كلمات عابرة.. الإنسانية المزيفة
ينصبون سرادق العزاء..ويعلو النحيب.. وقد يصل الأمر إلى إعلان حالة الاستنفار القصوى.. ويعلنون أن الإنسانية في خطر وأن العالم " المتخلف" يشكل خطراً على البشرية.. حالهم اليوم وكأنهم في حالة من "الكَلَب" والسعار لأن دولة عربية يقال عنها صغيرة نجحت في رفع التحدي ولم تبق إلا أيام حتى تكون ملاعبها مسرحًا لأكبر حدث رياضي عالمي.
يصر " الغراب" في أوروبا على النعيق.. أحياناً يذكر العمال وأخرى يذكر فيها " الشواذ" وكان يومًا ما يتحدث بكل ما تجود به مخيلته عن تأثير الحرارة والرطوبة دون وعي بجغرافيا المنطقة وحاصة عن تحويل موعد المونديال من الصيف إلى الشتاء.. يتناسى ميزة الاستدامة وأرقى المعايير التي التزمت بها " الدولة الصغيرة" في كل ما يخص هذا الجانب.
نعيق الغراب يظهر من هناك عبر منابر إعلامية تمارس الدعاية في أبهى تجلياتها كلما تعلق الأمر بجرائمهم.. يتحدثون عن الإنسانية وعن حقوق يفصلها على مقاس التأثير لأجل الحصول على ما يريد.. غراب يبحث عن حمامة تتخلى عن السلم وتطير ملوحة بالاستسلام.. حتى تعم الألوان التي يريدها.. ألوان لو وجدت لها موقعًا وحظيت بالقبول ووجدت لها مكانًا تحت شمس الدوحة الدافئة خلال فترة المونديال ماكان لينعق أو ما كان ليذكر تعاليم الإنسانية العرجاء التي يتغنى بها.
لأجل عيون زرقاء وشعر أشقر غيروا نهجهم.. أصبحت السياسة توأمًا للكرة.. أختًا من الرضاعة للرياضة.. مارسوا عجرفتهم في المنع والإيقاف وقبل ذلك كانوا يتغنون بمبادئ الفصل بينهما وأن لا تداخل ولا يحق للسياسي أن يتحدث لغة الرياضة وأن لا يفرض سلطته عليه حتى أصبحت تلك الشعارات الزائفة مطرقة تخويف تهز أركان الدول المسكينة المغلوبة على أمرها لكنهم ورغم كل هذا تراهم مصابين بالعمى عندما يتعلق الأمر بكائن دخيل غرسوه في أرض عربية مسلمة بقوة السلاح.. كيان محتل يرتكب أبشع جرائم القتل في حق الأبرياء العزل.
منذ 1948 وفلسطين تعاني ..تئن.. تستغيث ونحن العرب نمارس هواية التنديد .. نرفع صوت الوعيد في الأغاني والأشعار..نكتب القصائد الحزينة ونرفع الشعارات في الملاعب وهم يفتحون المجال للمغتصب.. يقفون سدًا منيعًا للدفاع عنه.. قوانينهم لا تنطبق عليه..مبادئهم لا تدينه.. لأنهم أقوياء والسلطة بين أيديهم.. يتحول الجلاد إلى ضحية.. والضحية عليه بالصبر حتى يفرج الله.
لا أحاول الدفاع عن قطر.. فملاعبها.. وبنيتها التحتية وما قامت به منذ 12 عامًا لأجل استضافة المونديال يتحدث عن نفسه.. لا أسعى لإقحام الرياضة في عفن السياسة لأني لا أفهمها لكن ازداوجية المعايير التي يتعامل بها بعض ساسة ومشاهير القارة العجوز يقودني إلى الكتابة إلى التعبير عن تجاوزاتهم التي تخطت المدى وحان الوقت ليتحول القول العربي-ليس العربي محمودي- إلى فعل أو على الأقل من قول بصيغة الهمس لا نسمعه إلا نحن إلى قول صادح يسمعه البعيد قبل القريب.
قطر التي يقولون عنها صغيرة.. دولة صديقة عندما يطلبون منها غازًا.. دولة تحترم القانون عندما يتوافق ذلك مع مصالحهم.. لكنها تصبح غير ذلك عندما تنجح في تذليل المصاعب ..عندما تستضيف حدثاً كروياً ظل حكرًا عليهم.. لذلك يقلّبون في كل الصفحات لعلهم يجدون صفحة ملطخة أو حتى يلفقون صفحة بأياديهم ويرسمون عليها ما يريدون خدمةً لعجرفتهم ولأهدافهم.
في 2022..المونديال عربي.. على أرض عربية ويتحدث لغة عربية.. ملاعبه ترمز إلى العروبة وإلى تراث أمة وعراقتها.. أمة ضاعت وصارت فريسة بين مخالب الكواسر وآن لها أن تنتفض وأن تعبر عن رفضها.. أن تتّحد خلف دولة تكتب بحروف النجاح في مجال يخطف الأنظار ويجلب الاهتمام حتى يكون بداية لقصة أخرى.. ننسى فيها أننا رقم حيادي في عملية ضرب تكون نتيجتها دائمًا لصالحهم.
مونديال 2022 يضيف حلقة أخرى ضمن مسلسل زيفهم.. يكشف لمن كان مغيبًا أن قيم الإنساسية لا تظهر إلا في خطاباتهم.. يؤكد رغبتهم في فرض عادات وتقاليد شاذة جندوا مجموعة من النجوم في أكبر الأندية العالمية ليحولوه من الإنكار إلى القبول لدى العامة وسيواصلون سيرهم على هذا النهج حتى تحقيق المبتغى.
آخر الكلام: الظلم الممارس على الفلسطينيين أكبر من أن تحتويه مقالات أو حتى قصص وروايات.. فلسطين تعكس زيف العالم وتفضح ازداوجية المعايير والعرب صامتون رغم ضجيج الأغاني وحبر بيانات التنديد.. وحده الفعل يمكن أن يحوّل مصير جملة العرب من بلادة الاعتراضية إلى إيجابية الفعلية المثبتة للحق المدافعة عنه.