والله زمان يا برشلونة..!

تاريخ النشر:
2023-01-16 18:24
فوز برشلونة على ريال مدريد في السوبر الإسباني (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

"ما أجمله من فريق!"، أعترف بأنني استمتعت بمشاهدة برشلونة  و هو يصول ويجول على إستاد الملك فهد بالرياض، ملقنًا ريال مدريد درسًا قاسيًا في فنون السيطرة الشاملة، المصحوبة بقريحة مزاجية ليس لها حدود.

أجد صعوبة بالغة في وصف الأداء الراقي والخلاب لأشبال المدرب الشاب تشافي هيرنانديز، فبرشلونة -وهو يغسل ريال مدريد تحت مطر الرياض ويجعله أنصع بياضًا- كشف عن فريق متناغم ومنسجم يعبث بإيقاعات (التيكي تاكا) كما يشاء، ثم يتسلطن لاعبوه أمام ملوك مدريد، ويلتهمون حلوى العيد دون أن يتركوا فتاتًا للاعبي ريال مدريد.

استمتعت بوجبة برشلونة الدسمة في نهائي السوبر، المليئة بتوابل المتعة وبهارات الأداء السلس الفعال والمبهر، والغزير في نتيجته النهائية غير المتوقعة، نمت ليلتها منتشيًا من تخمة برشلونية، وأنا أردد بيني وبين نفسي: و الله زمان يا برشلونة. 

قلت قبل نهائي السوبر الإسباني: إن برشلونة سيذل ناصية ريال مدريد، لكنني أعترف بأن ما قدمه لاعبو برشلونة من وجبات كروية يسيل لها اللعاب فاق توقعي، لأنني لم أكن مستعدًا لأتقبل أو أتصور برودة ردود أفعال لاعبي ريال مدريد، الذين وجدوا أنفسهم أشبه بريشة في مهب ريح برشلونة. 

لم يدر بخلد تشافي وهو يضع مقادير وصفته التكتيكية القائمة على الاستحواذ الرهيب والتدوير المثير أن ريال مدريد سيظهر بهذا الوجه الشاحب فنيًا والقاتم نفسيًا، لم يكن يتوقع ولو في الأحلام أن أستاذ التكتيك كارلو أنشيلوتي سيعتنق نظامًا دفاعيًا هشًا يسهل اختراقه بدل المرة عشرين، حتى بدأ رباعيُّه (مندي وروديغر وميليتاو وكارفخال) وكأنهم مجرد رجال مرور مهمتهم تسهيل حركة الوصول إلى مرمى الحارس ثيبو كورتوا.

أخطأ أنشيلوتي خطأ فادحًا حين جرد منظومة لعبه من أسلوبها السهل المعتاد، المبني على استراتيجية التركيز الذهني، والضغط العالي على بناء الخصم ككل.

لقد ضرب أنشيلوتي بكل قناعاته السابقة عرض الحائط، وهو يعتنق الدفاع الخطي، في ظل وسط متنافر يغيب عنه لاعب العمق الذي يخرب ويكسر بناءات الخصم دون رحمة.

وحتى إذا كان أنشيلوتي قد حافظ على كلاسيكية شاكلة اللعب 4/3/3 إلا إنه من دون سابق إنذار تناسى أنه لا أدواردو كامافينغا ولا توني كروس قادران على حماية العمق، ومجابهة رباعي برشلونة الديناميكي (سيرجي بوكسيتس وفرانكي دي يونغ وغافي وبيدري)، و هو أمر موجع خلق فوضى تكتيكية عارمة في وسط الريال ودفاعه، فسقط مرارًا وتكرارًا مغشيًّا عليه، أمام سرعة عثمان ديمبلي وتحركات وحيوية روبرت ليفاندوفيسكي وتسربات المثابر بالدلي.

عندما غامر أنشيلوتي باللعب بدفاع خطي أمام فريق حيوي وشاب ينوع في الإيقاع ويتحكم في النسق على كيفه، لم يحسب حسابًا لمنافس يتخذ من التدوير والاستحواذ قفلًا ومدارًا لطريقة لعبه 4-2-3-1.

ولجأ أنشيلوتي أمام لا مبالاة لاعبيه الغريبة إلى ممارسة الدفاع الخطي، فأصبح العمق متنافرًا ببشاعة، لأن ممارسة الدفاع الخطي تتم في مساحة متباعدة، مكّنت هجوم برشلونة من تكسير حواجزه الهشة بسهولة.

لاحِظوا أنّ ريال مدريد ظهر عاريًا تمامًا أمام فلسفة استحواذ برشلونة، لسببين لا يمكن لأي رجل تقني تجاوزهما: الأول تكتيكي بحت، ويتعلق بكلاسيكية أنشيلوتي، في ظل خوضه المباراة دون عمق دفاعي في الوسط، فقلَّتْ الفاعلية القتالية والذهنية وتراجع منسوبهما إلى الحضيض.

أما الثاني فني يكشف هول ما تعرض له الفريق من تناقض على مستوى التغطية، فانعكس هذا الارتجال على التدفق الهجومي الذي أصبح بطيئًا ومكشوفًا، مما سهل مأمورية مدافعي برشلونة من احتواء كريم بنزيما وفينيسيوس جونيور وفالفيردي ثم رودريغو جوس.

لقد كان تشافي ذكيًا للغاية عندما نقل أراوخو إلى خانة الظهير الأيمن، ليتناوب مع كوندي على إبطال مفعول سرعة فينيسيوس، وكان خبيثًا تكتيكيًا عندما حرر بالدي في الجهة اليسرى من أيّ التزامات دفاعية، فشكّل مع خافي جبهة هجومية رهيبة لا تقل خطورة عن جبهة ديمبلي و بيدري.

ترنح الأستاذ أنشيلوتي تكتيكيًا أمام فراسة التلميذ تشافي هيرنانديز، في مباراة قُدِّر لها أن تعيد لنا بعضًا من زمان وصل (تيكي تاكا) برشلونة أيام المجد والعز.

توج برشلونة بلقبه الرابع عشر على مستوى السوبر الإسباني، و الأهم أن الفريق أصبح ناضجًا و يمتلك كل المقومات التي تخول له المقارعة على مختلف الجبهات، فيما ستحوم في سماء مدريد سحابة شك داكنة، يأمل المدريديون ألا تمطر على الفريق أمطارًا حمضية، لا خير فيها لزرع أو لضرع.

عودة (التيكي تاكا) للدوران بنفس كفاءة وبذخ الماضي القريب ستشكل نقلة نوعية في منافسات (لا ليغا)، وسيكون ممتعًا لنا كمشاهدين ومحايدين متابعة ورصد ما سيؤول إليه السباق المحموم بين برشلونة وريال مدريد، ودائما غدًا لناظره قريب.

شارك: