكلفة، عبر الحصول على التمويل كاملًا من شركة القلعة الحمراء مقابل حق انتفاع من المشروع لمدة 25 عامًا، حسب تصريحات عضو مجلس الإدارة محمد سراج.

في مقابلة مع موقع winwin، يوضح الخبير الرياضي المصري، وليد الحديدي، أنّ الأهلي سيبدأ في جني جزء كبير من الأرباح بعد 15 عامًا، وبعد انقضاء مدة حق الانتفاع، سيكسب النادي 100% من الأرباح، مع ملاحظة أن ملكية المدينة الرياضية حكر على النادي الأهلي، سواء خلال مدة حق الانتفاع أو بعد نهايتها. 

كيف يحقق المشروع الأرباح؟

يقول الحديدي إن المشروع ذو طابع خدمي ربحي، ما يعني أن كل أجزائه مصممّة لتدرّ مكاسب مالية، بدايةً من بيع تذاكر المباريات للملعب الذي يتسع إلى 44 ألف مقعد، وصولاً إلى عوائد إيجار ملاعب التدريبات، وتذاكر المتحف والمستشفى، وأرباح الجامعة الرياضية، وإيرادات منافذ بيع الأدوات الرياضية، لكنه لم يفصح عن الإيرادات المتوقعة منه.

تُعد الإعلانات أحد الروافد الأساسية للأرباح، ففي الوقت الحالي، هناك 8 مؤسسات مصرية وعالمية ترعى النادي الأهلي؛ أبرزها كوكاكولا وليبتون واتصالات، وشركة شيل العاملة في مجال الطاقة والبتروكيماويات، وكانت شركة بروميتيون تاير إيجيبت المصنعة لإطارات النقل الثقيل، آخر المنضمين إلى قائمة رعاة النادي الأهلي، عندما أبرمت اتفاقية رعاية في أبريل/ نيسان الماضي تسري لمدة 3 سنوات.

ومع تدشين المدينة الرياضية، فالمعلنون سيتنافسون على وضع شعارات شركاتهم في الملعب وعلى المدرجات وفي السور الخارجي للمدينة، ما سيجذب بدوره رعاة جددًا بأسعار كبرى قياسًا بالرعاة الحاليين، حسب الحديدي، الذي قال إن الاستثمار في المدن الرياضية حول العالم بات مشروعًا رائجًا ومربحًا بكل المقاييس.

في 2022، وقّعت شركة "اتصالات" عقد رعاية مع الأهلي بقيمة 1.5 مليار جنيه (30.6 مليون دولار) لمدة 4 سنوات، في عقد اعتُبر الأضخم والأغلى في تاريخ كرة القدم المصرية؛ لكن مع بناء المدينة الرياضية، فإن رقم عقد اتصالات قابل للكسر من شركات أخرى منافسة.

كما من المنتظر أن تزداد قيمة تكلفة الاشتراكات في عضوية النادي الأهلي مع بناء المدينة الرياضية الجديدة التي سيتوافر بها مزيد من الموارد الترفيهية، علمًا بأن اشتراكات الأعضاء تدر ملايين الجنيهات سنويًا على خزينة النادي. وتبلغ حاليًا، إذ بلغت قيمة الاشتراك بعضوية النادي لأصحاب المؤهلات الجامعية العليا 855 ألف جنيه (17،100 دولار) (17.100) دولار، ولغير حاملي المؤهلات الجامعية العليا مليونًا و140 ألف جنيه (22،800 دولار) دولار.

مقابل هذا الاشتراك، يحظى المشترك بمميزات مثل دخول مقرات النادي وحضور كل المباريات مجانًا والتنقل بين مقرات النادي المختلفة. من المقرر أن تزداد قيمة الاشتراك في عضوية النادي الأهلي، لأن المدينة الرياضية ستوفر مزيداً من وسائل الترفيه مثل حمامات السباحة والمتحف.

كيف يجذب مشروع القرن الاستثمارات؟

أحد أبرز أوجه الاستثمارات المحتملة هو تأجير اسم ملعب الأهلي، كما حدث مع أندية عالمية في السنوات الأخيرة، منها نادي يوفنتوس الإيطالي، الذي أجّر حقوق تسمية ملعبه في 2022، لشركة التأمينات الألمانية أليانز (Allianz) لمدة 10 سنوات مقابل نحو 112 مليون دولار، ليصبح اسم الملعب أليانز ستاديوم بدلاً من ديلي ألبي. ونادي برشلونة الإسباني الذي أجّر في عام 2022، تسمية ملعبه إلى شركة البث الموسيقي السويدية سبوتيفاي (Spotify) لمدة 4 سنوات مقابل 308 مليون دولار، ليصبح اسمه ملعب سبوتيفاي كامب نو بدلاً من كامب نو.

وسائل إعلام مصرية تحدثت عن اتفاق وشيك بين المارد الأحمر وشركة أليانز لتأجير حقوق اسم ملعب النادي الذي سيُبنى في المدينة الرياضية الجديدة. ويُقدّر الحديدي قيمة العقد المحتملة بـ 6 ملايين دولار في العام الواحد، استنادًا إلى متوسط أسعار قيم الرعاية الرياضية في منطقة الشرق الأوسط.

شق آخر يمكن للأهلي جذب الاستثمارات الأجنبية من خلاله، وهو استضافة معسكرات الأندية الأوروبية الشتوية السنوية، إذ جرت العادة أن تقيم تلك الأندية معسكرات في الشتاء ببلدان الخليج مثل قطر والسعودية والإمارات، ويرى الحديدي أن الأهلي سيسعى لاقتحام هذه السوق الموسمية لجذب بعض هذه الأندية إلى المدينة الرياضية الجديدة.

كيف يخدم مشروع القرن الدولة المصرية؟

يرى هيكل أن المشروع سيفيد مصر رياضيًا، إذ سيغذي الملفات المصرية المقدمة لاستضافة الأحداث الرياضية القارية والعالمية. فوجود مدينة رياضية بهذا الحجم سيعطي مصر ثقلًا رياضيًا على المستوى الإقليمي على الأقل، ويضعها في طليعة الدول ذات البنية التحتية من الفئة الأولى.

"رؤية مصر 2030" من الناحية الرياضية ستكتمل بوجود المدينة الرياضية الخاصة بالأهلي، إضافة إلى المدينة الرياضية الخاصة بالدولة في العاصمة الإدارية الجديدة. هذان يمثلان الركن الأساس الذي ستعتمد عليه الدولة في تقديم ملفات استضافة كأس أمم أفريقيا وكأس العالم والأولمبياد في العقد المقبل" حسب هيكل.

مشروع القرن.. تفاصيل بناء استاد الأهلي الجديد

اقرأ المزيد

وفق اللجنة الأولمبية الأفريقية، تعتزم مصر التقدم بطلب لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية لأول مرة في أفريقيا والعرب والشرق الأوسط في 2036 أو 2040.

من جهته، يعتقد الحديدي أن الآلاف من الفرص الوظيفية ستُتاح أمام المواطنين بمختلف تخصصاتهم في المدينة الرياضية الجامعية، ما سيحرك قليلاً هامش البطالة البالغ نسبته 6.7% من إجمالي القوى العاملة في مصر.

دفتر توفير للنادي الأهلي

مشروع القرن سيوفر على الأهلي تكاليف كبيرة، فإنشاء ملعب خاص من شأنه تجنب دفع مبالغ مليونية لقاء استئجار ملاعب الدولة سنويًا لإجراء مباريات النادي. ويبلغ متوسط تكلفة استئجار النادي لملعب القاهرة الدولي سنوياً نحو 4.8 ملايين جنيه مصري (100 ألف دولار).

كما يعتقد هيكل أن النادي سيتجه إلى إنشاء فندق خاص داخل المدينة، ما سيوفر بدوره مبالغ كبيرة خاصة بالتنقل والإقامة بين المباريات، وهذا التوفير بالتبعية سيقلل المصروفات التشغيلية للنادي في الميزانية المالية السنوية.