الجزائر تكشف المستور!
لم يعد واقع الرياضة العربيّة يحتمل التزييف في صوره أو التحريف في نتائجه، لا سيما بعد أن فضحت دورة الألعاب الرياضيّة العربيّة في نسختها الخامسة عشرة بالجزائر مستور رياضات 22 دولة مُشارِكة استعدَّتْ لها منذ فترة طويلة، كُلًّا حسب القُدرات والمؤهّلات والتمويل الخاص لإعداد الأبطال والبطلات، وإن لم تحقّق طموحاتها بنسبٍ دنيا!
إنّ مُدن العاصمة وعنابة ووهران وتيبازة وقسنطينة تشهد كلَّ يومٍ منافسات مثيرة في مختلف الألعاب التي لاقت إقبالًا جماهيريًّا واسعًا من أبناء البلد المُضيّف خاصّةً والعرب عامّة، بعدما استعرض أكثر من رياضي ورياضية مهاراتهم كمشاريع ميداليّات ملوّنة في الدورات الكُبرى مستقبلًا، وذلك ما تجلّى في فعاليات ألعاب القوى والجودو والسباحة والملاكمة وغيرها، حيث اتضح بلا شك الفارق الفنّي بين رياضيي غرب أفريقيا ونظرائهم في آسيا والذي تولّدَ منذ زمن بعيد نتيجة اهتمام الجزائر وتونس و المغرب بتأهيل الشباب في أقسى الظروف المعيشيّة والتدريبيّة ما ساعدهم في البروز مُبكِّرًا، والمضي نحو منصّات التتويج بثقة كبيرة.
هكذا نجد أن الاتحادات الرياضيّة العربيّة تواجه تحدّيات كبيرة في دورة الاختبار الجدّيّ لما خُطّط له قاريًّا وعالميًّا، فاللجان الأولمبيّة الوطنيّة في الدول الـ 22 تدركُ تمامًا أن نتائج الاختبار العربي المستمر حتى الخامس عشر من يوليو الحالي، ستكون أساس الخُطط المؤمّل إنجازها في النصف الثاني من العام الحالي، لا سيما تلك المتعلّقة بالحصول على نقاط التأهيل إلى دورة الألعاب الأولمبيّة باريس 2024 أو دورة الألعاب الآسيويّة في هانغتشو الصينية سبتمبر القادم، وهذه المهمّة ستكون على عاتق لجان الخبراء في تحديد أي الأرقام المُشجّعة على تحقيق الميداليّات في تلك المنافستين المُرتقبتين.
من خلال جدول ترتيب ميداليّات دورة الألعاب العربيّة بالجزائر، يُمكننا فرز اللجان الأولمبيّة الوطنيّة المُثابرة التي حقّقت فرقها حصادًا وفيرًا من الميداليّات الذهبيّة والفضيّة والبرونزيّة مع أرقام تنافسيّة عالية، عن تلك اللجان الخائبة التي لم تُكاشِف بعثاتها الرسميّة عن الحقائق المفترض تضمينها في تقارير اللجان الفنيّة المحليّة بأن رؤساء اتحاداتها لم يمتلكوا الشجاعة ليقولوا (لسنا بالجاهزية التامّة) و(لم نعمل بما تستوجبه المشاركة العربيّة) ففجّرت تسلسلات الرياضيين في نهاية كل فعّالية، بعد أن قطعت الدورة نصف أيامها، فضائح تقهقر دول كبيرة أغدقت حكوماتها الأموال والمستلزمات على رياضييها؛ لكنهم خرجوا من "المُوْلِد بلا حُمّص"!
وأُولى اللجان الأولمبيّة الوطنيّة العربيّة التي يجب أن تفتح تحقيقًا مع بعض اتحاداتها هي "العراقيّة" برئاسة الكابتن رعد حمودي الذي يواصل مسؤوليته منذ أبريل عام 2009 إلى الآن، ويعرف ما يدور في كلّ اتحاد رياضي مثل السباحة وألعاب القوى اللذين أثارا غضب الشارع الرياضي، ودفعا الإعلام الرياضي لتوجيه أسهم النقد اللاذعة نتيجة النتائج المتدنيّة التي أشّرَتْ سوء التعامل مع ملفّ التحضير للدورة العربيّة، وعدم صلاح المدرّبين المُكلفين بوضع البرامج للرياضيين، والمُبالغة في الوعود، والهدر في الإنفاق وفوضى المناهج، وإلّا لمن يُخطّط رؤساء الاتحادات بعدما فشلوا في اختبار آمال ألعابهم ضمن المحيط العربي؟!
ثم ما نفع التصريحات الإعلاميّة التي اعتاد البعض توزيعها بين وسائل الإعلام لذرّ الرماد في العيون بشأن صعوبة الحصول على نتائج مُرضية في خمس سنوات من الإعداد؟ ماذا ينتظر رئيس الاتحاد؟! هل يقضي 20 عامًا من أجل أن يَخرج لنا بتصريح مُماثل مفاده أن بيئة الرياضة غير صالحة لصناعة بطل أولمبي؟!
لا بدَّ من المُتابعة والمُحاسبة حفاظًا على المال العام، فلا يوجد رئيس اتحاد أو مدرب أو رياضي فوق مصلحة الوطن؛ مهما كانت خبرته وتاريخه، الوطن أوّلًا، وحقّه على الجميع أن يُسمَعْ نشيدهُ لحظة التفوّق والتتويج.
لا يسعنا إلّا القول مبارك للجزائر، فقد نجحت بامتياز في احتضان الفرق العربيّة، وتهيئة كل مقوّمات تنظيم الفعّاليات لـ 3500 رياضي عبّروا عن سعادتهم وسط احتفاء بلد المليون ونصف المليون شهيد بهم، فهذه القمّة الرياضيّة جديرة بأن تمنح دروس التضامن بين الأشقاء لتوحيد الصفوف والتعاون والتسامح والمحبّة ودرء الفتن في عصر المخاطر المُهدِّدة للحضارة والرسالة الإنسانية.