مودريتش من لاجئ إلى بطل قومي في كرواتيا
رغم أنه بات في سن السابعة والثلاثين، ما يزال لاعب الوسط الدولي، لوكا مودريتش، الركيزة الأساسية لمنتخب كرواتيا، بعد أربع سنوات من قيادته إلى نهائي كأس العالم للمرة الأولى في تاريخه. إنجاز سيحاول تكراره في مونديال قطر 2022 المتوقع أن يكون الأخير لطفل بدأ كلاجئ في بلاد مزّقتها الحرب.
مهّد اختياره أفضل لاعب في مونديال روسيا 2018، بالإضافة إلى تتويجه مع ريال مدريد الإسباني بدوري أبطال أوروبا في العام ذاته، إلى فوزه بالكرة الذهبية ليكسر احتكارًا دام 10 سنوات من الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو.
قال صانع الألعاب حينها بعد تسلمه الكرة الذهبية: "مفتاح النجاح؟ من الصعب تحديد ذلك، العمل، المثابرة في الأوقات الصعبة. أحب دائمًا أن أردد هذه العبارة (الأفضل ليس سهلًا)".
ويبدو أن تلك الكلمات لم تكن مجرد تصريح عابر في حفل زاخر، بل أثبت على مر السنوات أنه مثابر على الاستمرار في العطاء، ونجح هذا العام أيضًا في المساهمة بشكل كبير في تتويج الملكي مرة أخرى بطلًا لأوروبا ولإسبانيا.
دُمّرت قريته
بات مودريتش أحد أبرز نجوم الكرة المستديرة في الآونة الأخيرة والأضواء مسلطة عليه، سواء على صعيد الأندية أو المنتخب الوطني، في تناقضٍ صارخ مع بدايته المتواضعة في منزل من بقايا مخلّعة بعدما التهمت النيران جزءًا كبيرًا منه، في قرية مودريتشي التي دُمّرت خلال حرب الاستقلال.
تقع هذه القرية على سفح جبال فيليبيت المطلة على البحر الأدرياتيكي، وقد كان مودريتش يقطن في المنزل الصيفي لجدّه وهو الآخر يدعى لوكا مودريتش، وقتل على يد القوات الصربية في الأشهر الأولى للنزاع (1991-1995) الذي حصد قرابة 20 ألف قتيل، وما تزال لوحة تذكر بذلك في تلك المنطقة كُتِبَ عليها "خطر! ألغام!".
كان لوكا مودريتش في العاشرة من عمره عندما هرب مع عائلته إلى مدينة زادار الساحلية التي تقع على بعد 40 كيلومترًا. هناك، وسط ضجيج القنابل التي تتساقط على المدينة الساحلية، تفتقد خصال أحد أبرز المواهب المعاصرة في القارة الأوروبية الذي أصبح قائدًا لمنتخب كرواتيا.
وتذكر يوسيب بايلو الذي كان مدربًا لفريق "إن كاي زادار"، في حديث سابق لوكالة فرانس: "كنت قد سمعت عن شاب صغير نشيط لا يتوقف عن مداعبة الكرة حتى في أروقة أحد الفنادق وينام معها".
لم تخفَ موهبة الفتى على أحد، لا سيما المدرب الذي رأى أن مودريتش "كان مثالًا للاعبي جيله، قائدًا محبوبًا. كان الأطفال يرون فيه في تلك الفترة ما نراه اليوم".
تدريبات وسط القذائف
وبحسب ماريان بوليات صديق مودريتش، برزت موهبة الأخير وسط أجواء الحرب والنزاعات. وقال: "تساقطت القذائف حولنا مليون مرة ونحن في طريقنا إلى التدريب، كنا نهرع إلى الملاجئ".
واعتبر بوليات (41 عامًا)، وهو لاعب محترف سابق أيضًا، أن هذه الظروف التي عاشها مودريتش كانت من إحدى العوامل التي أسهمت في أن يكون اليوم أحد أبرز لاعبي كرة القدم في العالم.
ويعرف عن زادار أنه نادٍ اختصاصي في تكوين اللاعبين. وتضم لائحة مَن تخرجوا مِن صفوفه، يوسيب سكوبلار الهداف الأسطوري في صفوف مرسيليا الفرنسي، والدولي السابق شيمي فرساليكو والحارس السابق دانيال سوباشيتش.
"عاش أمورًا أسوأ بكثير"
ويحظى مودريتش بمكانة مختلفة لدى مشجعي زادار رغم أنه لم يدافع إطلاقًا عن ألوانه، فقد التحق بنادي دينامو زغرب عندما كان في الخامسة عشرة من عمره (2000)، قبل الانتقال إلى توتنهام الإنجليزي في 2008، ومنه إلى النادي الملكي الإسباني عام 2012.
لكن شعبيته الجارفة تلطخت بسبب التهمة التي وجهت إليه بالإدلاء بشهادة زور أمام القضاء، في فضيحة فساد هزت كرة القدم الكرواتية.
وقبل أيام من حفل جائزة الكرة الذهبية 2018، أسقطت محكمة في زغرب التهمة عن مودريتش. وقال كريسيمير ديفتشيتش لفرانس برس: "لا يوجد دليل كافٍ على أنه ارتكب جريمة الحنث باليمين".
وكان اتهام القضاء الكرواتي لمودريتش مرتبطًا بتوقيع أول عقد احترافي مع دينامو زغرب في 2004 يحدد شروط انتقاله مستقبلًا. استدعي مودريتش في 13 حزيران/ يونيو 2018، من قبل القضاء في مدينة أوسييك للإدلاء بشهادته في قضية زدرافكو ماميتش، الرجل القوي والمثير للجدل في كرة القدم الكرواتية والذي يشتبه بقيامه بعمليات اختلاس عدة.
لكن الكروات لم ينتظروا حكم المحكمة ليسامحوا مودريتش على كل ما قد يكون قد ارتكبه، فهو سبق له أن محا كل الانتقادات التي قد توجه إليه في مباراة واحدة فقط، عندما فرض نفسه نجمًا للقاء منتخب بلاده ضد اليونان في ذهاب الملحق الأوروبي المؤهل لمونديال 2018.
ويقول ستركالي: "إن الأمير الصغير هو شخص حساس"، وهذا ما بدا عليه بوضوح بعد الخسارة أمام فرنسا في المباراة النهائية للمونديال على ملعب لوجنيكي في موسكو (2-4)، حيث كان الحزن يطغى على ملامح وجهه لضياع اللقب العالمي على الجيل الذهبي الكرواتي، على رغم أن اللاعب قصير القامة وطفولي المحيا، اُختير أفضل لاعب في البطولة.
واعتبر سفيتكو كوستيتش، المسؤول في نادي زادار والذي يعرف مودريتش منذ طفولته، أن الأخير شخص يعرف ماذا يريد، وقد علمته الحياة هذا الأمر، لقد عاش أمورًا أسوأ بكثير عندما كان طفلًا.