الفريق الألماني في قطر.. أدب الأقدام في المونديال!

تاريخ النشر:
2023-01-28 16:16
أرشيفية - حسرة لاعبي ألمانيا بعد الخروج من كأس العالم قطر 2022 (Getty)
وسام كنعان
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

لن يسامح عشاّق "المانشافت" فريقهم الوطني لكرة القدم، كما أنهم لن يغفروا بسهولة لاتحاد الكرة في بلادهم، غالبًا قد حمّلوا أسباب التردي للصيغة "الوقحة" التي أراد فيها منتخبهم المشاركة في مونديال قطر، والمطالبة بما ليس لهم أيّ حق فيه، كما أن إعلامهم التحريضي الذي فتح مصراعيه من أجل قضايا تجافي بالعمق فكر وفلسفة كرة القدم، كان شريكًا حقيقيًّا في النتيجة النهائية لمشاركة ألمانيا الهزيلة وخروجهم المذلّ في المونديال الأخير!

المونديال في قطر نجح بشكل باهر، هذه حقيقة دامغة، وشمس ساطعة لا يمكن مواراتها بغربال! بينما فشلت ألمانيا بطريقة تسحل خاطر مشجعيها ومحبيّها، وهذه أيضًا بديهية صريحة، تجلّت بمغادرة مخزية من الدور الأوّل، أما السبب ربما يكون مفاجئًا، كونه يكمن دون شكّ في اللياقة العامة، وفن التنظيم، والأدب الكروي؟! 

فاليوم، لا تبدو ألمانيا هذه ذاتها البلاد التي حملت كأس العالم، أربع مرات أي أنها وصيفة البرازيل المتربعة على عرش الكأس بتحصيله خمس مرّات. ولا هي ذاتها من طحن "السيليساو" بسبعة أهداف مقابل هدف في مونديال 2014، ولا نفسها أكثر من لعب ربع نهائي، ونصف نهائي في العالم، وأكثر من حصّل المركز الثاني والثالث أيضًا.

ليست هي التي خرجت مسحوقةً ومُدمَّرةً من الحرب العالمية الثانية سنة 1945، وبعدها بتسع سنوات أي في عام 1954 حصدت لقب كأس العالم بعد الفوز على المجر بريمونتادا مذهلة، وثلاثية لا تُنسى رغم تأخرهم بدايةً بهدفين، فيما أسفرت مقابلة الفريقين بالدور الأوّل على فوز عريض للمجر، بثمانية أهداف مقابل ثلاثة!

ليست هذه ألمانيا التي تخلّصت من النازية وعمّرت بلادها، ولا هي أبهى من صاغ دراما واقعية تحرث الوجدان، وتكرّس التجارب المرجعية لشعوب الأرض، عندما خرجت أكثر من 60 ألف امرأة ليزلن أنقاض المباني المهدمة إبان الحرب، فأُطلق عليهن اسم «نساء الأنقاض» ورفعت لهن النُصب التذكارية في العديد من مدنهم بعد إعادة إعمارها وتوهّج الحياة فيها.

كان حَريًا بالإعلام الألماني خلال مونديال قطر أن يستفيد من التجربة الألمانية ذاتها، على فرادتها واستثنائيتها سنة  2006 عندما نظمت ألمانيا كأس العالم، وقررت أن تدهش الكوكب، فجعلت من الأدب جزءًا جوهريًّا في عملية الترويج الإعلامي للحدث الرياضي الأهم.. يومها وجّهت الدعوات إلى عدد من أهم أدباء العالم، بالتوازي مع تخصيص قسم خاص تحت عنوان "أدب الأقدام في المونديال" ليتاح للجمهور في أثناء الدخول لحضور المباراة متابعة واقتناء أهم الكتب والروايات التي عنيت بكرة القدم.

طبعاً لم يكن مفاجئًا حضور الأديب البرازيلي الشهير باولو كويلو (1947) لأن صاحب رائعة "الخيميائي" (صدرت عام 1988) يستنشق مثل كلّ شعبه  عشق مستديرة السحر مع ذرّات الأكسجين! كذلك حضر الفيلسوف والروائي الإيطالي أمبرتو إيكو (1932/2016) الذي يمتلك مكتبة قوامها 50 ألف كتاب بينها 1200 عنوان نادر، وكتب عن فن كرة القدم وأهميّتها!

المحفل الأبرز أحال المدن الألمانية إلى ما يشبه الصالونات الأدبية، المعنية بفن التأليف استلهامًا من كرة القدم أو حولها، قبل أن يدخل الشعر والإعلان والملصقات الدعائية، ويتم اقتباس مقولات الأدباء والفلاسفة ووضعها في محطات المترو والمقاهي.

كلّ ذلك بكفّة بينما التماهي الذي حصل بين: الأدب، ولحظة الذروة المسرحية، وكرة القدم.. يبقى في كفّة ثانية؟!

فقد حرص المنظمون على دعوة الأديب الألماني غونتر غراس (1927-2015) وهو الأكثر شهرة في بلاده، والذي دأبت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل على تهنئته بعيد ميلاده، كنوع من الاعتراف بقيمته وخصوصيته.. سيما أنه روائي وشاعر وكاتب مسرحي سبق أن شارك في الحرب العالمية الثانية كمساعد طيّار، واعتبر أهم أدباء مرحلة ما بعد الحرب حتى نال جائزة "نوبل للآداب" سنة 1999.

كما أنه انتقد الغرب وإسرائيل في مقابلات وقصائد أشهرها قصيدة "ما ينبغي أن يقال" أثارت ضجة وبلبلة وهجوم إعلامي ألماني حوله، فيما اعتبر بأن النازية صفحة سوداء يجب أن تطوى تمامًا.

هكذا، دُعِي الرجل ليس لحضور المباريات فحسب، بل ليقرأ مقاطع من أعماله الأدبية والشعرية في الملعب الرئيسي للمونديال، على مسمع الجمهور العريض الذي يتلهف لمتابعة مباراة كرة قدم بينما لن تضيره جرعة أدب في لحظة درامية متّقدة، صفّق فيها الجمهور لنجم الأدب الألماني، قبل أن يشجّعوا نجوم منتخبهم على رأسهم: الكابتن مايكل بلاك والحارس الأسطوري أوليفر كان. 
 

شارك: