مونديال اللغة العربية..!

2022-10-29 22:52
مجسم كأس العالم لكرة القدم(Twitter/ alaraby_ar)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

بنظرة بسيطة للغاية يحق للعرب الذين ذكرهم الفنان فريد الأطرش في رائعة (بساط الريح) أن يقدموا وافر الشكر و الامتنان لدولة قطر لسببين جوهريين أعادا للكرامة العربية و قوميتها لبنها المسكوب ولو من باب الساحرة المستديرة.

أما السبب الأول فيتعلق باستضافة دولة قطر لبطولة كأس العالم 2022 لكرة القدم، وهي استضافة بيضت وجه منطقة الشرق الأوسط التي طالما عرفت بأنها بقعة جغرافية ملتهبة تعيش سياسياً على فوهة بركان.

أما السبب الثاني فهو براعة دولة قطر في تحويل المونديال إلى شأن عربي يمتد من المحيط الهادر حتى الخليج الثائر، والمعنى الذي في بالي أن دولة قطر فرضت على العالم اللغة العربية لسانا رسميا للمونديال العالمي.

ورحم الله الشاعر العربي الكبير (فؤاد حداد) الذي ترجم عشقه للوطن العربي الكبير إلى قصيدة شعرية مغناة على لسان الموسيقار البارع سيد مكاوي، ثم رحل عن دنيانا و هو يؤكد بالصوت والصورة وشاهد الحال أن "الأرض بتتكلم عربي".

لم يدر بخلد هذا الشاعر العظيم و هو يمجد اللغة العربية ويرفع من شأنها أن دولة عربية ستحقق حلمه الكبير يومًا ما وتجعل لغة الضاد على كل لسان عربي و أعجمي، حتى وإن تحقق هذا الحلم عبر حوار الحضارات في ملاعب كرة القدم.

ومن دون مبالغة أو مجاملة هذا المونديال له وقع خاص جدا على قلبي لاعتبارات كثيرة، معظمها تتعلق بدور دولة قطر في رد الاعتبار للغة العربية الجميلة التي أضاعها (العربان) في زمن العامية والميول لحقن لغتنا بمفردات أجنبية أفرغت بلاغتها من محتواها الفصيح.

وأكبر انتصار يمكن لدولة قطر التفاخر به لقرن كامل من الزمن يتلخص في أن أعداد كبيرة حول الكرة الأرضية يتكلمون العربية، سيمتدحون دورها في الدفاع عن اللغة و حمايتها من الانقراض وعوامل تعرية أخرى تتعدى حدود العقل والمنطق معًا.

ولا يقف تمجيد دولة قطر للغة العربية عند حد تذكير العالم بأنها سادس اللغات المعتمدة في الأمم المتحدة، بل وصل التمجيد إلى ذروته عندما اختارت هذه الدولة ذات المساحة الصغيرة و المكانة العالمية الكبيرة يوم 18 ديسمبر يوما لنهائي كأس العالم، و هو اليوم الذي تحتفل فيه لغة الضاد بعيدها السنوي، تماماً مثل ما تحتفل دولة قطر بعيدها الوطني.

لن أتوقف عند سلبيات وسائل الإعلام العربية مسموعة ومرئية تمضغ الأخطاء وتستبدل مفردات العربية الجميلة بأخرى أجنبية عجيبة بصورة ترفع ضغط (فؤاد حداد) في قبره، وتلهب مشاعر من يتباكون على قواعد (سيبويه) وقد مات وفي نفسه شيء من حتى.

كما أن الوقت أمامي لا يسمح لأن أتبرم من إعلاميين رياضيين شوهوا محاسن لغتنا الجميلة على طريقة أمير الشعراء أحمد شوقي الذي قال ذات يوم مدافعا عن لغتنا: أخشى على العربية من بيرم، فكيف الحال بمن هم أسوأ مليون مرة من عامية بيرم؟

ولأنني واحد من الذين يدعون وصلا باللغة العربية سأطالب في هذه المساحة أبناء وطني وحبيبي الوطن الأكبر بانتهاز هذه الفرصة القطرية السانحة تماماً مثل ما كان يفعل الهداف الثعلب (منصور مفتاح) و تسجيل أكثر من هدف في مرمى العالم يرفع من قيمة اللغة العربية في بورصة اللغات الخمس الأخرى المعتمدة دوليا.

أما و قد أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من دخول مرحلة الجد بانطلاق أعظم بطولة على سطح الكرة الأرضية التي تدور كما وصفها غاليليو غاليلي، فمن الأهمية بمكان تذكير كل فرسان لغة الضاد أن عليهم تقديم صورة جميلة و خلابة عن اللغة العربية تترجم البيت الشعري التالي إلى حقيقة تمشي على قدمين: إن الذي ملأ اللغات محاسنا.. جعل الجمال و سره في الضاد.

و ما لم يكن المتابع خاملا ذهنيا فاقدا تماما للقدرة على التقاط هذا الحدث الكبير و تحليله بعمق وليس بخفة، أستطيع التأكيد أن دولة قطر رسمت خارطة طريق عربية من شأنها أن تعزز القناعات بأن اللغة العربية أم اللغات و أن اللغات الأجنبية تتوارى أمام زخمها البلاغي و الجمالي خجلا و كسوفا.

هل يمكن أن يصدر من ذوي الشأن في الإعلام المسموع و المرئي تعميما يوصي بتعريب المصطلحات الكروية و منع حقن اللغة العربية بمفردات أجنبية تشوه جمال لغة القرآن في أيام مونديالية عربية الهوى والهوية؟

هل يمكن أن نفرض تحية الإسلام منطلقا ومفتتحا لبرامجنا واستديوهاتنا بدلاً من عبارات أجنبية من وزن : هالو، ويلكوم، أوروفوار، سي يو و غيرها؟

ما الذي يمنع معلقا كبيرًا و محبوبًا مثل عصام الشوالي أن ينفعل مع المباريات بعاطفة تنضح منها العربية، كأن يستغني مثلا عن مفردة (جول) الأعجمية الطويلة المزعجة و يستبدلها بمفردة (هدف) العربية الجميلة الهادئة؟

وهل توجد صعوبة أمام معلق عملاق في رد الفعل مثل حفيظ دراجي تعيقه من أن يتعامل مع (الكورنر) على أنها ركلة زاوية؟

في تصوري أن أمامنا كعرب الكثير من الوسائل التي تجعلنا نعتز بعربيتنا في عقر دارنا أمام الضيوف الأجانب، و في متناولنا - نحن أهل الدار وأصحاب العرس العالمي - أن نحبب هؤلاء العجم في مفردات اللغة العربية، فمثل ما يدفعوننا إلى محاكاة الإنجليزية و الفرنسية و الروسية و البرتغالية في مناسباتهم، فلماذا لا نعمل معهم بالمثل و نسدي خدمة جليلة للغة أهل الجنة تدفع بها من الأسفل إلى الأعلى كما هو الحال بقاعدة أرشميدس؟

وطالما والمونديال يختال على أرض عربية لها تراثها و قيمها و خصوصيتها، فما الذي يمنع أن يعتلي منصات المؤتمرات الصحفية عربي و يديرها بلسان عربي مبين على أن يتم تفعيل الترجمة مثل ما يفعل العجم الذين يعشقون أورشليم؟

ومثل ما أن المد القومي والتطور الاقتصادي لبعض الدول العربية مكنا اللغة العربية من فرض وجودها على خريطة العالم ولو على استحياء، إلا أن مونديال قطر يبدو فرصة ذهبية مواتية للدفاع عن حقوق و كرامة و عراقة لغتنا، فلنعمل جميعا من داخل قطر و خارجها على أن ننتصر لحلم الشاعر  الكبير (فؤاد حداد) و نجعل المونديال يتكلم بالعربية فقط و هذا أضعف الإيمان.

شارك: