حوادث وجوانب خفية أثرت في شخصية المغربي عبد الرزاق حمد الله
ظل عبد الرزاق حمدالله، نجم نادي الاتحاد السعودي لكرة القدم، طيلة السنوات الماضية محطّ اهتمام كبير من الإعلام؛ حيث تناولت وسائل الإعلام أخبار اللاعب المغربي وتابعت إنجازاته الفردية والجماعية، وأهدافه، وقيمة عقوده ورواتبه الشهرية والسنوية، كما رصدت خلافاته مع لاعبين ومديرين فنيين ومسؤولين؛ سواءً في الأندية التي ارتدى قمصانها، أو المنتخب المغربي.
في هذا التقرير، يرصد "winwin" جوانب وأحداث خفية من حياة "الجلاد" أثّرت كثيراً في شخصيته، وجعلت منه النجم الحالي، الذي جمع بين المجد والمتناقضات، وبات اللاعب "المزاجي" والصدامي.. المتواضع، و"فاعل الخير".. حيث كان "حمد الله" دائماً محور جدل كبير.
أسرة فقيرة.. وبدايات صعبة
ينحدّر حمد الله من أسرة فقيرة بمدينة آسفي المغربية، التي تطل على ساحل المحيط الأطلسي.. وهو الأصغر بين سبعة أشقاء، وكغيره من صبية حاضرة المحيط (لقب مدينة آسفي)، كان عبد الرزاق مفتوناً بالمياه الممتدة بطول الشاطئ، وكرة القدم التي مارسها في الأزقة والأحياء على الملاعب الترابية، قبل أن يلتحق، بدعم من شقيقه الأكبر عبد الرحيم، إلى نادٍ صغير بالمدينة يُسمى نجم الشباب، حتى رصدته عيون نادي أولمبيك آسفي، الذي ضمّه إلى صفوفه في عام 2010، وتمكن بطل قصتنا في أول موسم له مع آسفي من تسجيل 15 هدفاً كثاني أفضل هدافي الدوري.
في العام ذاته، تلقى حمد الله دعوة من المنتخب المغربي لأقل من 23 سنة، والذي كان يستعد للمشاركة في تصفيات أولمبياد لندن 2012، ليضع اللاعب أولى خطواته في طريق النجاح، لكن البداية دائماً ما تكون صعبة، وقد كانت كذلك بالنسبة له.
عاش حمد الله فترة زمنية صعبة بين 2010 و 2012، أثرت بشكل كبير في شخصية "الجلاد"، وجعلت منه اللاعب "المزاجي" أو "المغرور" كما يراه ويصفه الكثيرون.
أول راتب.. أول صدمة
رغم أن حمد الله حقق نجاحًا باهرًا في أول موسم له مع أولمبيك آسفي، توّجه باستدعائه لمنتخب أقل من 23 سنة، فإنه لم يكن سعيداً جداً بذلك، لاسيما أن ذلك الإنجاز لم ينعكس على وضعه الاجتماعي لمساعدة أسرته، كما كان دائماً يمني النفس بذلك، بل على العكس تمامًا، لعب مع آسفي براتب شهري لم يتجاوز 250 دولارا شهرياً.
وكان الراتب الذي يتقاضاه حمد الله هو الحد الأدنى الذي يسمح الاتحاد المغربي لكرة القدم بدفعه للاعبين في ذلك التاريخ، واضطر اللاعب لقبوله مُرغماً، وظل يردد دائما للمقربين منه، متحدثا عن مجلس إدارة أولمبيك آسفي خلال تلك الفترة: "احتقروني بهذا الراتب"، لاسيما أن لاعبين معه بالفريق يتقاضون أضعاف راتبه، ولا يقدمون ربع ما يقدمه.
معاناة أخرى كانت تنتظر حمد الله داخل المنتخب الوطني لأقل من 23 سنة؛ إذ كان الهولندي بيم فيربيك، المشرف العام السابق على فئات المنتخبات المغربية العمرية، يفضل اللاعبين المحترفين القادمين من أوروبا، بينما يشكل لاعبو الدوري المغربي مجرد أسماء لتكملة العدد.
ولكن لعبت مهارة حمد الله وحسه التهديفي دورا في إحراج فيربيك، وبسببه، دخل محمد وركة، المدير الفني السابق لمنتخب الشباب، في مواجهة مباشرة مع التقني الهولندي، وانتهى هذا الصراع في نهاية المطاف بتأهل المغرب للاولمبياد بأقدام عبد الرزاق، قبل أن يُطرد حمد الله من الفريق؛ كمكافأة له رفقة مدربه الذي تشبث به، حيث وجدا نفسيهما خارج المنتخب الأولمبي!
إهانة على الملأ.. وطرد من المنتخب
في إحدى الحصص التدريبية للمنتخب الأولمبي، قبل المباراة الفاصلة المؤهلة إلى لندن 2012، أمام الكونغو الديمقراطية، لم يتحمل حمد الله تعامل فيربيك معه؛ إذ كان يشعر بأن الهولندي يعامله بدونية مقارنة مع زملائه، رغم أنه كان هدافاً للتصفيات.
لم يستطع اللاعب كبح عواطفه، وتوجه إلى فيربيك واستفسر عن سبب معاملته بتلك الطريقة، لكن الهولندي لم يستسغ ذلك، فطرده من الملعب، وأمره بحزم حقائبه ومغادرة الفندق، وصرخ عليه أمام زملائه في موقف أثر كثيراً في نفسه.. وهذا الشعور يسمونه في المغرب "الحكرة".
يقول محمد وركة، المدير الفني السابق لمنتخب المغرب الأولمبي (المشرف العام الحالي على الإدارة الفنية لنادي شباب المحمدية المغربي)، والذي كان شاهدًا على الواقعة: "تبعت حمد الله إلى غرفته، وجدته يغالب دموعه، ومنعته حزم حقيبته، وطلبت منه أن يبقى على مسؤوليتي، وتحدثت مع فيربيك وأبقيت حمد الله، بل ووضعته في التشكيلة الرسمية وسجل هدف التأهل، لكن بعد ذلك بأسابيع، قرر المدرب الهولندي إبعادنا معاً، وقاد هو المنتخب المغربي في أولمبياد لندن.. لقد تأثر اللاعب بشكل كبير من الظلم الذي طاله".
وما زاد من استياء حمد الله وشعوره بالظلم هو تجاهله لفترة طويلة، لم يجر خلالها استدعاءه للمنتخب، بينما ظل زملاؤه يحضرون بشكل مستمر، قبل أن تفرض نجاحاته؛ سواءً في النرويج أو الصين أو قطر أو السعودية، إعادته لارتداء القميص الوطني رفقة المنتخب الأول.
لكن المشاكل ظلت تلاحق حمد الله، وساءت علاقته مرات عديدة مع مسؤولي الاتحاد المغربي؛ بسبب شخصيته التي باتت تنظر بكثير من التوجس والحذر إلى كل تصرف تجاهه، لأن حمد الله، وبعدما صعد سلم النجومية عالياً، قرر أن لا يسمح لأحد باحتقاره.. لم يصبح داخل نفسه متسع لـ"حكرة" جديدة.. ويمكن استنتاج ما حدث بعدها.
هل حمد الله "مغرور"؟
يقول محمد وركة، مكتشف حمد الله الذي قدمه للجمهور المغربي في المنتخب الاولمبي: "حينما أقرأ أو أسمع ما يُقال عن غرور حمد الله وعدم انضباطه، أشعر بغضب كبير"، مؤكداً أن عبد الرزاق كان أكثر اللاعبين انضباطاً مع بلاده، و التزاماً بالتعليمات، وتربطه علاقات جيدة جداً مع بقية اللاعبين.
وتابع وركة: "حمد الله يؤم اللاعبين في الصلاة، وكان موضع استشارتهم وثقتهم، هو ليس مغرورا، بل شخص بدرجة عالية من الكبرياء، وهو أمر عادي بعد كل ما عاناه؛ سواءً في آسفي أو في المنتخب الوطني، لكنه بالمقابل متواضع جداً مع مقربيه وأصدقائه".
اعتاد حمدالله قضاء فترة من إجازاته السنوية في "حاضرة المحيط"، ولا يتوانى عن الجلوس مع أصدقاء طفولته في المقاهي الشعبية، والاستمتاع بأكل "شواية السردين" المعروفة في المدينة بالمطاعم الشعبية والعشوائية أيضاً.
يحكي عبد السلام، من ساكنة آسفي، أنه فوجئ ذات يوم بدخول حمد الله إلى بيته المتواضع، رفقة ابنيه اللذين التقيا به صدفة، وأصرا على أن يأتي معهما لشرب الشاي في المنزل، وقبل ذلك برحابة صدر.
ويسرد أبناء حيه ومدينته حكايات مماثلة، كفيلة بدحض كل المزاعم التي تقول إن حمد الله مغرور وأناني، أو يعاني "تضخماً في الأنا" كما وصفه فوزي لقجع، رئيس الاتحاد المغربي في تصريح سابق.
فاعل خير
يقدم حمد الله المساعدة للآخرين، ويتبنى مبادرات إنسانية، خاصة في بعض المناطق المغربية الفقيرة، لكن دون أن يصاحب ذلك صخب إعلامي، فنجم الاتحاد السعودي، حسب معلومات تحصل عليها "winwin" أسهم في الكثير من عمليات حفر الآبار في القرى والمناطق المغربية التي عانت ندرة المياه.
وتواصلت العديد من الجمعيات المتخصصة في الأعمال الخيرية، سواء في المغرب أو في أوروبا من الجالية المغربية مع حمد الله وشقيقه ووكيل أعماله في الوقت ذاته (عبد الرحيم)؛ لطلب الدعم المالي لحفر آبار، أو بناء مدارس ودور أيتام. وتجاه ذلك، لم يتردد لاعب الاتحاد في تقديم المساعدة، وكان جوابه دائماً: "سأسهم بما "قسم الله"
وفي إحدى زياراته لآسفي، وخلال خروجه من مقر المحافظة، لفت انتباهه طفلان من ذوي الاحتياجات الخاصة يفترشان الطريق، وتبين له أنهما ينتظران الحصول على دعم اجتماعي من المحافظة؛ بالنظر لحالتهما الصحية.. لم يتردد حمد الله في التدخل لدى مسؤولي المدينة، وأوصل الطفلين بنفسه إلى منزلهما وساعدهما بما "قسم الله"
عاشق البحر.. وبار بوالديه
ظل حمد الله مُغرماً بزرقة مياه المحيط وأمواجه والبحر المتوسط، ولا يدع فرصة زيارته لآسفي تمر دون الاستمتاع بمياهها، وممارسة هواياته الأخرى خارج كرة القدم، فالكثير لا يعرف أن النجم المغربي يهوى الغوص وركوب الأمواج، والتلذذ بمذاق الأسماك.
ويتوفر في منزل حمد الله بآسفي كل التجهيزات الكاملة لممارسة رياضة الغوص وركوب الأمواج، ولا يدع أي فرصة تمر دون ممارستها.
علاقته بوالدته قوية جداً؛ فهو "بار بالوالدين" كما يصفه مقربوه، كيف لا، وقد نقل الأسرة اجتماعيا إلى مستوى آخر، بعد العقود التي وقعها والمنح والرواتب الضخمة التي تقاضاها في الأندية التي لعب لها حتى الآن.
وحقق حمد الله رقمًا قياسيًا فريدًا من نوعه؛ بعدما بات اللاعب الوحيد الذي حاز صدارة الهدافين في الدوري المغربي، رغم أنه لم يلعب سوى نصف موسم فقط. بعد ذلك، انتقل في فترة "الميركاتو" الشتوي، من أولمبيك آسفي إلى الدوري النرويجي عام 2013، ليبدأ رحلة احترافية خارجية لا يمكن القول عنها سوى أنها "ناجحة"، و"ناجحة للغاية".