مشروع القرن الأهلاوي "يفضح" الواقع المرير للكرة التونسية

تحديثات مباشرة
Off
2024-06-05 16:04
مشروع القرن.. مبادرة أهلاوية ضخمة تثير تساؤلات الشارع الرياضي التونسي (X/AlAhly)
لوغو winwin
الفريق التحريري
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

تجاوز صدى مشروع القرن الذي أعلن عنه النادي الأهلي، حدود الكرة المصرية، ليحدث وقعًا كبيرًا في الوسط الرياضي التونسي بكافة المتداخلين فيه، والذين أعادوا إلى الواجهة، الملف "القديم الجديد" والخاص بتحويل الأندية لشركات خاصة.

لا يخفى على أحد أنّ حال الكرة التونسية وأنديتها متماهٍ بشكل كبير مع الوضع الاقتصادي للبلاد، الذي يعاني من مظاهر التخبّط، والتي تتمثل على وجه الخصوص في أشكال نقص السيولة، والتي تعتبر السبب الرئيسي الذي يقف وراء تراجع نتائج الكرة التونسية وحضورها المؤثر قاريًا.

الإعلان عن مشروع القرن الخاص بالنادي الأهلي، حرّك دوافع الجماهير التونسية المنبهرة بالمشروع، للتطرق مجددًا لمسألة خصخصة الأندية وإحداث ثورة في طريقة تسييرها، ووضع حدّ نهائي لمسألة التبعية للدولة.

مشروع القرن التونسي.. ما موانعه؟

بداية، لا يمكن المرور على مشروع الأهلي الجديد، مرور الكرام، فهو يعتبر ثورة حقيقية على مستوى شمال أفريقيا وحتى العالم العربي في تسيير الأندية، حيث بات أقرب إلى نماذج التسيير الأشهر عالميًا.

كيف تحوّلت الأندية المصرية تدريجيًا من التقوقع إلى آفاق الشركات؟

مشروع القرن الأهلاوي هو عبارة عن مدينة رياضية متكاملة وضخمة، تضمّ ملعبًا خاصًا بسعة 44 ألف متفرج وجامعة ومدرسة رياضية ومتحفًا ومستشفى وفندقًا أيضًا، أي بمثابة "دويلة داخل دولة"، سيكلّف إنشاؤها ما يعادل 25.3 مليون دولار، وبمدة إنجاز لن تتجاوز الـ4 سنوات حسب مسؤولي "القلعة الحمراء".

مشروع بهذه الضخامة وآليات الإنفاق الهائلة، جميعها أثارت إعجاب الجمهور الكروي التونسي، الذي تساءل عن سبب عدم تنفيذ مثل هذا النوع من المشاريع في تونس، فهل من موانع واقعية تجعل "مشروع القرن التونسي" صعب التحقق؟

دون التطرق للملفات الضخمة المتعلقة بضرورة إعادة الدولة لحساباتها في مسألة وضع الرياضة ضمن مخططاتها الاستراتيجية لاستعادة مكانتها مستقبلًا، ومن أهمها، إعادة تأهيل البنية التحتية الرياضية المهترئة، ولا سيما الملاعب، فإنّ العائق الجوهري، هو قانوني وهيكلي بالأساس.يعدّ "نفي" قانون الهياكل الرياضية لسنة 1995 من الوجود واستحداث  قانون جديد، أوّل علاج طارئ للوضع الراهن المحزن للكرة التونسية، التي تراجعت أشواطًا كبيرة مقارنة بجيرانها، فهذا القانون هو المسؤول عن تبعات الانهيار، بعدم مواكبته للاحتراف في مجال كرة القدم، وإصراره على البقاء في عصر الهواية، من خلال تكريس تبعية الأندية للدولة في عملية التمويل والمساعدة والدعم، ورفض تحرّرها واستقلالها ماليًا، وهو ما يهدّد اليوم أندية عريقة على غرار النجم الساحلي والنادي الإفريقي والصفاقسي، بالاختفاء عن ساحة المنافسة قاريًا وحتى محليًا.

هذا القانون ورغم عرضه على مجلس النواب منذ سنة 2012، إلا أنه بقي في "الرفوف" بسبب الصراع العقيم وغير المجدي بين سلطة الإشراف ممثلة في وزارة الرياضة الذي يرأسها كمال دقيش، والاتحاد التونسي لكرة القدم الذي كان يتولى قيادته الرئيس السابق وديع الجريء، القابع في السجن حاليًا.

حل مثالي ولكنه غير واقعي

باستثناء مشروع القرن المتعلق بالأهلي، فإنّ النماذج الخاصة بتسيير الأندية حول العالم كثيرة، وتشترك -كلّ حسب رؤيته- في هامش مهم من النجاح، ففي حين يتمّ السماح في إنجلترا بمبدأ "المالك الواحد" الذي له حرية تقرير كل شيء بنفسه (مثلًا الروسي رومان أبراموفيتش سابقًا مع تشيلسي)، فإنّ ألمانيا تعتمد مبدأ المشاركة بين النادي والشركات الخاصة، في حين أنه في إيطاليا يتمّ الاعتماد على عدد كبير من المساهمين في رئاسة النادي على غرار ما كان يحدث مع الرئيس السابق لنادي يوفنتوس أندريا أنييلي، أمّا في إسبانيا، التي تعدّ حسب الكثيرين، "النموذج الأفضل" في هذا الإطار، فإنّ النادي مملوك لجماهيره وترأسه جمعية عمومية منتخبة، كما يقوم بتسيير عملياته المالية والاستثمارية والاقتصادية عمومًا بنفسه من خلال شركات مملوكة له.

ولئن يبقى النموذج الإسباني مثاليًا على مستوى الشكل في وضعية الكرة التونسية، غير أنّه صعب التحقق إن لم نقل "مستحيلًا" على مستوى الواقع، لسبب أساسي، يعود لضعف إمكانيات الأندية التي تفتقر لأبسط عوامل النجاح، على غرار امتلاك ملعب خاص أو نشاطات تجارية وتسويقية ضخمة تدرّ عليها عوائد فلكية، وهو حال عملاقي الليغا، برشلونة وغريمه ريال مدريد.

هل حان الوقت؟

على الرغم من الإقرار بصعوبة تطبيق أي من النماذج العالمية الناجحة في الوضع الراهن للكرة والرياضة التونسية بشكل عام، غير أنّ التحرّك نحو التغيير بات أمرًا حتميًا للنهوض من الحضيض الراهن، حتى إن كان مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.

وحتى لا تنظر الكرة التونسية من مكان شاهق مغبّة السقوط، فإنّ التفكير العملي والرصين يبدأ بالخطوات الأساسية الموجودة بين يدي الدولة، وهي قطعًا، تعديل قانون الهياكل الرياضية، الذي أكل عليه الدهر وشرب، حتى يتسنّى للأندية تعزيز مداخيلها عبر الأنشطة التجارية والاستثمارية الضخمة لا عبر اجتهادات ضيقة من خلال محلات صغيرة ومعدودة لتسويق الأقمصة أو بعض التطبيقات والخدمات الخاصة بالهاتف الجوال.

وإن لم تسارع الدولة التونسية بإيجاد حلّ في هذا السياق، قد يكون مصير الترجي في القادم القريب شبيهًا لما حدث لأقرانه من كبار الكرة التونسية، لأنّ رئيسه حمدي المدب "حاميه" حاليًا، لن يكون قادرًا في كل مرة على دفع 20 مليار تونسي (ما يعادل 6 ملايين يورو) لسدّ عجز ميزانية الفريق.

فكرة تفعيل دور الأندية ومنحها مسؤولية نفسها، لن تدرّ المنافع عليها فحسب وإنما على الدولة أيضًا، التي ستتخلّص من تثقيل كاهل ميزانيتها وعبء تمويل فرقها، بل ستعزّز أرصدتها بأموال الضرائب المتأتية عنها.

شارك: