المؤسسات الرياضية تنتصر لـ "أوكرانيا"وتدير ظهرها لفلسطين

2022-03-16 21:58
جماهير الترجي التونسي ترفع العلم الفلسطيني في إحدى المباريات الإفريقية (Getty)
Source
+ الخط -

أظهرت الحرب الدائرة رحاها بين روسيا وأوكرانيا منذ نحو أسبوع، ازدواجية المعايير التي تتبعها اتحادات كرة القدم العالمية في التعامل مع القضايا السياسية المختلفة، فبعدما كانت الاتحادات الدولية، على رأسها الاتحاد الدولي لكرة القدم، تُعاقب كل من يُقحم الرياضة في السياسة، ها هي نفسها تعود لتُقدم الدعم الكبير لـ"أوكرانيا" وتستخدم الرياضة لتحقيق أغراض سياسية، في تصرف يُظهر بشكل واضح للغاية المعايير المزدوجة التي تستخدمها تلك المؤسسات، التي أصبحت تُجزئ المبادئ وتفصلها تماماً حسب جنسية الجاني والمجني عليه ولونه وعرقه وحسب المصالح قبل كل شيء.

عزل روسيا "رياضياً"

ورافق الهجوم الروسي على الأراضي الأوكرانية موجة عزل كبيرة على المستوى الرياضي، فقد أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" والاتحاد الأوروبي لكرة القدم "اليويفا"، في بيان مشترك، إيقاف منتخب وأندية روسيا من جميع المسابقات حتى إشعار آخر، كما اتخذ "اليويفا" أيضاً قراراً يقضي بسحب تنظيم المباراة النهائية للنسخة الحالية من بطولة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم من روسيا ونقلها إلى العاصمة الفرنسية باريس، وذلك في أعقاب الغزو الروسي للجارة أوكرانيا، والذي بدأ منذ الرابع والعشرين من شهر فبراير/ شباط 2022، عندما بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشن "عملية عسكرية روسية" في إقليم دونباس شرقي أوكرانيا.

ولم يكتفِ الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بذلك، فقد أنهى أيضاً الشراكة مع شركة غازبروم الروسية، التي كانت  تغطّي تكاليف دوري أبطال أوروبا والمسابقات الدولية التي ينظمها يويفا، إضافة إلى كأس أمم أوروبا التي تستضيفها ألمانيا في العام 2024، كما استبعد فريق "سبارتاك موسكو"، الذي يعد الممثل الوحيد لروسيا في المسابقات الأوروبية، من بطولة الدوري الأوروبي، ليتأهل فريق لايبزيغ الألماني بدلا منه إلى دور الثمانية من البطولة، من جانبه أوصى المجلس التنفيذي للجنة الأولمبية الدولية، الاتحادات الدولية بمنع مشاركة الرياضيين الروس ونظرائهم من روسيا البيضاء في البطولات احتجاجاً على الغزو الروسي لأوكرانيا.

ازدواجية المعايير

وأبانت الحرب الروسية-الأوكرانية ازدواجية المعايير التي تتبعها المؤسسات الرياضية العالمية في التعامل مع القضايا السياسية، حيث كثيرا ما لعبت تلك المُؤسسات دور المتفرج في التعامل مع القضايا السياسية الأخرى، خاصة القضية الفلسطينية؛ ولم تنبس ببنت شفة إزاء الانتهاكات الإسرائيلية بحق الرياضيين الفلسطينيين، بدءاً من قصف وتدمير المنشآت والبنى التحتية الرياضية، مروراً باستهداف وإصابة واعتقال نخبة واسعة من الرياضيين في شتى الألعاب الرياضية؛ وانتهاءً أيضاً باستشهاد عدد كبير من الرياضيين الفلسطينيين وإصابة آخرين، دون أدنى اكتراث بقواعد وأخلاقيات اللجنة الأولمبية الدولية ومبادئ الاتحاد الدولي لكرة القدم.

ولا يزال الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" يغض الطرف عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي العنصرية ضد الرياضة الفلسطينية وضد الرياضيين والأندية الفلسطينية، حيث لم تدخر سلطات الاحتلال الإسرائيلي جهدًا في سبيل عرقلة تطوير الرياضة الفلسطينية، إذ دأبت على منع تشييد البنية التحتية للمنشآت الرياضية، وتدمير المنشآت القائمة، واقتحامها وتدمير ممتلكاتها، وإغلاق البعض منها، ومنعها من ممارسة نشاطاتها؛ فضلًا عن استهداف حياة اللاعبين والإداريين ليرتقي العديد منهم شهداء؛ كما عملت على تقييد حرية انتقالهم وسفرهم، وزجت بأعداد كبيرة منهم في السجون والمعتقلات، ناهيك عن احتجاز الأدوات والمعدات في الموانئ، وفرض الرسوم الجمركية الباهظة عليها.. ولم تتوقف الانتهاكات عند هذا الحد، بل أنشأت ما يسمى بـ"أندية المستوطنات" كأحد أدواتها لخدمة الاستيطان وابتلاع المزيد من الأرض الفلسطينية.

ولم تكتفِ تلك المؤسسات بتقمص دور المتفرج فحسب، فقد فرضت أيضاً غرامة على كل من سوّلت له نفسه الدفاع عن القضية الفلسطينية، فقد قرّر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "اليويفا" في عام 2016 توقيع غرامة مالية قدرها 15 ألفاً و900 جنيه إسترليني على نادي سيلتك الاسكتلندي؛ على خلفية رفع جماهير النادي للأعلام الفلسطينية، خلال المواجهة التي جمعت الفريق أمام فريق هبوعيل بئر السبع الإسرائيلي، ضمن منافسات الدور الحاسم المؤهل لمرحلة دور المجموعات من بطولة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، الأمر الذي يُعد مخالفاً للمادة "16" من قوانين "اليويفا" التي تحظر استخدام أي شعارات سياسية أو رفع لافتات لا تتلاءم مع الأحداث الرياضية.

وليس ببعيد عن "اليويفا"، فقد أسقطت الحرب الدائرة في أوكرانيا القناع عن المعايير المزدوجة لاتحادات كروية أخرى، من بينها الاتحاد الإسباني لكرة القدم، الذي سبق له في عام 2009 معاقبة النجم المالي فريدريك عمر كانوتيه مهاجم نادي إشبيلية السابق بغرامة مالية بعدما كشف عن قميص يرتديه كتبت عليه كلمة "فلسطين" بعدة لغات، أثناء احتفاله بإحراز هدف في مباراة فريقه ضد ديبورتيفو كورونا في كأس ملك إسبانيا، لكنه دعم بقوة لاعبي فريق برشلونة وأتلتيك بلباو الذين حرصوا قبيل مواجهة الفريقين في الدوري الإسباني، يوم الأحد، على رفع لافتة كُتب عليها أوقفوا الحرب.

ولم تقتصر ازدواجية المعايير على مؤسسات كرة القدم العالمية فحسب، فقد مارست اتحادات أخرى الأمر ذاته، حيث اتخذ الاتحاد الدولي للجودو قراراً أعلن فيه تعليق دور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بوصفه رئيسا شرفيا للاتحاد وسفيرا له، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، ولعل اللافت في الأمر أن نفس الاتحاد قد سبق له إيقاف اللاعب الجزائري فتحي نورين ومدربه عمار بن يخلف 10 سنوات، ومنعه من المشاركة في أي نشاطات أو مسابقات ينظمها الاتحاد أو الاتحادات المنضوية تحته بذريعة إقحام السياسة في الرياضة، وذلك عقب رفضه مواجهة مصارع من إسرائيل في دورة الألعاب الأولمبية "طوكيو 2020".

شارك: