ماذا تعرف عن "لواء كاربات".. أخطر أولتراس في العالم؟

تاريخ النشر:
2021-10-30 04:57
-
آخر تعديل:
2021-11-11 23:41
مجموعة لواء كاربات في إحدى مباريات منتخب المجر (twitter/Joe)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

أظهر مشجعو المجر أسوأ أنواع العنصرية في مباراة منتخب بلادهم أمام إنجلترا في سبتمبر/ أيلول ضمن تصفيات كأس العالم قطر 2022، وقلدوا أصوات القردة عند استلام رحيم ستيرلينغ أو جودي بيلينغهام الكرة من طرف المنتخب الإنجليزي، كما ألقوا عبوات الماء والثلج على غاريث ساوثغيت، مدرب الخصم، في أثناء مقابلة صحفية عقب اللقاء، ناهيك عن إطلاقهم صافرت الاستهجان خلال عزف النشيد الوطني الإنجليزي.


تكرر الأمر في لقاء العودة بملعب ويمبلي في لندن بأكتوبر/ تشرين الأول بأحداث مشابهة وليست متطابقة، فقد اندلعت أعمال شغب وقتال دامٍ بين مشجعين مجريين والشرطة الإنجليزية خلال الدقائق الأولى من المباراة، قبل أن يستنكر الجميع الإصرار المميت من قبل هؤلاء الأنصار على تصدر المشهد وإحداث البلبلة في كل مقابلة كبيرة لمنتخبهم.


حسنًا، هذه الأحداث ليست وليدة اللحظة في المدرجات، بل هي أحداث مدروسة ومُخطط لها ومدعومة كذلك من قبل الحكومة المجرية والبرلمان على حد سواء؛ فبالنسبة لهما تعدّ مجموعة "لواء كاربات" أحد أهم الأسلحة -غير الرسمية- لتنفيذ الأجندات الخاصة، وكذلك مواجهة نفوذ الغرب الرأسمالي المسيطر على مفاصل الدولة.



عراك مجموعة لواء كاربات مع الشرطة الإنجليزية بملعب ويمبلي


ما هي مجموعة لواء كاربات المجرية؟


"لواء كاربات" مجموعة يمينية متطرفة ذات أفكار راديكالية ممزوجة بالفاشية والنازية وغيرها من المصطلحات القومية البحتة التي تعادي كل أجنبي وأقلية، تتكوّن في الأساس من مفتولي العضلات ولاعبي الفنون القتالية، أكثرهم مجرمين من خرّيجي السجون، ويشتهرون بالرداء الأسود القاتم. ويرجع أصل التسمية إلى الجنرال البولندي كازيميرز سوسنكوفسكي الذي قاد سرية أسماها بنفسه "لواء كاربات" في الحرب العالمية الثانية بمنطقة الشرق الأوسط وبالتحديد بين عامي 1941 و1943، ودائمًا ما يتخذون شعار "Aryangreen" في إشارة إلى الجنس الآري، ويحتفلون بشعارات نازية.
 

جنود لواء كاربات البولندية في أثناء خدمتهم في مصر خلال الحرب العالمية الثانية 

 

كيف تشكلت اللبنة الأولى لمجموعة لواء كاربات؟


تعود جذور هذه المجموعة في المجر إلى أربعينيات القرن الماضي بعد فقدان المملكة المجرية النمساوية 75% من أراضيها إثر الهزيمة المذلة بالحرب العالمية الأولى.. آنذاك، جذبت القومية قطاعا كبيرا من سكّان الدولة التي كانت مزدهرة في كرة القدم، ولم لا؟ ولديهم بوشكاش الذي سجّل 357 هدفًا مع فريق هونفيد المحلي، فيما كان منتخب المجر متوّج بـ3 ذهبيات أولمبية، ووصل إلى نهائيين لكأس العالم.

بوشكاش
فيرينك بوشكاش قائد المنتخب المجري من نهائي كأس العالم 1954 أمام منتخب ألمانيا بملعب بيرن في سويسرا (Getty) 


انهارت الشيوعية وبدأ المجريون في شيوعيتهم الخاصة


نمت المجموعة بأفكارها المتطرفة بشكل ملحوظ في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين بعد الثورة المجرية، إلى أن تشكّلت في التسعينيات بصفة رسمية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ويأس العرقيات القومية البيضاء من "الشيوعية" التي عقدوا عليها آمالًا كبيرة في تكوين دولتهم العظمى، ومن شرق أوروبا نبعت العنصرية في أحلك صورها، وبالتحديد من بودابست، وامتدت لاحقًا إلى بلغراد وكييف وزغرب.


بعد سقوط السوفييت عام 1989، ازدادت أعمال العنف والشغب في مدرجات كرة القدم المجرية بنسبة 300% وتقلّص متوسط أعداد الجماهير في المباراة الواحدة من 17 ألف قبل تفكك السوفييت إلى 3 الآف فقط، بحسب يومية "إندبندنت" البريطانية، فقد تأصلت الأفكار الإجرامية التي اعتقدوا أنها قد تساعدهم في طرد الأقليات وتأسيس وطن مستقل مع الجنس الأبيض فقط، ولم يجد هؤلاء مسرحًا لإيصال صوتهم سوى المدرجات، التي سكنها العناكب فيما بعد إثر عزوف الجماهير عن الحضور، وشهدت الكرة المجرية فترة ركود غير مسبوقة على إثر ذلك.

تحالف مزدوج بين لواء كاربات والسلطات المجرية


عقدت مجموعة "لواء كاربات" تحالفًا مثمرًا مع السلطات المحلية في المجر عام 2010 ذا منفعة ثنائية لكلا الطرفين، إذ تغض الشرطة البصر عن أعمالهم من طعن واغتيال قادة مجموعات تشجيع الخصوم، وإحداث الشغب وغيره، مقابل خدمة أهداف الدولة في المحافل الدولية ومهاجمة أفكار بعينها؛ مثل "المثلية الجنسية والرأسمالية"، أو دولًا بعينها؛ مثل "الولايات المتحدة وإنجلترا"، أو مجموعات عرقية؛ مثل "السود واليهود والغجر"، وبالتأكيد مساندة المنتخب المجري في كل المباريات حول العالم.


تاريخ أسود لمجموعة لواء كاربات في ملاعب أوروبا


طبقًا لتقرير من "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن هذه المجموعة اغتالت 17 شخصًا مرتبطًا بخصومهم من الأندية الأخرى المحلية في المجر، كما تسببت بشكل مباشر في التورط بنحو 122 حالة عنصرية في مختلف ملاعب أوروبا خلال العقد الماضي، أبرزها في افتتاح مباريات المنتخب المجري في يورو 2016 أمام النمسا، ورُغم تحذيرات الاتحاد الأوروبي، فإنهم عاودوا الكرّة في المباراة التالية أمام آيسلندا بطريقة أشد عنفًا، وتصدروا عناوين الصحف العالمية الغاضبة، وفي نسخة يورو 2020 أعلنوا رفضهم إيماءة الجلوس على الركبة الداعمة للسود وسخروا من كيليان مبابي لاعب المنتخب الفرنسي، كما أن المجموعة المذكورة هي الرسمية لفريق فيرينكفاروس المجري المشارك في دوري أبطال أوروبا.
 

مجموعة لواء كاربات ترفض إيماءة الجلوس على الركبة المتضامنة مع السود (ValerieEBradley)
مجموعة لواء كاربات ترفض إيماءة الجلوس على الركبة المتضامنة مع السود (ValerieEBradley)


مجموعة لواء كاربات.. اتحاد وهمي ثم تفرقة حتمية


يقول جيرجيلي ماروسي، وهو أستاذ رياضي في جامعة بودابست ليومية "غارديان" البريطانية: "مجموعة لواء كاربات وعدت بتوحيد جميع أطياف مجموعات التشجيع في البلاد من اليمين واليسار والليبراليين، لكنهم أظهروا تفككًا في المدرجات وشجّعت كل مجموعة على حدة، ولم ينتج عنهم أي ترابط حتّى أثناء مباريات المنتخب الوطني، ليرحل الجميع ويبقى أكثرهم تطرفًا وحدّة في عام 2009، وأُضيف لهم لاحقًا مجموعة النازيين الجُدد، ومع ذلك فقد أسسوا العديد من الأعمال الخيرية لخدمة أبناء جلدتهم".
 

التحية النازية الشهيرة لمجموعة لواء كاربات


لواء كاربات جذور عميقة في المجر يصعب اجتثاثها


باتت مجموعة "لواء كاربات" شوكة في حلق السلطات المجرية التي لا تستطيع التخلي عن خدماتهم حاليًا، فقد تأصلوا بصفة غير متوقعة وازدادت شوكتهم المتطرفة في كل مكان، لدرجة أن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان قال بعد حظر الاتحاد الأوروبي اللعب بحضور الجماهير لمباراة واحدة لمنتخب بلاده على خلفية السلوك العنصري في مواجهة إنجلترا: "على كل أمّة أن تهتم بشؤونها الداخلية، وتحمل عبئها الخاص".


الحكومة المجرية تؤيد أفعال مجموعة لواء كاربات
 

لم يتجرأ أوربان على مهاجمة مجموعة كاربات علانية وأعلن -ضمنيًا- وقوفه إلى جانبهم، وعند رفضهم إيماءة الركوع التضامني مع السود، قال أوربان: "نحن لا نركع إلا لله". أما وزير الخارجية المجري بيتر زيغارتو فكتب تغريدة يسخر خلالها من شكوى لاعبي المنتخب الإنجليزي من صافرات الاستهجان ضد نشيدهم الوطني، واعتبر الأمر إجراء روتيني من المشجعين الذين تنتابهم الحماسة الوطنية في المدرجات، ومع ذلك التأييد من الحكومة المجرية تجاه لواء كاربات، فإن الاتحادين الدولي والأوروبي لكرة القدم لم يتخذا إجراءات حقيقية للتصدي للأمر، استنادًا إلى عمق العلاقات بين أوربان والاتحادين العملاقين.
 

رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان مع رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو 

بعد إعلان العقوبات بخوض المجر مبارياتها من دون جماهير على خلفية الأحداث العنصرية في بطولة أوروبا 2020 أولا وضد إنجلترا ثانيا، وجدت مجموعة "لواء كاربات" نفسها في المدرجات خلال مباريات الدوري المحلي تشجع وتهتف وتمارس طقوسها اليمنية، ولم تتخذ السلطات أي إجراءات تأديبية بحقهم، ما يعكس مدى متانة العلاقة بينهما، وهذا الأمر لربما يقلق جميع محبي كرة القدم، لكن في النهاية هذا شأن داخلي بالفعل للدولة المجرية، ماذا يمكن لمسؤولي كرة القدم في العالم أن يفعلوا إزاء الأمر؟

شارك: